واقع وانعكاسات إصابة أسماء الأسد بالسرطان

شكل الإعلان الرئاسي عن إصابة السيدة أسماء عقيلة الرئيس بشار الأسد بسرطان الدم (لوكيميا) حدثاً استثنائياً؛ فالسيدة الأولى ساهمت منذ سنة 2016 بإعادة ترتيب البيت الداخلي للحلقة الضيقة في النظام، وتعاظم دورها بشكل كبير لتصبح صاحبة سطوة في القطاع الاقتصادي، متخفية تحت غطاء الجانب الإنساني والإغاثي.

إن الحالة الصحية لأسماء الأسد، تطرح تساؤلات بشأن استمرار النهج السائد في إدارة البلد، أم إعادة ترتيب البيت الداخلي السوري استعداداً لتطورات في الملف السوري.

بيان رئاسي مقتضب

أعلنت رئاسة الجمهورية في سورية الثلاثاء 21 أيار/ مايو إصابة أسماء الأسد بمرض ابيضاض الدم (لوكيميا).

وقالت الرئاسة السورية، في بيان لها، إنه “بعد ظهور عدة أعراض وعلامات سريرية مرضية تبعتها سلسلة من الفحوصات والاختبارات الطبية، تمّ تشخيص إصابة السيدة الأولى أسماء الأسد بمرض الابيضاض النقوي الحاد (لوكيميا).”

وأضاف البيان أن “السيدة الأولى ستخضع لبروتوكول علاجي متخصص يتطلب شروط العزل مع تحقيق التباعد الاجتماعي المناسب، وبالتالي ستبتعد عن العمل المباشر والمشاركة بالفعاليات والأنشطة كجزء من خطة العلاج.”

هذا الإعلان هو الثاني من نوعه بخصوص أسماء الأسد، إذ أعلن النظام في سنة 2018، عن تشخيص إصابة الأسد بسرطان الثدي؛ وفي العام التالي، أُعلن أنها تعافت تماماً بعد تلقيها العلاج في “مستشفى تشرين العسكري”.

خبراء اعتبروا أن معدل الشفاء لأسماء سيكون أقل لأنها مصابة بسرطان الدم المرتبط بالعلاج ما بعد العلاج الكيميائي لسرطان الثدي، ومن المحتمل أن يقترب معدل الشفاء من 40%، بدلاً من 60% أو 70%، لافتين إلى أن تعافيها سيعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك النمط النووي لديها – أي كروموزوماتها – ونوع الطفرات الموجودة في جسدها. بالتالي المحتمل أنها ستحتاج إلى علاج كيميائي مكثف وإلى زرع الخلايا الجذعية المعروفة أيضاً باسم زراعة نخاع العظم.

ويرى خبراء أن العلاج الأمثل لأسماء هو عقار السرطان “فينيتوكلاكس”، غير المتوفر في سورية، كما أن “سورية ليس لديها مراكز زراعة جيدة”، مشيرين إلى أن “العلاج المثالي متوفر في الولايات المتحدة وكذلك في المملكة المتحدة”، اللتين تفرضان عقوبات على عائلة الأسد بمن فيها أسماء الأسد نفسها.

بروز دور أسماء الأسد

لم يظهر دور أسماء القوي في البلد إلا بعد وفاة أنيسة مخلوف والدة الرئيس بشار في شباط/ فبراير 2016، إذ كان يُمنع أن يُطلق على السيدة أسماء لقب السيدة الأولى خلال حياة السيدة أنيسة.

بدأ يظهر دور أسماء القوي كأحدى شخصيات الظل في النظام، مع بدء ترتيبها البيت الداخلي للعائلة، ومن هنا بدأت بتحجيم رموز ترتبط بصلات قرابة مع الأسد، لم يكن أحدا يستطيع المس بها بوجود أنيسة، مثل رامي مخلوف ووالده محمد، إذ نجحت في بازاحة تلك العائلة عن المشهد، وحجزت على أموال رامي وشركاته، ووضعته تحت الإقامة الجبرية بحكم قضائي، وعينت حارساً قضائياً على شركته الكبرى سيرياتل، وسيطرت على الواجهة الإنسانية لرامي “جمعية البستان الخيرية” وغيرت اسمها إلى “جمعية العرين الخيرية”.

