فوز الإسلاميين في الأردن والرسائل الداخلية والخارجية
شكل فوز جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين، بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مقارنة بباقي المتنافسين، حدثاً بالغ الأهمية، يحمل العديد من الرسائل، داخليا وخارجياً، أهمها دعم الشارع الأردني للمقاومة في وجه مخططات اليمين المتطرف في إسرائيل، كما أثار العديد من التساؤلات حول كيفية تعامل النظام الرسمي الأردني مع نتائج الانتخابات، وما هو تأثير الفوز على الشارع الإسرائيلي، وهل سيساهم فوز الجبهة في إعطاء دفعة للإسلام السياسي في المنطقة.
فوز عريض
فقد حصدت جبهة العمل الإسلامي 31 مقعداً من أصل 138 في مجلس النواب، في أعلى نتيجة لها في الانتخابات البرلمانية منذ بدء التحول الديمقراطي في البلاد سنة 1989، فيما حل حزب الميثاق في المرتبة الثانية بحصوله على 19 مقعداً، والذي بلغ عدد المقترعين له 92 ألفاً فقط.
أهمية فوز الجبهة في الانتخابات بنحو 22,5% من مقاعد المجلس النيابي يعكس تغيراً في الإرادة والمزاج الشعبي للشارع الأردني الذي يعاني من محيط ملتهب، وتدهور اقتصادي كبير، مع ارتفاع معدلات البطالة وتراجع مستوى التنمية، فيما كانت الجبهة قد حصلت في الانتخابات البرلمانية سنة 2020 على 10 مقاعد توزعت بين اعضاء في الحزب ومتحالفين معه ضم قوائم الاصلاح.
واستطاعت الجبهة الفوز جراء خبرتها في الانتخابات وذلك من خلال تقديم مرشحين ذوي خلفيات عشائرية قوية من جهة، وتبنيها في برامجها الانتخابية نهج المقاومة والتركيز على القضايا التي تهم المواطن الأردني العادي كالوضع الاقتصادي والفساد ودعم الشباب وغيرها من جهة ثانية.
إرادة التغيير ودعم المقاومة
اعتبر المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن مراد العضايلة أن الانتخابات كانت استفتاء على التيار الإسلامي ومساره وبرنامجه، كما أنها استفتاء على مسار المقاومة ودعم المقاومة، وأن من يمثل نهج المقاومة دُعِم في الشارع الأردني الذي يرى أن المقاومة الفلسطينية تدافع عن الأردن وعواصم العرب.
وأضاف العضايلة أن “الانتخابات تعكس إرادة التغيير لدى المواطنين، فمن انتخب الحركة الإسلامية ليسوا بالضرورة من الإسلاميين لكنهم ينشدون التغيير وملوا من النهج السابق.”
وكان حزب جبهة العمل الإسلامي قاد المظاهرات في الأردن على مدار 11 شهرا.
بين المرونة والاستثمار
تميزت الانتخابات البرلمانية الأردنية بالنزاهة من الأحزاب المشاركة ومنها جبهة العمل الإسلامي، إذ إن النظام لم يتدخل في تحديد نتائجه، بهدف إنجاح العملية السياسية بعد الإصلاحات السياسية التي اعتمدتها القيادة الأردنية، سعياً لإعادة ثقة الشارع الأردني بالعملية السياسية برمتها، علماً أنها عانت منذ 1989 من جملة مخالفات وتجاوزات.
كما سمح النظام للجبهة بترديد شعارات بسقوف عالية في مسيراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية المؤيدة لغزة.
وتشير المعلومات إن مشاركة التيار الإسلامي في الانتخابات أسهمت في رفع نسبة التصويت إلى 32,5%، الأمر الذي أدى إلى إضفاء شرعية على الانتخابات كانت القيادة الأردنية بأمس الحاجة له.
