الشباب السوري في ظل الأزمة المتواصلة
لم تكن تداعيات الازمة السورية التي بدأت سنة 2011، مقتصرة على الدمار المادي والاقتصادي فحسب، بل امتدت لتعيد تشكيل نسيج المجتمع وتأثير دوره، وخصوصاً فئة الشباب التي تعتبر عماد التجديد والنشاط الاجتماعي.
لكن بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ الماضي، باتت تطرح أسئلة عن دور الشباب في تجازة هذه الأزمة التي تسببت بعزوف الشباب عن الانخراط في الشأن العام، وعن الافاق المستقبلية لهذه الفئة المهمة في بناء المجتمع السوري.
التأثير هوية الشباب
مع تحول الاحتجاجات السلمية إلى نزاع مسلح، وجد الشباب أنفسهم على مفترق طرق، فقد استُقطب الكثير منهم للقتال عن طريق الوعود بالمكافآت المالية وحصولهم على السطوة والمكانة في محيطهم، مما عزز من قبول الحالة الميليشياوية داخل المجتمع السوري.
وعلى الجانب المدني، عانى الشباب ممن لم ينخرطوا في القتال من القبضة الأمنية التي حرمتهم من التدخل في الشؤون العامة وسياسات البلاد، كما بدأت طموحاتهم تتهاوى بعد تحول 80% من الأرض السورية لساحات قتال في ذروة الحرب. وتحت وطأة العقوبات الدولية والقطيعة السياسية مع عدد الدول العربية واستفحال الفساد، انحسرت فرص العمل بشكل حاد وفقدت الأسواق السورية حركتها ومعظم علاقاتها الخارجية، ما رمى الشباب في فجوة عميقة بين الهجرة للبحث عن الفرص أو تحمل الواقع الصعب في ظل انسداد آفاق الحلول.
هذا العجز، تسبب بنقص في الخبرات والكوادر العاملة في عدة مجالات كالصحة والتعليم وغيرها، وساهم بشكل مباشر بتجريد شباب الداخل السوري من القدرة على إحداث أي تغيير في الواقع.
ويرى محللون أن الشباب الذين شاركوا في القتال إلى جانب نظام الأسد لم يكونوا متأثرين بعقيدة قتالية راسخة، بل كانوا طامحين للمكاسب الشخصية واستغلال الظروف لخدمة مصالحهم الشخصية، ما أفضى إلى تفكيك الهوية الجماعية وتحويل الشباب الفاعل والطموح إلى ميليشيات وعشوائيات.
مشاركة خجولة
بعض منظمات المجتمع المدني التي عملت بشكل سري في عدة محافظات سورية كالسويداء ودرعا ودمشق خلال الحرب، سعت لأدوار للشباب السوري على الرغم من قمع نشاطها ومحاولة تقويضه.
لكن على الرغم من سقوط نظام الأسد وإفساح المجال لكافة الجهود للمشاركة في إعادة النهوض بالواقع السوري المنهار، لا تزال المشاركات الشبابية خجولة وتقتصر بمعظمها على المشاركة في الجانب العسكري.
وتبرر الباحثة الذكتورة سلام الخطيب ذلك بفقدان فرص العمل وانتشار الفساد وتدهور قطاع التعليم، ما ترك الشباب السوري بدون بيئة مناسبة للتعلم والتعبير عن طموحاته، الأمر الذي أفرغ الشباب من إحساسهم بذواتهم، وأعطى المجال للأطراف المتصارعة لاستمالتهم وزجهم في الصراع.
وترى أنه “بعد فقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية وقمعها لنشاطات المجتمع المدني، زاد إحساس الشباب بالإحباط وانعدام الجدوى من المشاركة، إلى جانب ضياع القدوة الحسنة التي تعتبر الدافع الأساسي للطموح، واستبدالها بالقدوة التي تستعمل القوة المفرطة، ليترَك الشباب الطموح مرمياً للفراغ”.
استمرار التهميش
أدت كل هذه العوامل لتجريد الشباب من دورهم الحيوي في المجتمع رغم انفكاك القيود الأمنية والمجتمعية بسقوط نظام الأسد، حيث يفتقر المشهد السوري للتمثيل الشبابي المستقل، ويعزو الناشط السياسي والشبابي محمد العقباني غياب هذا التمثيل إلى “الخوف والقلق الأمني الذي يعيشه الشباب ولجوء شريحة منهم لأعمال خارجة عن المعايير الأخلاقية ما جعل الشريحة الأخرى محاصرة، وسيطرة قوى الأمر الواقع المختلفة في الجغرافيا السورية واستقطابها، جعل هذه الفئة من المجتمع مستنزفة مستَثمرة وغير قادرة على إنتاج أي عمل.”
وعن الحلول المتاحة يقول العقباني: “لإعادة هذه الفئة لمسارها الحيوي يفترض وجود عدة عوامل أهمها تأمين فرص العمل والحياة الكريمة للشباب بعيداً عن استقطابات قوى الأمر الواقع، وإعادة الثقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وإيجاد صيغ للتعاون، ويتحتم تطبيق القانون لسير الحياة بالاتجاه الصحيح، وضمان مشاركة عادلة، لإعادة ثقة الشباب بقدرتهم على إحداث فارق في الميزان السياسي، والاجتماعي.”
آفاق المستقبل وإعادة البناء
مع استمرار التأخير في تطبيق العدالة الانتقالية وكذلك عدم ضمان المشاركة العادلة لكل الأطراف السورية، تصبح الهوية الوطنية مهددة بوجود هويات ثانوية كالهويات الطائفية أو القومية على اختلاف المكونات السورية، في ظل غياب لتطلعات الشباب المعاصر والمتعاون.
ويتطلب تفعيل دور المجتمع المدني حضور القوى الشبابية الفاعلة والتي بدورها لا زالت تبحث عن فرصة العمل ومساحة آمنة للمشاركة من خلال إصلاحات تشريعية تضمن حقوق المواطنة.
وتشدد سلام الخطيب على أن استمرار تهميش فئة الشباب قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية وتأخير عملية إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي في سوريا. ولضمان مستقبل مستقر وتنمية شاملة، تُعد إعادة تمكين الشباب وإصلاح المؤسسات التعليمية والثقافية خطوة أساسية لإحياء روح المواطنة وإعادة بناء الثقة في الدولة.