حكاية بيت الشَّعْر في التراث والعادات البدوية العربية

يعتبر بيت الشَّعْر أحد الرموز التراثية والتاريخية في المجتمع العشائري عند العرب لجهة كونه عنواناً للكرم والأصالة.

وبيت الشَّعْر الذي ارتبط اسمه بالبادية والصحراء جاء ليناسب تلك البيئة القاسية، كحياة الترحال والتنقل التي لا تعرف فترة طويلة من الاستقرار في مكان واحد، وكرمز تكيف مع طبيعة المناخ من صيف وشتاء وعواصف ورمال وغيرها.

كما أن بيت الشَّعْر لم يكن مجرد مكان للسكن بقدر ما هو حيّز لفض المنازعات، ومأوى للمستجير والضيف، وحاضن مجالس الشعر وغيرها.

أصل يمني عُماني

يعود أصل بيت الشَّعْر إلى شبه الجزيرة العربية، الموطن الأصلي للعرب. وتنقل الروايات والأبحاث التاريخية، أن أول من استخدم بيت الشعر، أو الخيمة العربية، هي قبائل اليمن وسلطنة عمان، وانتقل بعدها إلى العرب عامة في البادية، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من هويتهم الثقافية.

أقسام البيت ودلالات الحجم

يتميز بيت الشَّعْر بانه مصنوع من مواد قادرة على التكيف مع الطبيعة، وتصميمه بسيط جداً، يحفظ حرمة ساكنيه، ويناسب مقاييس الحياة الاجتماعية للعشائر والبدو.

ويشكل صوف الغنم وشعر الماعز المادة الأولية التي تصنع منها بيوت الشَّعْر حيث تستطيع تلك المواد تحمل الظروف المناخية التي تمتاز بها الصحراء من حرارة شديدة وبرد قارس.

ويتكون البيت من الشقة وهي مغزولة من الشعر والصوف، جمعها شقاق ويكون بطول البيت وفقاً لعدد الاعمدة حيث يتكون البيت عادة من 8 قطع من الشقاق توصل بعضها ببعض بخيوط الصوف.

وكل جهة من جهات بيت الشَّعْر لها تسمية خاصة بها: فالرواق هو الغطاء الخلفي للبيت، ويتكون عادة من 3-4 شقاق؛ الرفة هي التي تتشكل منها جوانب البيت على اليسار واليمين؛ الستار ويكون من الأمام، والأعمدة والتي لها أسماء مختلفة بحسب موقعها.

أما الوصلات التي تُثبت بيت الشَّعْر، فهي: الحبال المصنوعة من الالياف؛ الخلال وهي وصلات تربط سقف البيت مع الجوانب الأربعة الاطناب وهي حبال مصنوعة من صوف الضأن أو الماعز أو الإبل وتستخدم لشد بيت الشَّعْر وتثبيته.

كما تتألف بيوت الشَّعْر من أقسام أساسية وهي: الشق وهو القسم الرئيسي فيه ويقابل المضافة لدى الحضر وفيه يجلس الرجال ويتسامرون ويكون عادة على يمين البيت؛ المحرم وهو المكان المخصص لجلوس النساء، وسمي بذلك لأنه يحرم على الرجال الأجانب دخوله، والمحرم عادة يكون من جهة اليسار؛ الفاصل الذي يقع بين الشق والمحرم وهو غطاء يسميه بعض البدو الساحة، أو الزرب. وبذلك يكون بيت الشَّعْر مغلق من ثلاث جهات، أما الجهة الرابعة فتبقى مفتوحة، وعادة ما تكون باتجاه الشرق.

 

وكان يُستدل على المكانة الاجتماعية للشخص في العشيرة بناءً على حجم بيت الشَّعْر الذي يسكنه والذي يقاس بعدد الأعمدة فكلما كان عددها كبيراً فذلك يدل على رفعة مكانة صاحب البيت.

والأعمدة التي يتم بها رفع البيت، يتراوح طولها من 2 إلى 2,5 متر، وقد تصل إلى 3 أمتار، لها أسماء محددة وفقا لموقعه في البيت، أهمها “الواسط” هو العمود الذي يوضع في وسط البيت ويكون أطولها الذي يرتبط عددها بحجم ومساحة البيت.

