آذان الجماعة في الأموي الكبير موسيقى روحانية
في دمشق القديمة يتنفس المرء عبق التاريخ: معالم أثرية؛ جوامع وكنائس يتعانق فيها الآذان مع أجراس الكنائس؛ عشرات المدارس التي لا يزال بعضها قائماً منذ قرون؛ صناعات إبداعية ثقافية عريقة لشعب عشق الفن والثقافة والابداع.
إحد تلك المعالم الشهيرة هو الجامع الأموي الكبير الذي يعتبر رابع أهم جامع في العالم الإسلامي بعد الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى.
وأهمية الجامع الأموي لا تأتي فقط من تاريخه وأسلوب بنائه، وإنما من نفحات الإيمان، وخصوصاً ما يعرف بآذان الجماعة وتطويع المقامات الموسيقية في ذلك الاذان.
آذان الجماعة
آذان الجماعة في الجامع الأموي فريد من نوعه، ولا نظير له في العالم الإسلامي، ويقال أن رفع الآذان الجماعي لأول مرة بدمشق كان في العهد الأموي، وهناك روايات أخرى تشير إلى أن هذا النوع من الآذان بدأ في دمشق في عهد الصحابة (العهد الراشدي).
ولكل قاعدة استثناء، إذ إن آذان الفجر يُستثنى من هذه القاعدة، فهو فردي وليس جماعي.
ويختلف آذان الجماعة عمّا يُسمى آذان الجوقة الذي يقوم الأخير على فكرة أن يؤدي أربعة أو خمسة مؤذّنين الآذان، على أن يؤدي كل واحد منهم جزءاً.
مقامات موسيقية
والآذان الجماعي ليس فقط ما يميز المسجد الأموي عن بقية المساجد في العالم، بل وجود المقامات الموسيقية في الآذان، وفي حين أن الآذان يُنشد على مقام الرست عموماً، فإن لكل يوم مقامه الخاص، ومقاماً خاصاً لآذان العصر.
فيوم الأحد يُقام الآذان وفق مقام البيات؛ الإثنين مقام النوى؛ الثلاثاء مقام السيغا؛ الأربعاء مقام العراق؛ الخميس مقام الحجاز؛ السبت مقام الرست، أما يوم الجمعة فإنه آذان يوم الجمعة المعروف، وفي الصلوات جميعها اعتباراً من الركعة الثالثة تُسمع نغمات اليوم ذاته، والداخل إلى الجامع يعرف من خلال الإمام لأي ركعة وصل المصلون.
وقد استبدلت المقامات الغربية (النهوند والعجم) بمقامات شرقية وهي النوى والعراق، فيما يبدأ الآذان بقول الله أكبر على مقام السيغا، ويختم بالرست.
آذان صلاة الظهر يُرفع دائماً على مقام الحجاز، وفي آذان العصر تختلف النغمة وتأتي حسب المقام اليومي المحدد، وفي المغرب يختلف الآذان ويصبح سريعاً، وفي آذان العشاء لا يوجد تساليم. أما التبليغ فيبدأ بمقام الرست حتى الركعة الثالثة، لتنتقل بعدها للمقام المعتمد في ذات اليوم.
هذا الترتيب دوُنه ونظمه الشيخ عبد الغني النابلسي (الذي كان يعزف عل آلة القانون) في القرن السابع عشر، بعد أن وصله هذا الترتيب عبر التواتر الشفهي من قبل الأولين.
والشيخ عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي الدمشقي الحنفي (1641 – 1731م) شاعر وعالم بالدين والأدب ولد ونشأ وتصوف في دمشق. وقضى سبع سنوات من عمره في دراسة كتابات “التجارب الروحيّة” لِفُقهاء الصوفية.
وقد تعدّدت رحلاته عبر العالم الإسلامي، إلى إسطنبول ولبنان والقدس وفلسطين ومصر والجزيرة العربية وطرابلس وباقي البلاد السورية، استقر في مدينته دمشق وتوفي فيها.
أهداف محددة
الآذان الجماعي والمقامات الموسيقية في الجامع الأموي لم تنشأ كنوع من الترف بقدر ما حملته من وظائف واهداف دينية واجتماعية محددة.
فقد كانت دمشق محاطة بالبساتين خارج أسوار المدينة، وتم اعتماد الآذان الجماعي حتى يصل صوت الآذان إلى أبعد نقطة ممكنة لسكان هذه الأرياف، في وزمن لم يكن فيه جهاز مكبر الصوت قد تم اختراعه.
أما للتنويع في المقامات على مدار أيام الأسبوع فكانت لها غاية تقويمية لمعرفة الدمشقيين الأيام عند سماع الآذان في وقت لم تكن التقاويم منتشرة.
كما تم اعتماد تراتبية المقامات في التبليغ حتى إذا تأخر أحد المصلين على الصلاة وكان الإمام قد أمّ المصلين، فيعرف من سماعه مقام التبليغ في أي ركعة قد وصل المصلون.
وفي السابق كان هناك آذانين للفجر الأول الفجر الكاذب والثاني الفجر الصادق وهو موعد الآذان الحقيقي، الفجر الكاذب قبل ساعة من الوقت الحقيقي لإيقاظ من أراد أن يصلي التهجد أو يذكر اسم الله قبل صلاة الفجر، يليه المراسلة والتراحيم ثم آذان الفجر الحقيقي.
وكان أحد المؤذنين قبل آذان صلاة الفجر يحمل قنديلاً ويدور حول مئذنة العروس لإعلام جميع السقاين أنه قد حان وقت سقاية البساتين قبل شروق الشمس.