الواقع والوقائع في نوايا "تحرير الشام" للسيطرة على حلب
تداولت عدة مواقع إخبارية ومصادر محلية سورية خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2024، تقارير ومعلومات عن نية “هيئة تحرير الشام” شن معركة عسكرية باتجاه مدينة حلب، مستغلة الضربات الإسرائيلية على مواقع تتبع للميليشيات الإيرانية داخل سورية وانشغال ميليشيا حزب الله اللبناني في معركته أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان.
تلك الأخبار والمعلومات بشأن نيًة “تحرير الشام” القيام بعمل عسكري ضد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية دفع الأخيرة إلى تعزيز خطوطها الدفاعية وجلب تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محاور القتال مع فصائل المعارضة شمال غرب سورية.
نية تنظيم “تحرير الشام” وطموحها دخول مدينة حلب ليست جديدة، فقائد التنظيم أبي محمد الجولاني، كان قد أعلن خلال لقاء جمعه مع عدد من القيادات العسكرية في الهيئة وأمام شخصيات وفعاليات معارضة أواخر سنة 2022 وعوداً بدخول المدينة وتحريرها من قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية.
لماذا حلب؟
تتمتع مدينة حلب بموقعها الاستراتيجي على الخارطة السورية كونها صلة الوصل بين المحافظات الداخلية السورية والشرقية منها والحدود الشمالية لسورية مع تركيا، فضلاً عن كونها العاصمة الاقتصادية في سورية وثاني أكبر مدينة من حيث الكثافة السكانية.
وبالعودة إلى الماضي قليلاً، شهدت المدينة حتى سنة 2016 معارك عسكرية ضخمة بين فصائل المعارضة السورية من جهة وقوات النظام السوري وإيران وميليشياتها المتعددة الجنسيات وبإسناد من سلاح الجو الروسي من جهة أخرى. أفضت إلى هزيمة المعارضة السورية وخروجها من المدينة بعد أعوام طويلة من القتال داخل أحيائها.
وفي سنة 2020 شنت قوات النظام السوري وحلفائها الإيرانيين والروس عملية عسكرية واسعة تمكنوا من خلالها السيطرة على مساحات واسعة من المناطق التي كانت بيد قوات المعارضة في أرياف إدلب وحلب، منقلبة على اتفاق أستانا الموقع مع تركيا كدولة ضامنة للمعارضة السورية، وهكذا تمكن النظام وحلفائه من تأمين المدينة وحدودها من أي هجمات من قبل المعارضة مستقبلاً.
أما إيران التي لعبت الدور الأبرز من خلال مليشياتها، فقد تمكنت من تحويل المدينة إلى ثكنات عسكرية للميليشيات الموالية لها، وأطلقت حملات التشييع الديني وتغيير هوية المدينة الدينية بعد إقامتها مؤسسات دينية في المدينة تتبع لها بشكل مباشر.
كما عملت شركات المقاولات والعقارات الإيرانية خلال السنوات الماضية على شراء عدد كبير من المحال التجارية والمنازل السكنية داخل أحياء المدينة ضمن مشروعها الهادف إلى التغيير الديموغرافي في سورية.
موازين القوى
بالعودة إلى نية “تحرير الشام” شن معركة عسكرية بهدف انتزاع السيطرة على حلب من أيدي قوات النظام السوري وإيران، فإن عدة تساؤلات تطرح بشأن مدى القوة العسكرية التي يتمتع فيها هذا التنظيم وإمكانية وجود دعم سياسي إقليمي أو دولي لشروعه في تلك العملية العسكرية.
فعلى الجانب العسكري تمكنت هيئة تحرير الشام خلال السنوات الماضية، من تعزيز قوتها العسكرية عبر رفع القدرات القتالية لعناصرها وزيادة أعداد المقاتلين في صفوفها، كما أن الهيئة عملت على تطوير أسلحتها وجلب وتصنيع تقنيات قتالية متطورة لم تكن بحوزتها سابقاً، قد تصنع فارقاً في أي عمل عسكري قادم.
لكن الخبير العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي، يرى في تصريح لموقع “التقرير العربي”، أن الإمكانيات العسكرية لدى “تحرير الشام” غير كافية لفتح أي عمل عسكري من دون وجود دعم دولي أو إقليمي مساند قد يحدث فارقاً في الأعمال العسكرية.
