طريق السوداني إلى واشنطن غير سالكة
لم يعد طريق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى واشنطن معبدا بالزهور، مثلما كان في السنوات الماضية أمام رؤساء الحكومات العراقية، على الرغم من الفتور الذي يعتري العلاقات العراقية – الاميركية بين فترة واخرى وفق المزاج الإيراني.
ومع ان الولايات المتحدة تعد الراعي الرسمي للعملية السياسية في العراق، لكن النفوذ والتاثير الايرانيين على مفاصل أساسية في العراق، عرقل خطط واشنطن في تمرير بعض احتياجاتها سواء أمنياً أو سياسياً، لكنها وجدت في العصا المالية الغليظة التي بحوزتها وسيلة مهمة لفرض رغبتها على الحكومة العراقية في الحد من انعاش الاقتصاد الايراني المنهك، وبالتالي الحد من تأثير إيران أو إجبارها على التراجع تكتيكياً لحين تراخي القبضة الإيرانية على حركة المال في العراق.
خيبة أمل أميركية
فقد أُحيطت الزيارة المفترضة لرئيس الحكومة العراقية إلى واشنطن وتأجيلها مرات عدة، بغموض كبير، لجهة أسباب تأخرها حتى الآن، مع أن توليه السلطة جاء بتوافق أميركي – إيراني، وحراك دؤوب ومثمر جسدته حركة السفيرة الأميركية لدى بغداد في كواليس الساسة العراقيين، وحصولها على تعهدات بمواصلة سياسة الانفتاح والتوارن في العلاقات الدولية.
وقد يكون تأخر السوداني في الذهاب إلى واشنطن التي كانت من أوائل العواصم التي يزورها مظم رؤساء الحكومات العراقية عقب توليهم زمام السلطة، مؤشراً على خيبة أمل أميركية بشأن إدارته شؤون العراق، على وقع اشتداد عود شخصيات محسوبة على المليشيات المدعومة من إيران وتوليها مسؤوليات حساسة، واشتداد نفوذ أحزاب إسلامية سياسية تلجأ للنفاق السياسي في العلاقة مع واشنطن إلى حين تمكنها من إحكام قبضتها على مفاصل الدولة العراقية.
وطرحت بعض الجهات غير الرسمية ثلاثة ملفات تتعلق بعدم زيارة السوداني إلى واشنطن، هي: رغبة الولايات المتحد ببذل الحكومة العراقية مزيداً من الجهود لمكافحة الفساد، ووقف تهريب الدولار، وحل هيئة الحشد الشعبي.
ملف الفساد أهم من مستقبل الحشد
من الممكن ان يكون ملفا الفساد والسيطرة على حركة الأموال من وإلى خارج العراق ومراقبتها من النقاط الملحة التي طلبت واشنطن من السوداني الإسراع في معالجتها، لما لها من اثار سلبية على واقع المنطقة، لكن من المستبعد ان يحظى مستقبل الحشد الشعبي باهتمام كبير لدى واشنطن في هذه المرحلة على الأقل كونه لا يعرقل خططها.
فلو كان ملف الحشد له تأثير، لمارست واشنطن ضغوطاً على الحكومة لسحب الحشود الولائية الموالية لإيران من المدن السنية، ونشر قوات من الحشد لا ترتبط بإيران.
ولا تحتل هيكلة الحشد الشعبي أو دمجه في المؤسسة العسكرية سلم اولويات السوداني أو عمل الحكومة العراقية، بل خلافاً لذلك، تم تخصيص مبالغ ضخمة في الميزانية له، كما رصدت تخصيصات لشركة المهندس التابعة للحشد. فلو كانت هناك ضغوط اميركية على السوداني لما خصصت الحكومة في قانون الميزانية الذي أقره مجلس النواب تخصيصات مليارية تفوق ما مخصص للأجهزة الأمنية الأخرى.
ولم تعرض على الحكومة أو على رئيس الوزراء أي شروط ضمن البرنامج الحكومي أو حتى البنود السرية التي تخص تشكيل الحكومة مطالب بحل الحشد الشعبي.
ويحاول البعض إظهار زيارة واشنطن بانها محطة تُظهر رضا الولايات المتحدة على من يتولى منصب رئيس الحكومة العراقية، واعتبارها سياقاً ثابتاً ضمن سياقات السياسة الخارجية العراقية، مع أن معظم الدعوات التي وجهت إلى رؤساء الحكومات العراقية السابقين، كانت بروتوكولية، مع استثناءات بسيطة من بينها عدم توجيه دعوة لرئيس الوزراء الاسبق عادل عبد المهدي.
فريق السوداني والعلاقة بواشنطن
قد يسعى الفريق الحكومي المحيط برئيس الوزراء العراقي إلى الترويج إعلامياً بانشغال السوداني بالجانب الخدمي، وبأن حكومته قد طرحت نفسها حكومة خدمية تهتم بإلاعمار والاستثمار ومكافحة الفساد، على الرغم من هزالة الاجراءات المتخذة وضعفها، وهو ما يُظهره من إطلاق سراح المتورطين بفضيحة سرقة القرن والأمانات الضريبة التي يقدر حجمها بمليارات الدولارات.
ولا يرتبط رضا الولايات المتحدة على رئيس الوزراء بزيارته واشنطن، وإنما بتنفيذه مطالب سياسية وامنية وتجارية ونفطية وغيرها، ومن هنا يمكن للفريق المحيط بالسوداني الترويج بأن عدم دعوة واشنطن له لزيارتها إنما يرتبط باستقلاليته وعدم اعتماده على الولايات المتحدة وقربه من إيران، وانفتاحه في الوقت نفسه على العديد من الدول الصديقة للولايات المتحدة.
إن عدم زيارة واشنطن، قد يعكس تأثير ألاحزاب والميليشيات النافذة على الخارطة السياسية بشان انخراط العراق في مايعرف بـ “محور المقاومة” وتجاوب الحكومة مع مطالب بعض الاحزاب والمليشيات المعادية للوجود الأميركي بشأن تحجيم الدور الأميركي.