دوافع أمنية واقتصادية وراء الاهتمام الألماني بسورية
شهدت العلاقات الألمانية السورية تطوراً ملحوظاً بعد سقوط نظام الأسد، حيث زار العديد من المسؤولين الألمان سورية في الفترة الأخيرة، وتوِّجت هذه الزيارات بإعادة افتتاح السفارة الألمانية في دمشق خلال الزيارة الثانية لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في 20 آذار/ مارس 2025، بعد أن أُغلقت هذه السفارة منذ أوائل سنة 2012.
هذا التطور في العلاقات بين البلدين يدفع إلى التساؤل عن الدوافع الألمانية للتقارب مع الإدارة الجديدة، سياسياً واقتصادياً، وما إذا كان هذا التقارب يأتي في إطار إعادة عدد من اللاجئين السوريين إلى البلاد، وهل تسعى أوروبا وعلى راسها المانيا للانخراط في قضايا الشرق الأوسط، أم أن ثمة ملفات تهتم فيها ألمانيا مثلها مثل الدول الأوروبية الأُخرى؟
اللجوء
أحد الملفات التي تهم الدول الأوروبية هو ملف اللجوء، فقد تسببت الحرب الداخلية التي اندلعت سنة 2011، بموجة نزوح ولجوء كبيرة تعتبر من أشد أزمات الجوء في القرن 21، وكان لألمانيا النصيب الأكبر من دول الاتحاد الأوروبي في استقبال أعداد من اللاجئين السوريين، إذ تشير بيانات وزارة الداخلية الألمانية إلى أنه يعيش في ألمانيا نحو 975 ألف سوري، معظمهم وصل بعد سنة 2015، الأمر الذ دعا المكتب الاتحادي الألماني إلى تعليق اتخاذ قرارات بشأن طلبات اللجوء للمواطنين السوريين بعد سقوط نظام الأسد.
من هذا المنطلق، لدى ألمانيا مصلحة كبيرة في استقرار سورية من أجل تخفيف تدفق اللاجئين السوريين نحوها، وما يترتب على وجودهم من أعباء اقتصادية ومخاطر أمنية.
كما أن هناك رغبة ألمانية في إعادة اللاجئين الذين لم يحققوا اندماجاً في المجتمع الألماني، إضافة إلى المجرمين وأصحاب السوابق، والمتطرفين الإسلاميين.
انخراط في قضايا المنطقة
حتى ما قبل انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، كانت دول الاتحاد الأوروبي ومن بينها ألمانيا، تعتمد بشكل كبير على الشريك الأميركي في سياسته الخارجية تجاه العديد من القضايا حول العالم، ومن ضمنها قضايا الشرق الأوسط، إلا أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تشهد اليوم توتراً ملحوظاً بعد وصول ترامب إلى السلطة، بات يدفع دول الاتحاد إلى الانخراط بشكل أكبر في القضايا الدولية بعيداً عن الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية لسورية في منطقة الشرق الأوسط، فإنه من صالح ألمانيا التدخل بقوة في الشأن السوري إذا أرادت أن تعزز نفوذها ونفوذ الاتحاد الأوروبي من خلفها على الساحة الدولية، كما أن ألمانيا تخشى من استعادة روسيا لقوة وحجم نفوذها السابق في سورية في حال ابتعاد ألمانيا والاتحاد الأوروبي عن المشهد السوري أو استعداء الإدارة الجديدة، حيث يمكن أن يدفعها مثل هذا الاستعداء إلى العودة إلى الحضن الروسي.
مكافحة الإرهاب
تخشى ألمانيا، كغيرها من دول المنطقة وأوروبا، من استعادة تنظيم داعش لقوته في سورية في ظل الظروف الحالية من عدم الاستقرار، وخصوصاً أن عدم الاستقرار هذا يمكن أن يؤثر على معسكرات ومراكز الاحتجاز في شمال سورية، بعد الحديث عن رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من سورية، إضافة إلى احتمال استغلال بعض الجماعات الإرهابية أي فوضى لتجنيد عناصر أخرى تحت لوائها، ولذلك تحاول ألمانيا الضغط على الإدارة الجديدة في سورية من أجل بذل المزيد من الجهد في مكافحة الإرهاب.
وتتخوف ألمانيا من وجود بعض العناصر المتطرفة ضمن الجهاز الأمني والعسكري للسلطة الحالية، وفي سياق هذا التخوف جاءت الزيارة الثانية لوزيرة الخارجية الألمانية الثانية بعد أحداث الساحل السوري وما حصل فيها من انتهاكات جسيمة واتهام بعض العناصر المتطرفة في الإدارة الجديدة بالمشاركة في هذه الانتهاكات، لذلك أبلغت بيربوك الإدارة السورية بأن “المهمة تقع على عاتقهم الآن لتحويل الأقوال إلى أفعال، وكذلك تقع على عاتقهم مهمة السيطرة على الجماعات المتطرفة داخل صفوفهم ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم.”
دوافع اقتصادية
تعد سورية بلداً متنوعة الموارد الاقتصادية، حيث تحتوي أرضها على الكثير من الموارد الطبيعية من نفط وغاز طبيعي وفوسفات، والكثير من العناصر المعدنية النادرة، إضافة إلى وجود مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة يمكن أن تمهد إلى اقتصاد زراعي متين.
كما أنها تحتوي على الكثير من المواقع الأثرية، وفيها بيئات وتضاريس متنوعة، وذلك يمكن أن يعزز الصناعة السياحية فيها، وبالتالي فإن ألمانيا ترى أن سورية يمكن أن تكون بيئة جاذبة للاستثمارات مستقبلاً إذا تحسن الوضع الأمني والسياسي فيها، فضلاً عن إمكانية حصول الشركات الألمانية على عقود للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار التي ستنطلق في البلاد.
كما أن سورية تملك يد عاملة ماهرة وشابة، وهذه العمالة يمكن أن يقع عليها الاختيار في ظل الحاجة الألمانية إلى عمالة في الكثير من الاختصاصات خصوصاً في مجال الرعاية الطبية.
دعم مشروط
يمكن القول إن توجّه الاتحاد الأوروبي عموماً وألمانيا خصوصاً، يهدف إلى دعم الإدارة الجديدة في سورية كي لا تنزلق البلاد نحو الفوضى أو التقسيم أو حرب أهلية جديدة، مع العمل على تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها الحد من تدفق اللاجئين وإعادة عدد منهم والحصول على مكاسب اقتصادية فضلا عن توسيع نفوذ المانيا في المنطقة.
إلا أن هذا الدعم يبقى مشروطاً بعمل الإدارة الجديدة على أشراك جميع الأطياف السورية ضمنها، وإحلال السلام، واحترام المساواة في الحرية والأمن والفرص لكافة أبناء سوريا، والمضي في عملية التحول السياسي.