ملفات زيارة الصفدي "الاستثنائية" إلى دمشق

اكتسبت زيارة وزير الخارجية الأردني الى سورية أهمية خاصة، في ظل وضع إقليمي خطير، وتزامنها مع حراك سياسي شهدته العاصمة الأردنية مؤخراً، الأمر الذي يشير إلى وجود العديد من الملفات، فيما أثارت أيضاً سؤالاً عمّا إذا نضجت الظروف لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين؟

بيانات برتوكولية

شكلت زيارة الصفدي الى سورية ولقائه الرئيس بشار الأسد ونظيره بسام صبّاغ حدثاً بارزاً له أهميته من حيث التوقيت والظروف المرافقة لها، فالزيارة جات في إطار استمرار تطور العلاقات بين البلدين في السنوات الأربعة الأخيرة والجهود التي بذلتها عمّان في إعادة دمشق الى محيطها العربي.

كما جاءت زيارة الصفدي الثالثة له إلى سورية منذ شباط/ فبراير 2023، في ظل حراك سياسي شهدته عمّان التي استقبلت العديد من المسؤولين ومنهم رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.

ظروف إقليمية معقدة

زيارة الصفدي الى دمشق، التي وصفتها وسائل اعلام بـ “الاستثنائية”، جاءت في وقت تشهد فيه المنطقة عدواناً إسرائيلياً على قطاع غزة والضفة الغربية في الأراضي المحتلة وجنوب لبنان، بالإضافة إلى عدوان إسرائيلي متكرر على سورية منذ سنوات، وكذلك الاشتباك إيراني إسرائيلي الذي تطور الى تبادل ضربات عسكرية بينهما مع وجود توقعات بتحول ذلك إلى حرب شاملة.

وعل قد وجود الأردن في هذا المحيط الملتهب، من التنسيق مع سورية ضرورة لحماية أمن المملكة الوطني، خشية من تداعيات الأحداث وتحولها الى ساحة للصراع، وخصوصاً مع نوايا اليمين الإسرائيلي المتطرف توسيع حدة الصراع في المنطقة، فضلاً عن الحديث عن انتشار فصائل إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله اللبناني، عند الحدود السورية الأردنية، وإمكانية التسلل عبر تلك الحدود وتأثير ذلك على أمن المملكة.

ملف اللاجئين

ملف اللاجئين كان حاضراً في محادثات الصفدي، والذي أصبح أحد الملفات الضاغطة على الحكومة الأردنية وذلك بعد تراجع الملف السوري عن صدارة الملفات على الساحة الدولية، وتراجع خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين، الأمر الذي تسبب بتداعيات كبيرة على المملكة في ظل مشاكل اقتصادية واجتماعية جمة تعاني منها، وتتمثل في ارتفاع المديونية الى مستويات غير مسبوقة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين الشباب وتراجع إيرادات القطاعات الاقتصادية، وخصوصاً السياحة التي تأثرت بشدة جراء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وفي هذا السياق، تجب الإشارة إلى أن زيارة الصفدي الى دمشق جاءت بعد زيارة رئيسة وزراء إيطاليا التي تعمل بشكل حثيث على تعزيز الحضور الأوروبي الدبلوماسي في دمشق وتغيير التعاطي الأوروبي مع الحكومة السورية بهدف إعادة اللاجئين وإيقاف الهجرة غير الشرعية، إذ لا يزال السوريون يحتلون المرتبة الأولى كمهاجرين غير شرعيين الى أوروبا، وهذا من شأنه أن يفيد المملكة بخصوص اللاجئين والتنسيق مع دمشق لإعادتهم.

ويُذكر أن الأردن يستضيف نحو 1,3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

ملفات أُخرى

من الملفات العالقة بين البلدين التي تم بحثها خلال زيارة الصفدي، تهريب المخدرات من الأراضي السورية، وهو ملف دفع البلدين في تموز/ يوليو 2023 إلى تشكيل لجنة مشتركة لمعالجته، ثم ما لبثت ان شهدت العلاقات بين الجانبين توترا بعد شن الطيران الأردني غارات داخل الأراضي السورية كان آخرها في كانون الثاني/ يناير الفائت، وأسفرت عن سقوط مدنيين بينهم أطفال.

وتسعى المملكة إلى حض دمشق على زيادة جهودها في مكافحة عمليات التهريب التي لم تتوقف على الرغم من الضغوط، وإعادة احياء عمل اللجنة المشتركة.

تفعيل المبادرة العربية

من الملفات المشتركة بين البلدين هو المبادرة العربية لحل الازمة السورية وهي بالأساس مبادرة اردنية تعتمد مبدأ الخطوة خطوة، تضمنت جملة من القضايا الانفة الذكر كاللاجئين وملف المخدرات.

وتنص المبادرة التي على تخفيف العقوبات المفروضة على السلطات السورية مقابل ان تلتزم الأخيرة المبادرة بـ “المشاركة الإيجابية” بتنفيذ القرار 2254 وعمل اللجنة الدستورية السورية والإفراج عن سجناء ومعتقلين وتحديد مصير مفقودين وإجراء انتخابات “تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة”.

ويسعى الأردن إلى إحياء المبادرة التي تعاني من جمود منذ الإعلان عن تشكيل لحنة الاتصال العربية المعنية المنبثقة عن المبادرة والتي تضم كل من وزراء خارجية كل من الأردن ولبنان والسعودية ومصر والعراق وسورية.

ولا شك في أن الأردن، الذي يعتبر أكثر المتضررين جراء عدم احراز أي تقدم من خلال المبادرة، يرغب أن تحل العديد من القضايا كعودة اللاجئين والحد من تهريب المخدرات عبر حدوده مع سورية وفقا للمبادرة بشكل جماعي، ويجد أن الظروف الحالية في المنطقة والحوار الذي بدأ مع طهران يسمح بذلك، في ظل الأزمة المعقدة التي تعيشها سورية من كافة النواحي واللاعبين الدوليين والإقليميين فيها.