سُنّة العراق والبحث عن زعامة
فتح الغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان/ ابريل 2003، الباب واسعاً أمام أزمة في القيادة السنية على وقع غياب أسماء لامعة وانزواء أخرى اأو غياب قسري فرضته إجراءات اجتثاث حزب البعث، والإقصاء العشوائي على خلفيات مذهبية، وخصوصاً إبان حقبة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي.
وتعكس الاستحقاقات السياسية بعد كل انتخابات شارك فيها المكون العربي السني منذ أول انتخابات في سنة 2005 وحتى 2021، بروز جيل سياسي من الشخصيات السنية التي سرعان ما تنطفئ بعد انتهاء الدورة التشريعية للبرلمان العراقي .
ومرت الزعامات السنية بمراحل مختلفة من الصعود والهبوط المرتبطة بحركة التغيير التي سادت خلال فترة ما بعد غزو العراق، لأسباب ترتبط بنقص الخبرة أو الاخطاء التي أسهم بها ارتفاع الخطاب السياسي المذهبي الذي استخدم في تعبئة الرأي العام الشيعي والساسة الشيعة ومن يدعمهم، مع غياب استراتيجية عمل واضحة لدى السنة، لتحقيق أهدافهم في الشراكة بادارة الدولة وتلافي حالات الاقصاء والتهميش.
إقصاء وتهميش زعماء السُنّة
1 – مارست الحكومات التي يقودها ساسة من الشيعة دوراً كبيراً في إضعاف القيادات السنية وتحييدها، وحتى إقصائها مثلما حصل مع نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء رافع العيساوي وساسة بارزون آخرون إبان حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بينما اكملت بعض الفصائل المسلحة مسيرة إحكام قبضتها على المدن السنية وصنع زعامات كرتونية ضعيفة موالية لها على حساب قيادات ذات باع في العمل السياسي.
2 – مازالت شرائح من العرب السنة متمسكة بمواصفات ترسخت في ذاكرتها عن الزعيم القوي شبيه بما كان عليه صدام حسين وسطوته على الآخرين، وهو أمر لن يكون يسيراً عليهم التخلي عنه إلا بعد زمن طويل.
3 – حجّم نظام صدام حسين الكثير من الشخصيات الفاعلة في المدن السنية، كما ان الرئيس السابق نفسه لم يسمح بظهور شخصيات لها ثقل في الوسط السني تنافسه في التأثير وقيادة المجتمع، لذا تعرض الكثير منهم للتصفية والسجن، الأمر الذي أضعف لدى الشخصيات المهيئة لتكون قيادية، الرغبة بالقيادة.
4 – لم يؤمِن السنة كثيراً، وعلى امتداد تاريخهم في العراق، في بلورة مرجعية دينية أو سياسية، الأمر الذي جعلهم في وضع حرج بعد سقوط نظام صدام حسين، والذي كان الكثير من قياداته البارزة من السنة، لكن انتمائهم البعثي جعلهم في دائرة التصفية أو التضييق والطرد من الوظائف.
5 – إخفاق زعامات البيت السني، بعد دخولهم رسميا إلى العملية السياسية في 2006، في تحقيق أي مطلب أو وعود أطلقوها في برامجهم الانتخابية.
6 – فشل الإدارة الأميركية في صناعة قيادة سنية بعد الغزو في 2003، ومنح التمثيل السني لشخصيات “متقدمة بالسن” مثل نصير الجادرجي والراحل عدنان الباجه جي، ولاحقاً الراحل عدنان الدليمي، وكلها أسماء تجاوزتها الأحداث الجسيمة التي مرت على العراق.
في السنوات الاخيرة ظهرت عدة شخصيات شابة في الوسط السني من بينها السياسي محمد الحلبوسي الذي بدا في مطلع حياته السياسية يمتلك تاثيراً مناطقياً، وتحول بمرور الوقت إلى زعيم مؤثر لدى المكون السني الذي كان بأمس الحاجة إلى شخص تحمل كارزما القائد، وقد تبلور الأمر في انتخابات 2021 بظهور قيادة شابة تصدرها الحلبوسي القادم من محافظة الانبار (غرب العراق) وحصد جزءاً كبيراً من أصوات الناخبين السنة ليحصل على ولاية ثانية في منصب رئاسة مجلس النواب.
ويتميز الحلبوسي الذي يملك طاقة عمل تصل الى نحو 18 ساعة يومياً، بامتلاكه طموحاً كبيراً في أن يكون زعيماً للسنة كمكون وطني، وله قول فصل في المشهد السياسي العراقي، إذ يرنو لدور أبعد من رئاسة البرلمان.
بماذا يتميّز الحلبوسي؟
1 – يرى خصوم الحلبوسي قبل أنصاره، أنه سياسي ومناور ويتعامل بواقعية ويبحث عن النتائج بعيداً عن الضوضاء، ويؤثر في محيطه ولا يتأثر بالمتغيرات.
2 – تمكن من نسج علاقات واسعة مع سياسيي المكونات الأخرى لتخفيف حدة التوتر الطائفي الذي كان سائداً.
3 – يمتلك مشروعاً عبر “تقدم” الذي يقوده، ويجد قبولاً في مناطق عديدة من العراق ولدى فئة الشباب، لما لمسوه من تجربة خدمية ناجحة لاسيما في الأنبار.
4 – يرى أنصار رئيس مجلس النواب أن مشروعه وطني جامع ويضم جميع فئات المجتمع، ولا يقتصر على مكون واحد مثل المكون السني.
لكن على الرغم من كل هذه المعطيات، فإن الحلبوسي الذي يتصدر المشهد السني حالياً، يواجه تحديات كبيرة وكثيرة من قيادات سنية أُخرى مثل مثنى السامرائي وجمال الكربولي وأحمد الجبوري(أبو مازن)، تجد في نفسها القدرة على إثبات الوجود في مناطق مختلفة ذات ثقل سني، ومزاحمته على الزعامة، والسعي نحو إثارة أجواء سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية تعيق خطط رئيس البرلمان العراقي في ترسيخ زعامته للمكون السني، إلّا أن الحلبوسي يبقى على المديين القريب ومتوسط، الأقوى في صراع إثبات الوجود في المشهد السني الذي سيكون ساحة رهان في القدرة على التنافس على المدى البعيد.