الاقتصاد المصري ومأزق المراجعة الرابعة لصندوق النقد
من المقرر أن يراجع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في تشرين الثاني/ نوفمبر، المرحلة الرابعة من قرض الصندوق لمصر، بقيمة 8 مليارات دولار أميركي (390 مليار جنيه مصري)، وهو الاتفاق الذي تمّ توقيعه في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وتمت زيادته في آذار/ مارس 2024. وستحدد نتيجة هذه المراجعة إمكانية الحصول على الشريحة التالية، البالغة 1,3 مليار دولار (63,4 مليار جنيه)، والتي تمثل أكبر شريحة يتم الحصول عليها حتى الآن.
وفي أحدث تقرير عن آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي، الثلاثاء 23 تشرين الأول/ أكتوبر، سلّط الصندوق الضوء على جملة من المخاوف المحتملة، بشأن رصيد الحساب الجاري في مصر، والمتوقع أن يصل إلى -6,6% في السنة المالية 2024/ 2025، و-6,4% في السنة المالية 2025/ 2026.
توقعات سلبية
لفت التقرير إلى خطورة تزايد التضخم، الذي يشكل تحدياً كبيراً، إذ سجل معدل التضخم في أسعار المستهلك 24,4% في السنة المالية 2023/ 2024، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاعه إلى 33,3% في السنة المالية 2024/ 2025، قبل أن ينخفض إلى 21,2% في السنة المالية 2025/2026.
ويبدو أنّ هذا الانخفاض يظل مرهوناً بتطبيق القاهرة لمجموعة من الشروط، وعلى رأسها تحريك سعر الصرف، ورفع الدعم بشكل نهائي عن المحروقات، بالتزامن مع حالة الركود الاقتصادي العالمي، الأمر الذي تتخوف منه الحكومة المصرية، وخصوصاً تبعاته على المستوى الشعبي.
في وقت سابق، عدّل البنك الدولي توقعاته بشأن النمو في مصر، وقدّر معدل نمو بنسبة 2,5% للسنة المالية 2024/ 2025، وهو انخفاض عن تقدير سابق بلغ 4,2% في حزيران/ يونيو) الفائت، لكنّ التقرير عبر عن أمله في حدوث انتعاشة تصل إلى 3,5% بحلول السنة المالية 2025/ 2026.
ومع تصاعد حالة التذمر الشعبي من الارتفاع الجنوني في الأسعار، كشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في المؤتمر الصحفي الأسبوعي، أنّ الحكومة تراجع حالياً الجدول الزمني والإصلاحات التي طرحها الصندوق، مشيراً إلى التأثير المباشر الذي خلّفته الحرب على غزة، وما تلاها من انخفاض حاد في إيرادات قناة السويس، كمبرر لتعديل الجدول الزمني للإصلاحات المتفق عليها مع الصندوق .
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، صرّح قبل أيام، بأن مصر قد تعيد تقييم اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، في ضوء الضغوط الاقتصادية الواقعة على البلاد، وذكرت تقارير محلية، أن الحكومة طلبت بعد ذلك من صندوق النقد الدولي تمديد الجدول الزمني لتنفيذ الإصلاحات.
كلفة التأجيل
من المرجح أن يجري الصندوق المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في تشرين الثاني/ نوفمبر، على الرغم من محاولات الحكومة تأجيل المراجعة من أجل الانتهاء من اتفاقيات الاستثمار والحوافز، حتى يمكن أخذها في الاعتبار للمراجعة.
وقد حذّرت مديرة اللصندوق كريستالينا جورجيفا، في 24 تشرين الأول/ أكتوبر، من أنّ تأخر مصر في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية يهدد برفع التكاليف وزيادة الأعباء على مواطنيها. وأكدت خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد المصري. وأضافت: “التأخير في اتخاذ الإجراءات الضرورية أدّى إلى زيادة التكاليف، والتي تقع في نهاية المطاف على عاتق الشعب”. وتابعت: “لا يمكننا أن نخدم مصر بشكل جيد، إذا تجاهلنا الإجراءات اللازمة الآن”.
