التعديل الحكومي في المغرب بين الدواعي الملحة ولعبة التوازنات
واجهت حكومة عزيز أخنوش، العديد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، مما أوجد نقاشاً بشأن إمكانية إجراء تعديل حكومي مرتقب، وهو ما زكته، بشكل كبير، التصريحات المتواترة لعدد من المسؤولين الحكوميين، عن إمكانية إعادة هيكلة البنية الحكومة، ويمكن الاشارة هنا إلى أن التعديل الحكومي هو إمكانية يمنحها الدستور المغربي للحكومة التي تتولى الحكم، قد يتم الاستناد اليها أو الغاؤها، إذ يتم الأمر وفق المقاربة التقييمية لعمل أو مردودية أعضاء الحكومة، خلال توليهم الحكم، مما يجعل من التعديل وقفة تأمل لخلق إمكانية ثانية، قصد تجاوز هفوات أو ضعف يمس إحدى هياكل الحكومة.
إذن الأصل المرجعي في التعديل الحكومي، يكمن في خلق فرصة ثانية لأي حكومة، في إطار تحقيق برنامجها الانتخابي وفق ما تمليه المصلحة العامة، وبناء عليه، يتم تقييم أداء المهام لجل أعضاء الحكومة، فيتم الاحتفاظ يمن استطاع إبراز كفاءته في القطاع الذي يتولاه أو يتم اعفاؤه لغياب هذه الكفاءة. لأن الأصل في عمل الحكومة هو مراكمة النتائج الإيجابية. وقد جرت العادة منذ انتخابات 2011 أن يتم التعديل بعد مرور النصف من عمر الولاية الحكومية، غير أننا هنا إزاء تعديل للحكومة التي قادها عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب الأحرار، بعد مرور ثلاث سنوات.
دواعي التعديل
جاء التعديل الحكومي بعد أن تبين ضعف بعض القطاعات بالاخص، الصحة والتعليم، وهما القطاعان اللذان عاشا خلال هذه السنة على إيقاع اضرابات متواصلة، وقد بتث بعض التقارير عن مؤسسات دستورية وجود بعض مكامن الخلل في عدد من القطاعات الحكومية التي لم ينجح القائمون عليها في تحقيق نتائج تتماشى مع طموحات الحكومة التي ضمّنتها سابقاً ضمن برنامجها الذي نالت به ثقة البرلمان. بل ولاحقت بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة، تهم أودعت بعضهم في السجن، إضافة إلى وجود آخرين ملاحقين بالمتابعات ومهددين بالاعتقال، لهذا صار لازماً تجديد دماء الحكومة ولو بشكل جزئي يساهم في إعادة الثقة في الحكومة.
بعد ثلاث سنوات على مرور أول نسخة حكومية، استقبلها الملك بتاريخ 7تشرين الأول/ أكتوبر2021، بالقصر الملكي في مدينة فاس، والتي تكونت انذاك من 24 وزيراً، أعلن عن النسخة الثانية للحكومة التي ضمت نحو 25 وزيراً و6 كتاب دولة. وقد لوحظ توسيع دائرة كتاب الدولة مقارنة بالنسخة الأولى للحكومة، وقد ينم هذا التوجه عن رغبة في تجاوز المطبات التي استدعت التعديل نفسه، اذ يتركز عمل كتاب الدولة، بالدرجة الأولى، على مساندة وتخفيف الضغط عن الوزراء وخلق دينامية تعمل على تسريع العمل ومتابعته، فيما يخص تدبير قطاعاتهم المسؤولين عنها، مما يعني أن كتاب الدولة يمثلون مهاماً تكميلية لمهام الوزارة.
إعادة انتشار حكومي
التعديل الحكومي تم خلال استقبال الملك، يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024، بقاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط، رئيس الحكومة وأعضائها، وتبين أن الحكومة احتفظت بهيكلها العام الخاص بنسختها الأولى، باستثناء خروج 8 وزراء، وقد أدرج الباحث الأكاديمي عمر الشرقاوي عدداً من الملاحظات بخصوص هذا التعديل، منها قوله أن النسخة الثانية لحكومة عزيز أخنوش تميزت بـ “هيمنة منطق التعديل البسيط بدل التعديل الواسع، فحكومة أخنوش الثانية تبدو أقرب لتعديل حكومي جزئي منه إلى تعديل موسع، إذ لم تتضمن تغييرات كبرى على مستوى القطاعات – المفاتيح بقدر ما تضمنت إعادة انتشار حكومي وتغيير وزراء بعض القطاعات وتدعيم الحكومة بكتاب دولة.”
