العراق والحسابات المعقدة بعد أحداث الساحل السوري

فرضت الأحداث الأمنية في منطقة الساحل السوري بعد هجمات فلول نظام بشار الأسد على القوى الأمنية وما جرّته من ردود فعل عنيفة بحق المدنيين من الطائفة العلوية، نفسها على الواقع في العراق الذي وجد نفسه في موقف معقد وحسابات متشابكة وسط الحديث الدائر عن تورط ضباط سوريين فارون إلى العراق بالأحداث في الساحل.

ويقع العراق تحت ضغوط تحذر من أي تقارب مع النظام السوري بسبب النفوذ الإيراني، وبين المصالح السياسية والاقتصادية التي تدفعه نحو إعادة العلاقات مع دمشق، ففي حين ترى بعض الأطراف العراقية أن التطبيع مع سورية ضرورة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، يرى آخرون أن هذا التقارب قد يزيد من تعقيد الأوضاع الداخلية للعراق، خاصة في ظل التداخل الكبير بين الفصائل المسلحة الموالية لإيران والسياسات الحكومية.

وتشهد منطقة الشرق الاوسط تطورات حساسة، بما في ذلك استمرار الضغوط على إيران بسبب برنامجها النووي، وتصاعد المواجهات بين القوى الإقليمية المختلفة الى جانب التحولات الكبرى التي خلفتها احداث 7 اكتوبر في غزة وتداعي محور “الممانعة” عقب اغتيال معظم قادة حزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية وانهيار نظام بشار الاسد.

الدور الإيراني وحسابات العراق

وتعتمد الحكومة العراقية الحالية، بقيادة الإطار التنسيقي، على دعم الفصائل المسلحة القريبة من إيران، ما يجعل أي قرارات تتعلق بسوريةا محكومة بحسابات دقيقة تتعلق بمدى تأثيرها على علاقات بغداد بطهران وواشنطن في آن واحد.

وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن العراق يحاول اتباع نهج مزدوج؛ فمن جهة، يسعى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع سورية، وخصوصاً ما يتعلق بالتنسيق بشأن أمن الحدود ومحاربة الإرهاب، ومن جهة أخرى، يحاول تجنب استفزاز الولايات المتحدة والدول الغربية التي ترفض أي تطبيع مع النظام السوري.

قنبلة الضباط السوريين المقوتة

ومع الأحداث الأخيرة في منطقة الساحل ذي الاغلبية العلوية، برز ملف الضباط السوريين الفارين إلى العراق واحداً من أكثر الملفات حساسية في العلاقة بين بغداد ودمشق. فبينما تحاول الحكومة العراقية التعامل مع الملف بسرية وتكتم، تشير تقارير إلى أن بعض هؤلاء الضباط قد يشكلون ورقة ضغط بيد بعض الأطراف العراقية أو حتى الإقليمية مع احتمال استغلالهم في صفقات سياسية أو أمنية مستقبلية، سواء بين العراق وسورية أو بين أطراف إقليمية أخرى.

وتشير بعض التحليلات إلى أن الضباط السوريين الهاربين ربما يمتلكون معلومات حساسة تتعلق بالتحركات العسكرية للنظام السوري، ودور إيران في دعم النظام، والعلاقات الأمنية بين الفصائل العراقية والسورية.

ماهر وضباطه وأحداث الساحل

وقد يتحول هذا الملف إلى نقطة خلاف بين بغداد ودمشق، وخصوصاً إذا ضغطت الحكومة السورية من أجل استعادة بعض الضباط والمسؤولين المطلوبين لديها، أو إذا حاولت بعض الجهات العراقية استغلال الملف كورقة تفاوض في سياقات سياسية مختلفة.

وبالنظر إلى أن معظم هؤلاء الضباط ينتمون إلى الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار، الرئيس السوري السابق الهارب الى موسكو، فإن المعلومات التي بحوزتهم قد تكون ذات أهمية استراتيجية لكل من سورية وإيران، وهو ما قد يجعلهم تحت مراقبة مشددة من قبل الفصائل المسلحة العراقية التي تربطها علاقات وثيقة بطهران.

فخلال الايام الماضية تصاعدت الأحاديث عن دور ماهر الأسد في الأحداث التي شهدتها مدن الساحل السوري وما خلفته من ضحايا بالمئات، سواء في صفوف القوات السورية الحكومية أو بين صفوف فلول الأسد إلى جانب المدنيين، إذ يدور الحديث عن تواجد ماهر الأسد قبل الأحداث بايام قليلة في العراق قبيل مغادرته الى موسكو وانخراطه في ترتيبات عسكرية ولوجستية لتنسبق الهجمات ضد قوات النطام الجديد في دمشق، وهو أمر قد يحرج بغداد التي تنفي تواجد ماهر الأسد في أراضيها.

وتدور التكهنات حول انخراط ضباط الأسد الهاربين إلى العراق في التخطيط لعمليات عسكرية والتواصل مع ضباط وجنود سوريون يعملون على مواجهة حكومة الشرع عبر تنفيذ هجمات منسقة جديدة والاستمرار في المواجهة من أجل إرباك المن والاستقرار وتأليب الرأي العام المحلي والدولي على الشرع وسياساته بعد الانفتاح العالمي الكبير على دمشق في أعقاب سقوط الاسد.

وبحسب معلومات متداولة فإن ضباط الاسد قُسموا إلى عدة مجموعات، بعضها غادر إلى روسيا وبيلاروسيا ودولة خليجية، بينما نُقلت مجموعة أخرى إلى مجمع سكني في بغداد وتم إرسال بعضهم إلى معسكر أشرف في محافظة ديالى، حيث انضموا إلى عناصر من مليشيات فاطميون وزينبيون الذين انسحبوا من سورية إلى داخل العراق بعد سقوط نظام آل الأسد.

كما استقر عدد آخر من القادة والمسؤولين في مدينة النجف وبلدة جرف الصخر في محافظة بابل، وهي مناطق ذات نفوذ كبير للفصائل المسلحة المدعومة من إيران.

ويجد العراق نفسه في مفترق طرق بين حسابات داخلية وإقليمية ودولية معقدة في ظل الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف الضباط السوريين الفارين، كعقبة رئيسية قد تؤثر في مسار العلاقة مع دمشق.