وترافق تحجيم الرموز الاقتصادية في البلاد بنشاط أخطبوطي لأسماء من خلال تأسيس شركات تتبع لها مثل “تكامل”، و”إيماتيل” التي تحمل اسمها الإنكليزي المطبوع على جواز سفرها البريطاني “إيما”.

العمل الإنساني واجهة للسيطرة

تقول مصادر مطلعة لموقع “التقرير العربي نت” إن العمل الإنساني لأسماء الأسد بدأ بعد زواجها من بشار في كانون الأول/ يناير 2000، حين أسست مشاريع ومبادرات تحت غطاء عُرف باسم “الأمانة السورية للتنمية” التي حصلت في نيسان/ أبريل 2007 على الترخيص القانوني من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

وتابعت المصادر أنه بدأ الترويج لهذه الجمعية على أنها تدعم المبادرات المحلية، وتعزيز المواطنة النشطة وريادة الأعمال، وتدعو إلى مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار ومسائل التنمية، إلا أن الجمعية بدأت تحت هذا الستار بالسيطرة على العديد من القطاعات التنموية الأخرى، ولا سيما بعد الأزمة في سورية في 2011، وبدأت تتلقى القسم الأكبر من الأموال الدولية المخصصة لإعادة الإعمار أو التعافي المبكر، وتحتكر الإغاثة وتقديم الدعم القانوني للنازحين داخلياً عبر برنامج الاستجابة القانونية الأولية.

وأردفت المصادر أن “جمعية الأمانة ساهمت بدمج الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية في اقتصاد الحرب، عن طريق تخصيص جزء كبير من المساعدات لدعم المجهود الحربي، بالإضافة إلى توزيع المساعدات التي تتلقاها من المانحين والأمم المتحدة إلى الموالين للنظام لاحتواء النقمة الناجمة عن الانهيار الذي تشهده سورية جراء الأزمة، كما استغل النظام الأموال المقدمة من الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في استثمارها في احتكارات اقتصادية ساهمت في بناء ثروات شخصية لكبار مسؤولي السلطة، كما أن تلك الأموال شكلت شريان اقتصادي للعملة الصعبة.

المكتب الاقتصادي الرئاسي والسيطرة المطلقة

سطوة أسماء الأسد على الاقتصاد تمثلت في إدارة مكتب اقتصادي سري في القصر الجمهوري، أطبقت من خلاله على الاقتصاد السوري من خلال التحكم بمفاصله، وفرض أتاوات على التجار والصناعيين بذرائع الفساد والاتجار بالعملة، ونجحت في الحد من نفوذهم وفي السيطرة على أصول البعض منهم، وتحديد حصص لها في العديد من المشاريع الاقتصادية الكبيرة في البلد، وذلك بهدف تمويل عمليات النظام من جهة، وجمع ثروة هائلة للعائلة من جهة ثانية.

والمكتب السري له بنية تنظيمية مؤلفة من عدة أقسام تشمل المعلومات والمالية والأمن، فيما يعتبر الفرع الداخلي (أحد أقوى فروع مديرية المخابرات العامة)، الذراع التنفيذي لهذا المكتب.

واللافت أن الإعلان عن مرض أسماء الأسد، جاء بعد تقارير تحدثت عن تعرض أحد المقربين منها، وهو رجل الاعمال يسار إبراهيم، لعملية تسمم مدبرة قبل أشهر وأنه في وضع صحي حرج، اذ يعتبر أحد أهم الشخصيات التي تدير المكتب السري.

توقعات البقاء أو الغياب

مرض أسماء الأسد، بحسب مختصين، أمر بالغ الأهمية وله تداعيات كبيرة، وخصوصاً أنها شخصية محورية في النظام، ساهمت في ترتيب البيت الداخلي للحلقة الضيقة في صناعة القرار، وسيطرت على معظم مفاصل النظام الاقتصادية والمساعدات الإنساني.

إن استمرار تأثيرها ودورها سيحدده استجابتها للعلاج ومدى تعافيها من المرض، وبقاؤها على قيد الحياة، في حال كان بيان رئاسة الجمهورية صحيحاً، فيما يعتبر البعض أن الحديث عن المرض هو تمثيلية ترتبط بإعادة ترتيب جديدة على مستوى النظام قد تتبين طبيعتها في قادم الأيام.