ترامب واستئناف "التطبيع الابراهيمي" بغطاء مسياني
شكل مسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل في الفترة الرئاسية السابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب أحد أبرز الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وخطورة تلك الموجة من التطبيع التي أطلق عليها اسم “اتفاقات ابراهام” جاءت في ظل غطاء ديني مسياني، عملت مراكز البحوث الأميركية لأكثر من عقدين في البحث فيه تحت مسمى “الديانة الابراهيمية”، في مشروع مشبوه يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية القضية المركزية عند العرب.
وعلى الرغم من توقف مسار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، كان يُفترض أن تنضم إلى هذا المسار، في عهد الرئيس جو بايدن، إلا أن عودة ترامب لسدة الحكم سيجعله يستأنف مسار “الدبلوماسية الروحية” لفرض التطبيع على دول عربية أخرى خدمة لمصالح إسرائيل وتبني مبدأ السلام مقابل السلام.
فكرة قديمة
و”الابراهيمية” فكرة طُرحت منذ سنة 1811 وأُطلق عليها “ميثاق ابراهيمي”، وذلك بهدف جمع المسيحيين واليهود ضمن إطار “الكتاب المقدس” بعهديه القديم والجديد.
وتوسعت فكرة الابراهيمية في سنة 1949 بعد مقال للمتخصص الشهير في مجال الدراسات الشرقية، المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون بعنوان “الصلوات الإبراهيمية الثلاث: أب كل المؤمنين” في إشارة للديانات الإبراهيمية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية”، علماً بأن الكثيرين ينظرون إلى أعمال ماسينيون بمنظار النظريات الاستعمارية، وهو الذي كان يعمل في الخارجية الفرنسية ومساعداً لجورج بيكو الذي صاغ مع الديبلوماسي والعسكري البريطاني بارك سايكس، اتفاق سايكس- بيكو التقسيمي الشهير.
وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي أعاد الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر طرح هذا المفهوم وطوره وذلك بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل من خلال كتابه “دم إبراهيم” الذي طرح فيه ما اسماه “المشترك الابراهيمي”، وذلك كغطاء لتلك الاتفاقية.
الإبراهيمية وعملية السلام
ومع بدء الالفية الثالثة قامت جامعة هارفارد الشهيرة بإرسال فريق من الباحثين لدراسة “فكرة الابراهيمية” وإمكانية ان تسهم في تحقيق سلام في الشرق الأوسط، والذي توصل إلى خلاصة أن شخصية النبي إبراهيم محورية لدى الأديان الثلاثة، وهذا دفع بدوره الجامعة الى إطلاق مشروع “مسار الحج الابراهيمي” في سنة 2004، تلاه إطلاق الجامعة وثيقة سميت “مسار إبراهيم” في سنة 2013، ثم إصدار وثيقة مشابهة عن جامعة فلوريدا سنة 2015، تشير إلى “الاتحاد الفيدرالي الابراهيمي”.
وفي سنة 2013 أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن تشكيل “إدارة الحوار الإستراتيجي مع المجتمع المدني” ضم 50 دبلوماسياً و50 اخرين أطلق عليهم القادة الروحانيين يضم رجال دين من الديانات السماوية الثلاث، بهدف الاستفادة من التأثير الكبير للشخصيات الدينية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية للدفع باتجاه “المسار الإبراهيمي” الذي تزامن مع طرح مفهوم جديد في الأدبيات السياسية “الدبلوماسية الروحية” للاتفاق على المشترك الديني وتحويله إلى واقع سياسي على الأرض، وهذا المنظور ارتبط بدعم من قبل المؤسسات التمويلية والاقتصادية العالمية، كالبنك الدولي والصندوق الدولي وغيرها، بحجة خلق سلام ديني عالمي ينادي بحل النزاعات والخلافات السياسية الدولية والإقليمية عبر توظيف القيم الدينية.
التطبيع تجسيد للإبراهيمية
التجسيد العملي لـ “الابراهيمية” جاء مع موجة من اتفاقيات التطبيع بين كل من الإمارات المتحدة والبحرين والمغرب والسودان مع إسرائيل برعاية الرئيس دونالد ترامب التي عرفت باسم “اتفاقيات ابراهام”، حيث شكلت الابراهيمية الغطاء الديني والسياسي لتلك الاتفاقيات التي حققت هدف إسرائيل بالتحول من الأرض مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام.
وجاءت التصريحات المرافقة لتوقيع الاتفاقيات لتؤكد هذا الأمر، وفي هذا السياق قال السفير الأميركي السابق في إسرائيل ديفيد فريدمان بعد توقيع الإمارات وإسرائيل على الاتفاق في 13 آب/ أغسطس 2020 إن سبب تسمية الاتفاق بالإبراهيمي هو إرجاعه إلى النبي إبراهيم الذي كان أبا لجميع الديانات السماوية الثلاث، إذ إن المسيحية تطلق عليه اسم “أبراهام، وفي الإسلام إبراهيم، وفي اليهودية أبرام، لافتاً إلى أن هذا النبي يمكنه جمع الأديان الثلاثة.
كما ورد إعلان الاتفاق المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأميركية، والذي تم توقيعه في البيت الأبيض بين إسرائيل والامارات والبحرين في أيلول/ سبتمبر 2020، “نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء”.
ترامب وإحياء التطبيع "الابراهيمي"
ومن المتوقع ان يعتمد ترامب بعد تسلمه مقاليد الحكم في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل “الدبلوماسية الروحية”، المدخل للديانة الابراهيمية، وذلك بهدف إعادة احياء مسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل بما ينسجم مع مصالح الأخيرة والمشاريع الأميركية في المنطقة، الأمر المتوقع أن يتسبب بالمزيد من الانقسامات والانهيارات في النظام العربي.
إن احياء مسار التطبيع على الرغم من العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان يشكل هدفاً رئيسياً لكل من إسرائيل والولايات المتحدة في تصفية القضية الفلسطينية، وخصوصاً ان التطبيع والابراهيمية تتقاطع مع صفقة القرن التي تتماهى مع سياسات اليمين المتطرف الإسرائيلي المستمر في تحقيق حلمه الاستيطاني الاستعماري.
“الديانة الابراهيمية” تلك، لن تعمل على طبع الأديان الثلاثة بطابع روحي ابراهيمي موحد بل هو طبع المنطقة بطابع إسرائيلي جديد، إذ ان طرح تلك الديانة تزامن مع إجراءات شملت زيادة الاستيطان والحديث بأن حل الدولتين لم يعد ممكناً واعتبار بالجولان أرضاً إسرائيلية وغيرها من الأمور التي تتنافى مع الدين والتسامح وتحقيق السلام.