جورجييفا اعترفت بالمأزق الاقتصادي الصعب الذي تمر به مصر، بسبب حدوث انخفاض كبير في عائدات قناة السويس، ممّا حرم البلاد من مصدر حيوي للدخل، وأشارت إلى أن 70% من إيرادات القناة ضاعت بسبب تصاعد الصراعات في المنطقة. لكنّها لا تزال مصرة على المضي قدماً في الإصلاحات. حيث قالت: “كنا منفتحين للغاية على تعديل البرنامج المصري، ولكن اسمحوا لي أن أقول إننا لن نقوم بعملنا من أجل البلاد وشعب البلاد إذا تظاهرنا بأن الإجراء الذي يجب اتخاذه يمكن التخلي عنه؛ لأنّ الشيء الوحيد الذي سوف يحدث، هو ارتفاع تكلفة هذه الإجراءات فيما بعد”.
ثلاثة سيناريوهات
من المتوقع أن تلتقي جورجيفا خلال زيارتها القريبة إلى مصر، مع المسؤولين المصريين لمناقشة احتمالات تمديد الجدول الزمني، قبل المراجعة المقبلة، التي سيجريها صندوق النقد الدولي لبرنامج قروضه لمصر.
وبحسب المعطيات السابقة، يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات، قد تفضي إليها المفاوضات بين الطرفين، وفقاً للتالي:
السيناريو الأول: التوصل إلى اتفاق مع الصندوق، لتعديل الجدول الزمني للإصلاحات، على غرار ما حدث من قبل مع الأرجنتين وباكستان، بفعل الضغوط غير الطبيعية التي يواجهها الاقتصاد المصري، وعلى رأسها استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ويتوقف ذلك على مدى قدرة الاقتصاديين المصريين على اقناع الصندوق، بأن التحول المستدام إلى نظام سعر الصرف المرن، وإن كان من شأنه أن يساعد الاقتصاد المحلي في مصر على التكيف بشكل أكثر سلاسة مع الصدمات الخارجية، إلّا أنّه في الوقت الراهن، سوف يؤدي إلى أزمة اجتماعية كبيرة، حتى وإن دعّم ذلك من قدرة الشركات المصرية على بيع سلعها وخدماتها في الخارج، إذ إن تداعيات الصراع الإقليمي أكبر بكثير من قدرة البلاد على احتمال موجة جديدة من تضاعف الأسعار.
ويبدو هذا السيناريو هو الأقرب، في حال تدخل أصدقاء مصر وشركاءها في الخليج والاتحاد الأوروبي، ذلك بأن دعم الاستقرار السياسي في مصر، يبقى أولوية في هذا التوقيت الصعب، لكن التعديل المتوقع، ربما يؤجل الجدول الزمني لبضعة أشهر، وليس كما تأمل القاهرة، كما أنّه سوف يتضمن التزاماً صارماً بتخارج الدولة من الاقتصاد، من أجل تشجيع الاستثمار تحقيق شفافية المنافسة.
السيناريو الثاني: فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق، وبالتالي تجميد الشريحة التالية، ولكن القاهرة لن تصل إلى تلك المرحلة، إلّا في حالة قيام الشركاء الخليجيين بتعويضها، من خلال صفقة كبرى، على غرار صفقة رأس الحكمة، وربما تكون صفقة سعودية محتملة في رأس جميلة، دافعاً قوياً للقاهرة، لمواجهة الصندوق بجملة التحديات المحتملة والتداعيات الخطيرة على استقرار البلاد، في حالة الالتزام بالجدول الزمني المتفق عليه.
السيناريو الثالث: إذعان القاهرة لشروط الصندوق، والالتزام بالرفع الكامل للدعم، مع تحرير سعر الصرف بشكل مستدام، وهو أمر غير مستبعد، ويتطلب العمل خلال ستة أشهر على جمع أكبر قدر من العملة الصعبة، لمواجهة الصدمة المتوقعة والناتجة عن تحرير سعر الصرف، وكذلك اعتماد حزمة مساعدات اجتماعية عاجلة، لمواجهة الغضب الشعبي المحتمل، وهو سيناريو شديد الخطورة.