وفاة رئيسي وتأثيره على توجهات إيران في سورية

أثار مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في حادث سقوط طائرة مروحية، تساؤلات عن تأثير هذا الحدث على توجهات إيران في الملف السوري، وخصوصاً أن رئيسي هو الرئيس الوحيد الذي زار دمشق منذ اندلاع الأزمة في اذار/ مارس 2011، علماً بأن العلاقات بين سورية وإيران توصف بـ “الاستراتيجية”.

علاقات استراتيجية

إذ شهدت العلاقات تغيراً جذرياً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في سنة 1979، وكانت سورية هي ثالث دولة تعترف بالجمهورية الإسلامية في شباط/ فبراير 1979، بعد الاتحاد السوفياتي وباكستان.

وأسهمت محددات عدة في تمتين العلاقات بين طهران ودمشق، منها: موقف إيران من القضية الفلسطينية، ودعمها لسورية في استرجاع الجولان المحتل، ودعم حزب الله في حربه ضد إسرائيل، وبروز مصطلح “محور المقاومة”، بالإضافة إلى الحرب الإيرانية العراقية التي وقف الرئيس حافظ الأسد إلى جانب طهران ضد عدوهما اللدود صدام حسين.

ثم تعمق التحالف بين البلدين بعد تسلم بشار الأسد الحكم في سورية، والتحديات الإقليمية الكبيرة التي شهدتها المنطقة بالاحتلال الأميركي للعراق والتعاون الكبير بين طهران ودمشق لدعم حركات “المقاومة العراقية” وطرد الاحتلال الأميركي منه؛ كما أسهمت الأحداث اللاحقة مثل حرب 2006 في لبنان الى تمتين العلاقات، ثم توجت في 16 حزيران/ ماؤو 2006 بتوقيع وزيري دفاع كل من سورية وإيران اتفاقاً للتعاون العسكري ضد التهديدات المشتركة التي تشكلها إسرائيل والولايات المتحدة.

الأزمة السورية والحرس الثوري

مع بدء الأزمة في سورية عملت إيران على دعم النظام السوري، معتبرة أن تغيير النظام سيحد من نفوذها الإقليمي بشكل كبير وسيؤدي إلى خسارة استراتيجية لها على خارطة المنطقة.

ولعب اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وهي وحدة قوات خاصة للحرس الثوري الإيراني، ومسؤولة عن عمليات خارج الحدود الإقليمية، دوراً حيوياً في دعم النظام السوري حيث تم بدءا اعتباراً من سنة 2012 في تقديم الدعم المادي والتدريب وتقديم المشورة لجيش النظام، وتنظيم تجنيد وتأسيس الميليشيات الموالية له.

وقد دعمت إيران دخول “حزب الله” اللبناني إلى سورية في بداية الأزمة، والميليشيات العراقية والأفغانية ومن جنسيات أخرى، والموالية لإيران في الصراع في السنوات اللاحقة، وقد لعب سليماني دوراً رائداً في التنسيق بين الجيش السوري وحزب الله ومختلف الميليشيات الموالية للنظام، حتى أن الحرس الثوري وجد نفسه متورطاً بشكل مباشر في قتال المعارضين السوريين في بعض الأحيان.

أدى الدعم الإيراني الذي عززه التدخل العسكري الروسي في سنة 2015، إلى تحويل مسار الصراع لمصلحة الرئيس بشار الأسد الذي لم يكن يسيطر في أيلول/ سبتمبر 2015، إلّا على نحو 17 % من مساحة سورية.

وتشير تقارير إلى أن إيران تسيطر على أكثر من 300 موقع عسكري في سورية، ولا يزال وكلائها، بما في ذلك الأجانب والمحليين، متمركزين في مواقع استراتيجية في جميع أنحاء البلد.

الدعم الاقتصادي وزيادة النفوذ

الدعم العسكري ترافق بتعاظم دور إيران الاقتصادي في دعم النظام بعد الأزمة مقارنة بما قبلها، إذ ساهم ذلك الدور بتجاوز العقوبات المفروضة عليه عربياً وغربياً في معظم القطاعات، وخصوصاً في القطاع النفطي من خلال امدادات بأسعار مخفضة.

وفي 21 آذار/ مارس 2012 تم تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة السورية الإيرانية التي خُفضت بموجبها نسبة الرسوم الجمركية البينية للسلع المتبادلة بين البلدين بنسبة 96%، فضلاً عن الوفرة المالية الناجمة عن خط الائتمان والقروض وتوفير امدادات الطاقة إلى سورية بأسعار مخفضة.

كما تم في إطار اللجنة السورية الإيرانية المشتركة التوقيع على عشرات مذكرات التفاهم والاتفاقيات في المجالات كافة لمساعدة النظام في التخلص من العقوبات، وفي المقابل حصول إيران على مكاسب واستثمارات اقتصادية في البلد، قدرها النائب السابق في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني فلاحت بيشه بـ 30 مليار دولار، فيما أشارت وثائق مسربة إلى أن هذا المبلغ يصل إلى 50 ملياراً.

وكان باحثون أشاروا إلى أن زيارة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي إلى دمشق مطلع أيار/ مايو 2023، هدفت إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية تضمن لها تعظيم نفوذها في المنطقة، مثل الربط السككي بين إيران والعراق وسورية، والحصول على امتياز ميناء اللاذقية للأهمية الحيوية الخاصة التي يحظى بها، وضرورة ربط إيران بأوروبا عبر المتوسط، فضلاً عن الحصول على امتيازات اقتصادية أخرى.

استبعاد أي تغيير

يرى مختصون بأنه لمعرفة مدى تأثير وفاة كل من الرئيس الإيراني ووزير خارجيته على السياسة الخارجية في إيران يرتبط بطبيعة النظام السياسي الإيراني، لافتين إلى أن النظام السياسي معقد يجمع بين عناصر حكم ديني إسلامي عصري تمتزج بالديمقراطية لجهة انتخاب العديد من الهيئات الفاعلة، وصولاً إلى انتخاب رئيس الجمهورية.

ويضيف مختصون أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي حالياً، هو رأس الهيكل السياسي، والقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية والمسيطر على الأجهزة الأمنية، والذي يحدد السياسة الخارجية والداخلية، فيما يعتبر الرئيس الإيراني ثاني أعلى مسؤول في البلاد وفقا للدستور الايراني وهو رئيس الفرع التنفيذي للسلطة، كما أنه مسؤول عن ضمان تنفيذ الدستور.

ولفت مختصون إلى أن وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته لن تؤثر على التوجهات الاستراتيجية لإيران، لأن الكلمة الأعلى هي للمرشد الأعلى، وربما تمركز السلطة هذا، وليونتها في الوقت ذاته، وشخصية المرشد، عناصر قادت إلى تعاظم دور ايران في العقود الماضية، وجعلت منها لاعباً إقليماً في كثير من ملفات الشرق الأوسط.

وأوضح مختصون أن التأثير الأكبر في وفاة رئيسي يرتبط بمسألة داخلية، إذ تم في الآونة الأخيرة تداول أن الرئيس الراحل، هو أحد المرشحين لخلافة خامنئي الذي يبلغ من العمر 85 عاماً، في منصب المرشد.