تحديات وعقبات أمام الحكومة الانتقالية في سورية
شكل الإعلان عن الحكومة الانتقالية في سورية في نهاية آذار/ مارس 2025 حدثاً بالغ الأهمية في البلد، وخصوصاً أنه يأتي في إطار ملء الفراغ في السلطة منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
ويثير تشكيل الحكومة الانتقالية العديد من التساؤلات إزاء شكلها وأعضائها والقوى الممثلة بها، وهل هي حكومة تكنوقراط، مثلما تم الإعلان عنها، أم أنها ذات لون واحد في جوهرها؟ وما هي حجم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها؟ وهل ستكون قادرة على مواجهة تلك التحديات؟
بين اللون الواحد والتكنوقراط
في حفل في القصر الجمهوري في دمشق في 30 آذار/ مارس تم الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية العتيدة لتكون أول حكومة انتقالية في البلاد منذ سقوط النظام، والتي من المتوقع أن تستمر خلال الفترة الانتقالية التي حددها الإعلان الدستوري بـ 5 سنوات.
الحكومة، التي وصفت بـ “التكنوقراط”، بلغ عدد أعضائها 22 وزيراً، بقيت معظم الوزارات السيادية والمهمة (الخارجية الداخلية العدل الطاقة وغيرها) فيها تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” أو ممثلين في حكومة الإنقاذ في إدلب، فيما تم إسناد الوزارات الأخرى الى عدد من الأكاديميين بينهم وزيرين سابقين في عهد النظام.
هذا الأمر يؤكد بقاء النهج السائد منذ سقوط نظام بشار الأسد بأن “المنتصر يقرر”، وذلك من خلال استئثار “الهيئة” بالسلطة، فيما لا يعدو تمثيل باقي مكونات وأطياف المجتمع السوري إجراءاً شكلياً جاء بضغط دولي، وغاب عنه تمثيل الكتل السياسية أو القوى الاجتماعية، الأمر الذي يثير الجدل حول صفة “التكنوقراط”.
عقبات وتحديات
أولى العقبات في وجه الحكومة الانتقالية كان انتقاد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي تسيطر على نحو ثلث البلاد، والتي رأت أن الحكومة الجديدة تشبه حكومة تصريف الأعمال السابقة المكونة من هيئة تحرير الشام.
وقالت الإدارة في بيان لها إن هذه الحكومة تشابهت بشكل كبير مع سابقتها، من حيث عدم أخذ التنوع في سورية بعين الاعتبار، ومواصلة إحكام طرف واحد السيطرة عليها وعدم حصول تمثيل عادل وحقيقي لجميع مكونات الشعب السوري.
وأكدت الإدارة الذاتية أن أيّة حكومة لا تعبر عن التنوع والتعدد الموجود في سورية، لن تستطيع إدارة البلاد بشكل سليم وإخراجها من الأزمة التي تعاني منها، وإنما ستزيد من تعميق الأزمة ولن تزيل الأسباب التي أدت إلى اندلاعها، ولن تكون الإدارة الذاتية معنية بتطبيق وتنفيذ القرارات الصادرة عن الحكومة المؤقة، مؤكدة تمسكها في بناء سورية ديمقراطية تشاركية لا مركزية تضمن للجميع حق المواطنة وحق المشاركة العادلة في جميع مفاصل الحياة السياسية، والكف عن انتهاج سياسات الإقصاء والتهميش والاتجاه إلى احتضان جميع أبناء الشعب السوري من كل المكونات والأديان والطوائف.
موقف الإدارة الذاتية جاء بعد أكثر من أسبوعين على اتهامات وجهها الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري لحكومة تصريف الأعمال، ووصفه لها بـ “الحكومة المتطرفة”، من دون أن يصدر أي موقف إيجابي منه بشأن الحكومة الجديدة.
