أسباب موقف دمشق الخجول مما يجري في لبنان وغزة
مع إعلان الجيش الإسرائيلي شن ضربات جوية على حزب الله في لبنان واغتيال قيادات في الحزب وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصرالله، بدا واضحاً غياب دور دمشق عن المشهد السياسي إزاء ما يجري في لبنان، والتي اكتفت بالتنديد بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، من دون اتخاذ أي موقف جدي تجاه ما يحصل مع حليفها حزب الله.
وهنالك أسباباً عدة وراء موقف دمشق الصامت مما يحدث في لبنان وقبلها غزة منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويربط الباحثون بين موقف دمشق الخجول من الأحداث الجارية والوعود المقدمة للنظام ضمن المبادرة العربية باتجاهه العام الماضي.
تأثير عربي
أبدى النظام السوري منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 المرونة الكاملة مع المبادرات والوساطات العربية بعدم اتخاذ أي موقف مما يحصل في غزة، مقابل مجموعة من المكتسبات ضمن ملف التطبيع العربي معه، وقد التزم النظام بذلك وأبدى مؤخراً التزاماً أكبر في موضوع لبنان، وهو موعود بمكافآت ترضية مقابل التزامه وعدم التصعيد مع إسرائيل.
وبالنظر إلى ما يسعى إلى النظام تحقيقه من إعادة تعويمه على الساحة العربية، وما تقدمه له المبادرة العربية، يُمكن تفسير أسباب صمت النظام، ولكن يطرح هنا سؤال مهم، هو هل النظام السوري يمتلك أساساً القدرة على ضبط الميليشيات المرتبطة في إيران داخل سورية؟
ضبط الميليشيات
على الرغم من إبلاغ النظام السوري الوسطاء في الدول العربية بأنه ملتزم بعدم التصعيد ضد إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع منع القوات متعددة الجنسيات وخاصة الميليشيات العراقية وميليشيات حزب الله اللبناني من أن تصعد هي في مناطق نفوذها وانتشارها في سورية وخصوصاً في الجنوب، وهذه القوات تتلقى تعليماتها وأوامرها العملياتية من الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي تبقى قواعد الاشتباك في سورية على حالها، حيث تستهدف إسرائيل ما يخص النفوذ الإيراني ومن يرتبط بإيران فقط، من دون الاقتراب من جيش النظام السوري، ما عدا ما يُطلق عليه الخسائر الجانبية.
دمشق وإيران
يرى الباحث السياسي السوري وائل علوان في تصريح لـ “التقرير العربي” بأن موقف النظام منسجم مع تنسيقه وترتيبه المسبق والمستمر مع إيران، ولا يمكن أن يذهب النظام بقرارات داخلية أو خارجية تتعارض مع الموقف الإيراني ومصالح طهران، إلا بعد التنسيق معها فيما يعرف بالهوامش الخاصة التي تمنحها إيران لمكونات المحور، وخاصة أن إيران نفسها تفاوض لمصالحها في ملف غزة وربما تفاوض على ملف لبنان.
ويضيف علوان أن طهران باتت تدرك جيداً أنها لا يمكن أن تتعامل مع النظام السوري مثل غيره من الميليشيات الموالية لها في العراق ولبنان، ولابد من إعطاء مساحة أكبر للنظام في علاقاته الدبلوماسية مع الدول العربية، وخصوصاً في الوقت الذي باتت تتلقى فيه الجماعات الموالية لإيران في المنطقة ضربات إسرائيلية قد تؤدي إلى زوالها أو إضعافها بشكل كبير، وهذا ما لا تريد إيران أن يحصل مع حليفها بشار الأسد الذي يعطيها الشرعية الكاملة في سورية.
حزب الله والنظام
أمّا حزب الله، فقد بات ينظر إلى النظام في سورية على أنه مبالغ بالانتهازية ولا يمكن الوثوق به، وهو ما قد يدفع بالحزب إلى شن عمليات قصف واستهداف للأراضي الإسرائيلية من سورية لعدة أسباب أهمها، إفشال نيّات النظام السوري حدوده مع إسرائيل، واقحام النظام السوري في المعركة بشكل مباشر وهو ما يتخوف منه النظام السوري الذي يحاول أن يظهر قدرته على منع شن أي ضربات ضد إسرائيل من مناطق سيطرته أو الدخول في الصراع القائم مع إسرائيل
طموحات دمشق
يرى النظام السوري أن التزامه بعدم الدخول في الصراع الدائر بين قوى المحور الإيراني وإسرائيل، يحقق مصالحه المرجوة في إعادة تعويمه على الساحة العربية والدولية مجدداً وإظهار قدرته على حماية أمن ومصالح إسرائيل في المنطقة، موقف دمشق الحالي وعلى الرغم أنه يأتي ضمن الهوامش التي تمنحه إياها إيران إلا أنه يحظى أيضاً بدعم ومباركة روسية، حيث تسعى كلا من روسيا وإيران على الحفاظ على النظام السوري ومنع انجراره نحو صراع مع إسرائيل قد يفضي في النهاية إلى زوال النظام، ويهدد مصالح طهران في سورية التي ترتبط بشكل مباشر بالحفاظ على شكل النظام القائم في سورية، وعليه يربط النظام طموحاته في إعادة تعويم نفسه وكسب ثمار موقفه الصامت مما يحصل في غزة ولبنان، وهو ما يتطابق مع الموقف الروسي الداعم إلى عودة النظام إلى حضنه العربي مجدداً والامتناع عن دخول الصراع الحالي.