تعديل أخنوش الحكومي أبقى على استقرار القطاعات السيادية، التي تخص كل من الداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية، التي لم يلحقها أي تعديل، بعدما عرف على وزراؤها الثلاثة، وهم: عبد الوافي لفتيت وناصر بوريطة وأحمد التوفيق، بحصولهم على نتائج إيجابية في تسيير قطاعاتهم، وكان الملك قد عين شكيب بنموسى الذي كان وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، لتولي مهام المندوبية السامية للتخطيط مكان أحمد الحليمي الذي وشح برسام ملكي لقاء خدماته في منصبه.
والملاحظ على التعديل أنه مسّ الأحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحكومي (الأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال)، فقد حصّل حزب الاستقلال على الحصة الأقل من الحقائب الوزارية بالتشكيلة الثانية للحكومة، مقارنة بحزبي الأغلبية. في حين لم يحصل الاستقلال سوى على منصبين جديدين لكتابي دولة لترتفع حصته من 4 إلى 6 وزراء. أما حصة الأسد، فكانت من نصيب حزب التجمع الوطني للأحرار (قائد الحكومة)، الذي انتقل من 6 إلى 9 وزراء، وقد رفع حزب الأصالة والمعاصرة أيضا حصته من 7 إلى 9 وزراء، وانضم 6 وزراء جدد، ووزيران منتدبان جديدان، و8 كتاب دولة جدد، إلى التشكيلة الحكومية التي تضم 31 وزيراً، وزعوا ما بين 18 وزيراً، و5 وزراء منتدبين، و6 كتاب دولة. لقد غلب على هذه التركيبة الحكومية عودة كتاب الدولة، على اعتبار أن عمل هؤلاء الكتاب هو عمل تقني مباشر قريب من الإشكالات ويعطي فرصة للتدخل السريع والناجع من أجل تجويد العمل الحكومي.
زوبعة الانتقادات
أعقب اعلان النسخة الثانية للحكومة موجة من الانتقادات، وخصوصاً وأن هناك شبه اجماع، أن التعديل تكفل به بشكل كامل الائتلاف الحكومي، من دون تدخل الملك، وهو انطباع عكسته كوكبة من الأسماء التي أثارث جدلاً واسعاً في الفضاء العمومي، لقربها أو لصلتها بالأمين العام لحزب الأحرار وقائد الحكومة عزيز أخنوش، مما دفع عدداً من أعضاء الحكومة للرد، فصرح رئيس الحكومة في 25/10/2024، لجريدة “مدار 24” الالكترونية، بتصريح يدافع من خلاله عن هذه النسخة الثانية للحكومة، موضحاً “أن هذا التعديل الذي شمل 14 وزيراً هو تعديل كبير بشخصيات سياسية وازنة منخرطة في الأحزاب السياسية ومكاتبها السياسية أو يترأسون مكاتب تابعة لأحزابهم وبكفاءات عالية.” كما دافع الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالعلاقات مع البرلمان، والناطق الرسمي للحكومة، مصطفى بايتاس، عن الأسماء الجدد في التعديل الحكومة، من خلال تصريحه في الندوة الصحفية التي أجريت بعد أول مجلس حكومي، مؤكداً أن جل الوزراء يمتلكون التجربة والكفاءة للقيام بالاصلاحات اللازمة. في حين خرجت أحزاب المعارضة بأولى اعتراضاتها فيما يخص هذا التعديل، اذ وصف محمد أوزين، الأمين العام للحركة الشعبية، الهيكلة الحكومية الجديدة قد جاءت وفق التراضيات على حساب تضخيم الميزانيات (زيادة عدد الوزراء) وأن أغلب الانتظارات التنموية ظلت عالقة.
وصرحت القيادية وعضوة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أمنة ماء العينين، بالقول:”إن هذه الحكومة لم تكن في حاجة إلى تعديل أصلاً، لأن داءها قديم ومستعص على الحل، بمجرد تعديل يقتنع الجميع أنه زاد الأمر سوءاً”، كما أوضحت في تصريح لموقع الحزبها الالكتروني، بأن “أغلب البروفيلات التي تم الاستعانة بها من الوسط المقرب بدون تجربة سياسية ولاتدبيرية في القطاعات التي أسندت اليها.”
وقد كتب محمد عصام في الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، أن التعديل قد غالب عليه الترضيات واغداق الرضى على الأصحاب وذوي القربى، وغابت الكفاءة أو حتى مجرد التناسب بين القطاع المعني بالتعديل مع مؤهلات الوزراء. كما هو الحال في النموذج الفاقع المتعلق بوزير التربية الوطنية وما أدراك ما التربية الوطنية، حيث تم تسليم زمامها لرجل أعمال يشتغل في قطاع الحلوى وله، والعهدة على الرواة، عضوية في مجلس إدارة شركة إفريقيا غاز لمالكها عزيز أخنوش رئيس الحكومة بشحمه وعظمه.”