ظروف واحتمالات الانفتاح الأردني الإيراني الأخير

شهدت العلاقات الأردنية الإيرانية مؤخراً انفتاحاً مع وصول مسعود بزشكيان إلى رئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران، في وقت كانت تتسم العلاقات بين البلدين بـ “الحذر وعدم الثقة”.

ويثير تطور العلاقات بين الجانبين العديد من التساؤلات بشأت التوقيت والسياق الذي جاءت به، وعمّا إذا كانت المملكة تسعى لتوجيه رسائل محددة بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وإمكانية أن تسفر تلك العلاقات عن معالجة المخاوف والتحديات الأمنية والسياسية، وما إذا كان هناك أية محددات لتطور تلك العلاقات.

تحسن ملحوظ

شهدت العلاقات بين عمان وطهران تحسناً ملحوظاً منذ تسلم بزشكيان لمنصبه خلفاً للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، إذ قام وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بزيارة إلى طهران في 4 آب/ أغسطس الفائت والتقى الرئيس بزشكيان ووزير الخارجية بالوكالة علي باقري كني.

ودعا الصفدي، في زيارته التي وصفت بـ “الاستثنائية”، إلى “الدخول في حديث أخوي واضح وصريح، حول تجاوز الخلافات بين البلدين بصراحة وشفافية، بما يحمي مصالح كل من بلدينا، ويضعنا على طريق نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمها الأمن والسلام.”

كما التقى العاهل الأردني عبد الله الثاني بالرئيس بزشكيان في نيويورك في 24 أيلول/ سبتمبر الفائت، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الانفتاح بين الجانبين جاء في ظل تصريحات للرئيس الإصلاحي بزشكيان عن رغبته بتوطيد العلاقات مع دول الجوار بما في ذلك الأردن، وهو يعتبر من المؤمنين بسياسة الانفتاح والتقارب الإيراني مع الدول العربية والغربية.

الاتفاق السعودي الإيراني

يأتي تطور العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة في سياق مناخ من المصالحة ساد المنطقة والذي بدأ باتفاق إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في آذار/ مارس2023 برعاية صينية.

وكان مستوى العلاقات انخفض منذ نيسان/ أبريل 2016، وظهر ذلك بيّناً عبر استدعاء عمّان سفيرها في طهران للتشاور احتجاجا على ما أسمته “عدم استجابة طهران لمطالب الأردن ومجلس الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي بعدم التدخل في الشؤون العربية واحترام سيادة الدول”، وذلك على خلفية الاعتداء على السفارة السعودية في طهران بعد إعدام الرياض رجل الدين الشيعي السعودي الشيخ نمر باقر النمر.

والعلاقات بين البلدين اتسمت بالحذر وعدم الثقة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران وهروب  الشاه، والحديث عن تصدير الثورة، وصولاً إلى الحرب العراقية الإيرانية ووقوف الأردن مع صدام حسين، وتعقيدات وتداعيات الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، وتوجيه العاهل الاردني اتهاماً لإيران بنيتها إقامة جمهورية إسلامية في العراق تكون مقربة منها جداً، والتدخل في الشؤون العراقية، محذراً من سعيها لإقامة هلال شيعي في المنطقة يضم اليها كل من العراق وسورية ولبنان، ودعم طهران لفصائل مسلحة على الحدود مع سورية والعراق وغير ذلك من اتهامات.

ظروف إقليمية ودولية

تحسن العلاقات بين الجانبين أصبح ضرورة فرضتها الظروف الإقليمية والدولية المتمثلة بالعدوان الإسرائيلي على غزة والضفة، ولاحقاً لبنان، وتداعياته على أمن المملكة من جهة، والرغبة الإيرانية في تحسين العلاقات مع دول المنطقة من جهة ثانية.

فتزايد حدة العدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة على قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان ومخططات اليمين الإسرائيلي المتطرف التوسعي، يُضاف إليهما عدم مراعاة واشنطن مصالح الأردن السياسية والأمنية، جعل من التواصل بين عمًان وطهران خطوة ضرورية تحمل في طياتها رسائل لإسرائيل والولايات المتحدة بأن المملكة قادرة على مواجهة العدوان عبر شراكات إقليمية جديدة.

كما أن المرونة التي أبدتها القيادة الإيرانية مؤخراً مع وصول بزشكيان الى رئاسة البلاد، ستسمح بوجود حوار مباشر بين البلدين من دون وسطاء، وهذا من شأنه أن يجعل إيران تأخذ هواجس الأردن الأمنية في جنوب سورية والعراق من خلال وجود فصائل مسلحة محسوبة على طهران، والتوصل إلى تفاهمات تحد من مخاو المملكة التي تعيش في محيط جيوسياسي ملتهب.

وكذلك فإن الانفتاح على طهران من شأنه تحييد الأردن لنفسه من الاشتباك الإقليمي بين إسرائيل وإيران ومحاولة النأي بنفسه عن اية تداعيات سلبية لهذا الاشتباك، علماً بأن الأردن أعلن أنه لن يسمح بتحول سمائه إلى ساحة حرب.

الموقف الأميركي

على الرغم من ضرورات الانفتاح بين عمان وطهران، إلّا أن الموقف الأميركي يعتبر محدداً ومؤثراً لتطور هذه العلاقات على  الرغم من تجاهل واشنطن لمصالح الأردن ومخاوفه الأمنية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي.

ويأتي ذلك بحكم العلاقة الوطيدة بين واشنطن وعمّان من خلال التواجد العسكري الأميركي المتزايد في المملكة بموجب اتفاق عسكري بين الجانبين، بالإضافة الى المساعدات الأميركية التي تصل إلى 1,5 مليار دولار  سنوياً.

توازنات ومخاوف

لأن الأردن يعيش تحت تهديد أمني كبير ضمن وضع إقليمي وداخلي بالغ التعقيد، فإن ذلك يفرض على المملكة العمل بجد لخلق توازن في سياساتها الخارجية والداخلية.

وبينما تسعى المملكة من خلال إتاحة المجال أمام تعددية سياسية وحزبية مدروسة داخلياً، فإنها خارجياً يتوجب أن تركز على خلق توازن في علاقاتها بين إيران والولايات المتحدة، الأمر الذي يُسهل كثيراً عليها تطوير علاقاتها مع طهران وفتح حوار معها بشأن مخاوف المملكة الأمنية، من دون أن يترتب عليها أي رد فعل سلبي من قبل واشنطن، مع الأخذ بعين الاعتبار الموقف الشعبي الأردني الداعم للمقاومة في فلسطين ولبنان، والذي يطالب بإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي من جهة، والموقف الأميركي الداعم لإسرائيل من جهة أخرى.

كما أن تطور العلاقات بين البلدين سيرتبط بطبيعة الحوار والجديّة في تناول المخاوف الأمنية والتحديات السياسية لكليهما ومحاولة إيجاد تفاهمات تأخذ بالاعتبار تلك المخاوف.

ويبقى أن العامل الحاسم أيضاً في تطور تلك العلاقة، هو إمكانية تحول الحرب في المنطقة إلى حرب شاملة يسعى لإشعالها اليمين المتطرف في إسرائيل، من أجل تنفيذ مخططاته التوسعية في المنطقة لتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية، وإحياء فكرة الوطن البديل.