قلق مكتوم في الأردن من العدوان الإسرائيلي على لبنان
شكل تصعيد العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان قلقاً بالغاً مكتوماً للقيادة الأردنية مما لذلك من تداعيات كبيرة على المملكة وعلى المنطقة ككل.
ويثير هذا التصعيد العديد من الهواجس، أهمها تأثيره على المملكة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، واحتمالات جر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المنطقة لحرب شاملة، وخصوصاً إعلانه أنه يريد تغيير خريطة المنطقة، وما إذا كان باستطاعة الأردن، الذي يقع في قلب منطقة ملتهبة، النأي بنفسه عن تلك الحرب في حال وقوعها.
جيوسياسية ملتهبة
كان الزعيم الفرنسي الشهير شارل ديغول يردد أمام محاوريه مقولة مفادها “إذا أردت التكلم في السياسة، فانظر الى الخريطة.”
هذه المقولة تساعد على فهم التحديات التي تتعرض لها المملكة. فالموقع الجيوسياسي للأردن جعله يعيش في واقع خطير ودقيق في ظل محيط ملتهب تتسارع فيه الأحداث: الوضع المأساوي الناجم عن العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة والضفة الغربية؛ التصعيد الكبير للاحتلال الإسرائيلي في لبنان؛ التوترات على حدود المملكة الشمالية مع سورية في ظل الأحداث الأمنية التي تشهدها منطقة الحدود؛ المخاوف من اختراقات على الحدود مع العراق حيث العديد من الفصائل العراقية بأجندات خاصة بها قد تؤثر على الوضع الأمني على المملكة.
تحذير من التصعيد
مع تزايد حدة العدوان الإسرائيلي على لبنان أعلن الأردن دعمه لأمن هذا البلد واستقراره وسلامة شعبه ومؤسساته، وسط قلق بالغ من تطور الأحداث في المنطقة برمتها.
وحذرت وزارة الخارجية الأردنية من “التصعيد المتزايد في جنوب لبنان وتداعياته الخطيرة التي قد تؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية تهدد أمنها واستقرارها، وخصوصاً في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”. وشددت على ضرورة “تكاتف كل الجهود لخفض التصعيد وحماية المنطقة من خطر الانزلاق نحو حرب إقليمية”. واعتبرت أن “استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والفشل في التوصل إلى اتفاق تبادل يفضي إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، يضع المنطقة كلها في مواجهة خطر توسع الصراع إقليميا.”
تداعيات سياسية وأمنية
تؤثر الحرب الإسرائيلية على لبنان مباشر على أمن الأردن سياسياً وأمنياً، فالمملكة ولبنان جزء من إقليم بلاد الشام المترابط، كما أن تأثيرها قد يفوق ما يحدث في الأراضي الفلسطينية بسبب سياسة اليمين المتطرف الإسرائيلي.
أول هذه التحديات ان التصعيد سيؤدي الى خلق بيئة أكثر تعقيداً من الناحية السياسية والأمنية، حيث تعمل الفصائل الموالية لإيران في العراق واليمن باستهداف إسرائيل بالمسيرات، وهذا من شانه أن يفرض أكلافاً سياسة وأمنية تؤثر مباشر وبشكل غير مباشر على المملكة.
فثمة خشية من أن هذه الحرب قد تثير حالة من عدم الاستقرار في المملكة من جانب إيران والفصائل الموالية لها لضمان أن عمّان لن تُسهل مهاجمة إسرائيل عبر مجالها الجوي، كونه مجالاً سيادياً أعلنت المملكة أنها لن تسمح باستباحته، والأشد خطورة هي الحالة الشعبية المتضامنة مع المقاومة، والمطالبة بالسير وفق نهجها، علماً بأن الشارع الأردني يقف إلى جانب حزب الله منذ أن أطلقق الأخير معركة مساندة قطاع غزة بعد يوم على انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، فبادر اعتباراً من 8 تشرين الأول/ أكتوبر بعمليات قصف يومية للتخفيف من الضغط على غزة، وقد انعكس تأييد الجمهور لحزب الله، على تصريحات المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين مراد عضايلة الذي قال إن “غزة وجنوب لبنان معاً” في إطار معركة طوفان الأقصى.
كما أن استمرار الحرب في لبنان قد يؤدي إلى موجة نزوح من إلى المملكة، مثلما حدث في حرب تموز/ يوليو 2006، وهذا يشكل تحدياً كبيراً في حال تدفق لاجئون لبنانيون، سوف يضافون إلى أكثر من مليون لاجئ في البلد.
تداعيات اقتصادية
استمرار الحرب في جنوب لبنان وإمكانية تطورها سوف يؤثر سلباً على اقتصاد المنطقة ومنها الأردن الذي يعاني أصلاً من مشاكل جمة، منها ما هو ناجم عن العدوان الإسرائيلي على غزة، ومنها يعود إلى طبيعة الاقتصاد الأردني، والأزمات الاقتصادية العالمية.
فتحول الحرب إلى حرب شاملة في المنطقة سيؤثر على حركة التجارة التي تمر من خلال باب المندب وصولاً إلى ميناء العقبة، ما يعني احتمالات حصول ارتفاعات قياسية جديدة على أجور الشحن واختلال سلاسل التوريد وتعريض الأمن الغذائي للخطر، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع.
كما أن أحد تداعيات الحرب هو ارتفاع مخاطر الاستثمار في المنطقة وتباطؤ المشاريع والحركة السياحية، مع تراجع العديد من الأنشطة الاقتصادية وما يتخللها من ارتفاع للفقر والبطالة.
مخاطر حقيقية
أول وأهم المخاطر التي قد يعانيها الأردن من استمرار العدوان الإسرائيلي، المغطى غربياً، على غزة والضفة خلخلة جبهته الداخلية، إذ أن الشارع الأردني يدعم المقاومة ويدعو لإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل.
كما تتخوف المملكة من أن إصرار نتياهو على توسيع نطاق الحرب لتصبح حرباً إقليمية، سوف يشكل تحدياً كبيراً لسياستها التي تحاول النأي بنفسها عن الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران، وكيفية إحداث توازن في علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة والجبهة الداخلية.
وفي هذا السياق، استَبَقَت المملكة احتمالات حدوث حرب إقليمية شاملة بإجراءات، منها فتح قنوات اتصال مباشر مع إيران، ظهرت من خلال لقاءات العاهل الأردني بالرئيس الإيراني في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبلها زيارة وزير الخارجية ايمن الصفدي إلى طهران.
وأكثر ما يخيف الأردن، وقوف نتنياهو في الأمم المتحدة وعرضه خارطة للمنطقة لا تشير إلى وجود دولة فلسطينية، الأمر الذي سيكون له بالغ الأثر في ظل عدم وجود رد فعل عربي ملموس قادر على ردع عدوانية إسرائيل.