كذلك فإن المناخ الإقليمي الملتهب بعد العدوان الإسرائيلي على غزة وتوسعه ليشمل الضفة الغربية التي تعتبر ذات حساسية عالية للمملكة، وخصوصاً مع سعي اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية والطرح المتكرر للوطن البديل في الأردن، جعل من وجود كتلة إسلامية كبيرة تدعم المقاومة تساند النظام في مواجهة تلك التهديدات.
واثبت النظام الأردني أنه كان يتميز بمرونة في تقبل نتيجة فوز الإسلاميين الكبيرة، إذ إنها ستشكل صمام أمان للغضب الشعبي من العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع والضفة.
تأثير محدود
على الرغم اكتساح جبهة العمل الإسلامي للانتخابات، إلّا أن تأثير فوزها يبقى محدوداً بسبب طبيعة النظام وتركز السلطات في يد العاهل الأردني، من خلال حل البرلمان وتشكيل الحكومة وغيرها، بالإضافة إلى قانون الانتخابات الجديد يسمح بتعددية حزبية من دون الحصول على الأغلبية النيابية.
ومن القضايا التي يمكن لجبهة العمل الإسلامي تحقيقها هو إمكانية تحالفها مع شخصيات معارضة لتشكيل الثلث المعطل الذي ينص عليه الدستور الأردني، والذي قد يعطل المجلس في إقرار التشريعات.
علماً بأن الكتلة الوازنة للجبهة والتأييد الشعبي لها سيجعل أعضائها أكثر نشاطا في أروقة المجلس من خلال طرح وجهة نظرها في السياسات الداخلية، فضلاً عن التقدم بطلبات استجواب الحكومة وطرح حجب الثقة ومناقشة سياسات الحكومة وغيرها، وهذا سيفرض على الحكومة أن تعمل بجد ووفق برامج مدروسة، وخصوصاً أن المملكة تشهد مشاكل اقتصادية جمة تتعلق بضعف معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع المديونية إلى مستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى معدلات البطالة التي تتجاوز 22 %، مع الإشارة إلى أنه لم يتم استجواب حكومة الخصاونة في السنوات الأربع السابقة.
حماس هي الفائز
أصابت نتائج الانتخابات الأردنية الإعلام والشارع الإسرائيلي بالصدمة، والذي اعتبر أن حركة حماس فازت في الانتخابات النيابية الأردنية، مبرزاً تصريحات للعضايلة اعتبر فيها معركة طوفان الأقصى بأنها أردنية ايضا.
وقد تضمنت الانتخابات النيابية رسالة بالغة الوضوح بان سياسة الاحتلال الإسرائيلي بإظهار الشعب الفلسطيني بانه معزول عن محيطه العربي باءت بالفشل خاصة بعد العملية التي قام بها الأردني ماهر الجازي في معبر جسر اللنبي والحالة الشعبية العارمة المؤيدة لها.
تداعيات وتحديات
على الرغم من أن العلاقة بين النظام الرسمي الأردني والإسلاميين شابها التوتر في الأعوام الأخيرة جراء التباين حول السياسة الداخلية والخارجية ومطالبة الإسلاميين بإلغاء المعاهدات مع إسرائيل، إلّا أن الانتخابات الأخيرة قد تعطي قوة للإسلام السياسي في الأردن والمنطقة العربية، وخصوصاً موقفه من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
وسوف تكون هذه الانتخابات مقلقة للعديد من الأنظمة في الدول العربية، باعتبارها مؤشراً على استعادة الإسلام السياسي لزخمه، وبالتلي قد تقدم تلك الدول على العودة إلى دعم النظام الأردني اقتصادياً بعدما كانت قد خفضت الدعم.
ويبقى السؤال هل ستستطيع جبهة العمل الإسلامي استثمار شعبيتها في الشارع من خلال نشاطها داخل مجلس النواب لتقديم إنجازات للأردنيين في كافة المجالات، وهل سيستمر النظام الأردني في اعتبارهم عنصر أساسي في تحقيق توازن سياسي في البلد؟