كما تسمى الاعمدة الاخرى بـ: “المقدم” وهو العمود الذي يوضع في مقدمة البيت الطرف الأمامي؛ “الميخر” وهو العمود الذي يوضع في مؤخرة البيت، الطرف الخلفي؛ “الكاسر” وهو العمود الذي يوضع في نهاية البيت من جهة المحرم، وسمي بذلك لأن موضعه من جهة النساء القاصرات؛ العامر وهو الذي يوضع في نهاية طرف البيت من جهة الشق، وسمي بذلك لأنه يوجد في موضع عامر بالكرم والضيافة؛ الشعب (ومفردها شعبة) وهي الأعمدة على جانبي البيت.

وتحدد المكانة الاجتماعية للشخص من خلال عدد أعمدة الواسط: فإذا كان الواسط واحدا فقط فانه يقسم البيت الى قسمين؛ وإذا كان عدد الاعمدة 2 فانه يقسم البيت إلى 3 اقسام ويسمى حينها بـ “المدوبل”؛ و3 أعمدة تقسم البيت الى 4 اقسام ويسمى “المثلوث”؛ و”مروبع” إذا كان للبيت أربعة أعمدة وسط؛ و”مخومس” إذا كان له 5 أعمدة وهكذا دواليك.

عادات ترتبط ببيت الشَّعْر

ارتبط بيت الشَّعْر بعادات البدو والعشائر وشكلت مسلمات تراعي العادات والتقاليد الاجتماعية وتحترم الضيف وتغيث الملهوف وتحفظ الخبز والملح.

ومن العادات وأخلاق البدو الحفاظ على كرامة وحرمة الآخرين، إذ كانوا يمتنعوا عن نصب بيوتهم في مراح بيت أخر أو أن يُصوبوا العامر إلى صدر بيت أخر.

وعند دخول الضيف إلى مضارب العشيرة لا يأتي من أمام البيوت، بل يأتي من الخلف أو يأتي من الجانب تحديداً من جهة شق الرجال، وهذا عكس المعلومة المغلوطة السائدة في زمننا هذا، بأن الضيف يأتي من أمام بيت الشًّعْر، ذلك بأن البدو قديماً اعتبروا أن دخول البيوت من أمامها تحقيراً من الضيف لمضيفيه وذلك لكشفه البيت وحرماته.

وللضيف مكانه كبيرة عند البدو فالضيف مكرم وواجب ضيافته من أولى أولويات البدوي وكرامة البدوي من كرامة ضيفه، وبيوت الشَّعْر شاهدة على كرم أهلها، وثمّة قول ماثور عن الضيف بأنه “إذا أقبل أمير وإذا جلس أسير وإذا قام شاعر”،  ومعنى ذلك أنه يجب على المضيف أن يستقبل ضيفه بالحفاوة اللازمة والترحيب الحار على قدومه وإظهار الوجه البشوش والفرح لمقدمه بين إنسان عادي  وأمير. وإذا جلس الضيف في بيت مضيفه، فهو أسير لمضيفيه أصحاب البيت، فلا يستطيع أن يقوم بأي عمل إلا بإذنهم، ولا يخرج إلا عند سماحهم له، ولا يستطيع أن يمنعهم في تأديتهم الواجب له من كرم الضيافة، وإذا قام شاعر عند ذهابه سيذكر أصحاب البيت بما قدموا له من إكرام وتقدير أو العكس.

ضمان سلامة الضيف

سلامة الضيف أمرٌ مكفول من قبل المضيف، فكل تعد يقع على الضيف في أثناء مكوثه عند مضيفيه أو بعد ذهابه بفترة بسيطة، يكون المضيف ملزماً بحكم الشهامة بضمان الضرر من نفسه أو بتحصيله من المعتدي، وبعد ذلك يحق للمضيف أن يطلب المعتدي للحق المحاكمة والقبول بسوم الحق.

أما إذا خالف الضيف حقوق الضيافة في أثناء وجوده في ضيافة مضيفه أو بعد مغادرة نزل المضيف فيحق للأخير مقاضاته عند عشيرة الضيف، فيأخذ المضيف الصحن الذي تناول به الطعام ويلحق به إلى عشيرته وفي مجمع العشيرة يتكلم ويعلن ما ارتكبه الضيف وبحضورهم بعقر مقراه، أو يخرق القدح أو الصحن الذي أكل به الضيف طعامه ويرميه أمام الجميع معلناً الأمر، ويصبح الضيف ساقطاً من جميع حقوق البداوة، فلا يجوز له أن يكون دخيل ولا أن يحميه أحد حتى لو أصابته مظلمة وغيرها.