ليس الموقفان الكردي والدرزي هما العقبتين الوحيدتين، إذ ثمة الكثير من التحديات التي ستواجه هذه الحكومة على الساحة الداخلية أهمها: تحقيق الاستقرار الأمني في البلاد خاصة بعد المجازر التي شهدها الساحل السوري، ومواجهة التجييش في وسائل التواصل الاجتماعي، وكيفية تحقيق العدالة في هذا الملف، وإطلاق عملية العدالة الانتقالية بغية الحد من التوترات الأمنية.
كما تواجه الحكومة تحدياً يتمثل بالمحافظة على وحدة البلد، ومواجهة الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة ومواصلتها التوغل في الجنوب السوري وسيطرتها على مناطق استراتيجية في القنيطرة ودرعا وإعلان نيتها إقامة منطقة معزولة السلاح جنوب دمشق وصولاً إلى الحدود الأردنية.
وأهم التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية حالياً هي الأزمة الاقتصادية الخانقة، إذ إن الاقتصاد في وضع حرج للغاية جراء انهيار الوضع المعيشي وضعف الأجور والرواتب (أكثر من 90% تحت معدل خط الفقر)، وعدم استقرار النظام النقدي، وضعف الخدمات الأساسية، وكيفية معالجة ملف العمالة الفائضة، وما هي السياسات التي ستعمل الحكومة عليها لإطلاق عجلة الإنتاج التي تتزامن مع حالة من الإغراق في السوق السورية للسلع والمنتجات الخارجية.
كما يتوجب على الحكومة العمل على تأمين متطلبات إعادة الإعمار التي تتراوح تكلفتها بين 300 و400 مليار دولار.
تحديات خارجية
كما ترتسم تحديات خارجية، على الرغم من الترحيب العربي والدولي بالحكومة، أهمها الاعتراف بشرعيتها، وإخراج هيئة تحرير الشام من لوائح الإرهاب، وإزالة العقوبات والحصول على الدعم لإعادة الإعمار، فضلاً عن الدعم الإقليمي والدولي لاستقرار البلد.
ومن نافل القول إن التعامل الإقليمي والدولي مع الإدارة الجديدة بعد سقوط النظام وتشكيل حكومة تصريف الأعمال تميز بالانفتاح الحذر والمراقبة لسلوك تلك الإدارة، وهذا الأمر سيستمر مع الإعلان عن قائمة شروط للتعاون معها.
فالولايات المتحدة، الدولة الأكثر تأثيراً في الملف السوري، أعلنت عن جملة من الشروط في هذا المجال، منها نبذ الإرهاب بجميع أشكاله، واستبعاد المقاتلين الأجانب من أي أدوار رسمية داخل الدولة، واتخاذ خطوات عملية قابلة للتحقق لتفكيك ترسانة الأسلحة الكيميائية التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، وضمان حماية الأقليات الدينية والعرقية وتأمين الحريات الأساسية لجميع المواطنين داخل الأراضي السورية، مشيرة إلى أن واشنطن ستواصل مراقبة التطورات عن كثب للتأكد من التزام السلطة المؤقتة بهذه المعايير الإنسانية والدستورية.
أمّا الاتحاد الأوروبي الذي أعلن أنه ينظر بإيجابية إلى المرحلة الانتقالية في سورية، وأن دوله ستعمل على تقديم الدعم اللازم لعملية إعادة الإعمار، اشترط ضمان التزام الحكومة الانتقالية بمبادئ حقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية، وإشراك جميع الأطياف السورية في العملية السياسية.
الحل بوحدة وطنية
يثير تشكيل الحكومة الانتقالية في خضم وضع شديد التعقيد داخلياً وخارجياً، الشكوك في قدرتها على مواجهة الكم الهائل من التحديات.
وكان الأجدى تشكيل حكومة وحدة وطنية ممثلة بقوى سياسية ومجتمعية من كافة الأطياف، تستطيع مواجهة تلك الظروف، وتؤسس لبناء دولة مدنية عصرية قائمة على المواطنة والقانون، وتعمل على حل كل المشكلات العالقة وتحافظ على وحدة البلاد وسيادتها، وتمنع إعادة وجود نظام سياسي يستأثر بالسلطة، مثلما اختبرت سورية على مدى العقود الستة الماضية.