نقيب الصحافيين الجديد في مصر من المعارضة إلى المناورة
في مفارقة هي الأولى من نوعها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، فاز المرشح المستقل خالد البلشي برئاسة نقابة الصحافيين المصريين، بعد أن حسم انتخابات التجديد النصفي التي شهدت تنافساً حاداً، مع خالد ميري، رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” المملوكة للدولة.
البلشي هو رئيس تحرير موقع “درب”، وهو منفذ إخباري تابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي المعارض، والذي تمّ حظر الوصول إليه على خوادم الإنترنت داخل مصر، الأمر الذي يعني أن نقيب الصحافيين، هو في الوقت نفسه، رئيس تحرير موقع صحفي محظور أمنياً، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات عن مستقبل النقابة وعلاقتها بالسلطة في مصر.
هذه المفارقة وضعت الدولة والنقابةأمام الأمر الواقع، وهو ضرورة العمل معاً، على الرغم من الغضب المكتوم بين صفوف الصحافيين، والذي يرتكز أغلبه على تردي أجواء العمل، وتضاؤل مساحة الحريات، وربما التضييق على الأصوات المعارضة، وجملة من المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الصحافيون في مصر، في ظل تدني الرواتب، وخصوصاً في الصحف القومية، مع تراجع مستوى الخدمات.
محاولات الاحتواء
يمكن القول إن نجاح خالد البلشي في حسم مقعد الرئاسة لمصلحه، حتى ولو بفارق بسيط، يعكس حالة التذمر بين صفوف الصحافيين الذين اختاروا نقيباً معارضاً، في مواجهة السلطة التي تعي جيداً خطورة الصدام مع النقابة التي انطلقت من أمامها أكبر فاعلية معارضة للنظام، والمعروفة بجمعة الأرض، في سنة 2016، في أعقاب اتفاقية إعادة تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
ويبدو أن محاولات احتواء البلشي بدأت منذ اللحظة الأولى، فما إن أعلن المستشار أحمد مرسي، أمين عام المجلس الأعلى للنيابة الإدارية ورئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة الصحافيين، فوز البلشي بمقعد النقيب، حتى سارع منافسه خالد ميري إلى تقديم التهنئة، وظهر النقيب السباق، ورئيس هيئة الاستعلامات، ضياء رشوان، المحسوب على النظام، إلى جوار البلشي، ملتفين جميعهم تحت شعار وحدة الصحافيين.
المطلبي قبل السياسي
النقيب الجديد تقدم إلى الحكومة بعدة مطالب، ركز فيها على الجانب الاقتصادي، مستبعداً المواجهة السياسية، فطالب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بزيادة العلاوة المالية للنقابة بنسبة 40%، تماشياً مع حزمة تدابير الدعم الاجتماعي الجديدة، التي قدمها الرئيس السيسي، بما في ذلك زيادة الأجور والمعاشات التقاعدية، والإعفاءات الضريبية.
ويبدو أنّ البلشي قرر هو الآخر تأخير الصدام مع الدولة، وربما تفاديه في الوقت الراهن، في محاولة للحصول على مكاسب فئوية لناخبيه، وهو ما أعلن عنه قبلاً، إذ كان قد قال أن هدفه الرئيسي هو تحرير صناعة الصحافة المصرية من قبضة القوى الاحتكارية، واستعادة استقلال النقابة وحريتها، معرباً عن أسفه لأن راتب الصحافي المبتدئ يصل إلى 38 دولاراً في الشهر، ويرتفع تدريجياً إلى أن يصل إلى 170 دولاراً فقط في سن التقاعد.
ويركز النقيب الجديد على العمل على تنفيذ قرارات الحكومة، التي أعلنها رئيس الجمهورية، وأكدتها وزارة التخطيط، برفع الحد الأدنى للأجور في المجال الصحفي، بالعمل على تفعيل المادة 46 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام، والتي تلزم المؤسسات بتحديد حد أدنى للأجور، وكذلك عقد مؤتمر اقتصادي لمناقشة أوضاع المهنة وسبل تحسين الأوضاع الاقتصادية للصحافيين، عن طريق تعظيم الموارد المالية، من خلال حصول الصحافيين على نسبة من الضرائب المفروضة على الإعلانات، وضريبة الدمغة على الصحافة.