ويضيف العكيدي، أن روسيا مازالت تحافظ على وجودها العسكري في سورية، والذي يعتبر عامل إستقرار للنظام السوري، علماً بأنها تؤكد وقوفها بوجه أي عملية عسكرية تغير خارطة السيطرة وقد تفقد النظام خسارته مدن كبرى مثل حلب.
ويشير العكيدي، إلى أنه مع بدأ الحديث عن عمل عسكري ضد النظام السوري من قبل “تحرير الشام” شنت الطائرات الحربية الروسية عشرات الغارات الجوية على مناطق سيطرة المعارضة و”تحرير الشام”، في رسالة مفادها دعم النظام والدخول بشكل مباشر في أي معركة قد تستهدف مناطق سيطرته.
أما عن مسألة الدعم السياسي لشن أي معركة قادمة لدى الدول المتداخلة في الملف السوري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وروسيا وإيران، يرى العكيدي أن الروس هم العقبة الرئيسية في حال قررت الدول الأخرى اللجوء للخيار العسكري غير المباشر لتغير خارطة السيطرة في سورية.
ويضيف العكيدي، في حال قررت الدول الداعمة إجراء تغيير في خارطة السيطرة السورية فعليها تقديم الدعم العسكري الذي يتضمن أسلحة تواجه القوة الجوية للجيش الروسي في سورية كما فعلتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، وهذا الأمر صعب التحقق حالياً ولا توجد أي مؤشرات تدل على إمكانية تقديم مثل هذا الدعم.
المتأمل والواقع
قد تكون الأوضاع السياسية والعسكرية التي تشهدها سورية ولبنان والمخطط الإسرائيلي لتحجيم دور إيران يفتح المجال أمام تحرير الشام لاستغلال الظروف الحالية وشن عمليتها العسكرية، وفي هذا الواقع، يرى العديد من الباحثين السياسيين والخبراء العسكريين أن أي عمل قادم لتحرير الشام لن يخرج عن أحد الثلاث السيناريوهات المحتملة وهي:
أولاً: المغامرة العسكرية وشن عملية عسكرية أشبه بـ “طوفان الأقصى”، حيث تقوم “تحرير الشام” بشن معركة عسكرية معتمدة على ما تمتلكه من قوة عسكرية من دون أي دعم عسكري وسياسي من الدول المتداخلة في الملف السوري، تسعى من خلالها توسيع نطاق سيطرتها وفرض أمر واقع على تركيا يدفعها إلى تقديم الدعم لمثل تلك المعركة، وهو الاحتمال الأضعف.
ثانياً: شن معركة عسكرية محدودة من قبل “تحرير الشام” تتلقى خلالها دعماً سياسياً وعسكرياً من قبل تركيا للسيطرة على مساحات جديدة ضمن إطار اتفاق أستانا، ولا يتعارض مع الإتفاق الموقع بين الدول الضامنة وعلى رأسها تركيا وروسيا، وهو الإحتمال الأقراب إلى الواقع بحسب المحللين.
ثالثاً: أن تتلقى “تحرير الشام” دعماً عسكرياً وسياسياً من قبل الولايات المتحدة وبرضى إسرائيلي تركي للسيطرة على مدينة حلب وتقليم أظافر إيران في سورية وتحجيم دورها وخلق خارطة سيطرة جديدة، تكون إيران الأضعف فيها بين الدول المتداخلة في الملف السوري، وهو احتمال قائم لكنه يعتمد على نوع الدعم الذي من الممكن أن تقدمه الولايات المتحدة لهيئة تحرير الشام وإمكانية تقديمه.
تهيئة الظروف
وبالنظر إلى الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة في سورية وفلسطين ولبنان والعراق، وسط حالة الصراع مع إسرائيل، تبقى جميع الاحتمالات واردة فيما يخص توسيع دائرة الصراع لتمشل سورية في ظل الطموحات التوسعية لبعض الدول المتداخلة في الملف السوري والمخطط الإسرائيلي الذي يهدف إلى تحجيم دور إيران وميليشياتها في سورية ولبنان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن “تحرير الشام” تراقب عن كثب الأوضاع السياسية والعسكرية التي قد تتيح لها التحرك عسكرياً لإيجاد مكاناً لها في ظل التغيرات والمشاريع التوسعية لبعض الدول في سورية حيث تبحث تحرير الشام عن لعب دوراً كبيراً بين قوى الصراع المحلية يمكنها من ذلك تنفيذ وتلبية رؤى ومشاريع بعض الدول المتداخلة في سورية.