مع رموز النظام
اللافت أن خالد البلشى، ظهر عقب فوزه في الانتخابات، وبشكل رسمى، في احتفالية المرأة المصرية بحضور الرئيس السيسى، بموجب دعوة رسمية من رئاسة الجمهورية، الأمر الذي أثار علامات استفهام لدى مؤيديه الذين توقعوا صداماً حاداً بين الطرفين، وتكرر الأمر في اليوم الأول من شهر رمضان، من خلال مشاركة نقيب الصحافيين، مجموعة من الإعلاميين وعدد من الوزراء والمسؤولين، حفل افتتاح الرئيس السيسي، لمركز مصر الثقافي الإسلامي، ومسجد مصر الكبير في العاصمة الإدارية الجديدة. وقد ظهر البلشي في صورة جمعته بعدد من رموز النظام الإعلامية: أحمد موسى ونشأت الديهي ومحمد الباز.
يمكن القول إن العلاقة بين البلشي والنظام ربما فاجأت البعض في أيامها الأولى، إذ كشفت تقارير عن قيام أجهزة نافذة فى الدولة، بالتواصل مع النقيب الجديد، بعد دقائق من إعلان فوزه، وأكدت له أن يدها ممدودة، وأنها ترحب بالتعاون معه، ولقاءه في أي وقت، ومن ثم جاءت دعوة البلشى إلى الاحتفال الرئاسي بيوم المرأة المصرية، وافتتاح مسجد مصر الكبير.
استيعاب متبادل
ربما باتت الدولة تدرك أن أدوات التعاطي مع الإعلام تحتاج إلى تغيير تدريجي، وأن الوجوه القديمة المحسوبة على النظام، فقدت بريقها وقدرتها على التأثير، بل وأصبحت تثير غضب الشارع بخطابها السطحي والاستفزازي، وأن الدولة أصبحت في حاجة إلى أمثال خالد البلشي لتدشين عقل جديد للدولة قادر على التعامل مع المتغيرات الحادة التي يشهدها الراهن الداخلي، وكذلك التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية. ومن ثمّ فإن الخطاب الشعبوي لم يعد له تأثير يذكر، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، واحتراق الوجوه القديمة.
بدوره، يدرك البلشي أن الصدام مع النظام، لن يفضي إلى أي مكتسبات على الأرض، وربما اختار انتهاج استراتيجية التغيير من الداخل، وممارسة الضغط من خلال منصبه، لتحقيق مكاسب اقتصادية للصحافيين، والإفراج عن المحتجزين، وتحسين أجواء العمل الصحفي، مع تأجيل الملف الحقوقي، بداعي ترتيب هرم الأولويات، بوصفه رئيساً لنقابة تضم موالين ومعارضين.
الاختبار الأقوى الذي سوف يواجهه البلشي، هو محاولة اقناع الجناح الراديكالي الموالي له، بسياساته، ولا سيما اليسار الثوري الرافض لأي تفاهمات مع الدولة، والذي يشغل نسبة كبيرة جداً من مؤيديه، بالتزامن مع ظهور أصوات غاضبة، ذهب البعض منها إلى اتهام النقيب بالخيانة. كما يحتاج البلشي إلى مرونة أكبر في التعامل مع الجهات الأمنية، وخصوصاً أن الملف الإعلامي في مصر يشبه حقل الألغام الذي يحتاج إلى الاحتفاظ بهامش مناورة كبير، أثناء السير فيه.
هذا السيناريو التوافقي يلزمه، حتى يكتمل، عدم حدوث مفاجآت في الملفات التي لا تقبل التنازل، وأبرزها مسألة التطبيع مع إسرائيل، وملف سجن الصحافيين، ومن ثم فإن الحظ وحده قادر على أن يسير بالطرفين إلى مواءمة للتعايش، ربما تفضي إلى مصالحة شكلية يتجنب فيها الطرفان الدخول في صدامات حادة، وهو أمر ربما يساعد على حدوثه حرص الدولة على تلبية الاحتياجات المالية للصحافيين، وتكريس الوضع المميز للنقابة.
ويمكن القول إن المواجهة الخشنة لن تفيد الطرفين، فالدولة لا ترغب في تشويه صورتها الحقوقية، بالدخول في صدام مع رأس النقابة الأهم في البلاد، والنقابة كذلك تريد الحصول على عدة مكاسب، في مواجهة أصابع النقد الموجهة إليها، وأبرزها التعسف في قبول أعضاء جدد، وتكوين كيان مغلق، يعاني كغيره من المؤسسات من الاهتراء والتناقضات ومراكز القوى.
إقرأ المزيد عن مصر في تقرير مصر الشهري