مؤشرات ودلالات تشكيل الحكومة السورية الجديدة

شكل الإعلان عن تشكيل الحكومة السورية الجديدة حدثاً مهما على الساحة في سورية، وخصوصاً مع الأزمة المستمرة المتمثلة في تدهور الوضع المعيشي والتداعيات الناجمة عنه.

إن تشكيل الحكومة والآلية التي أُثيرت بها العديد من التساؤلات مثل: عودة حزب البعث للعب دور في تشكيل الحكومة بعد نحو عقدين من تهميشه وتركز السلطات بيد الرئيس بشار الأسد؛ وإذا كان رئيس الحكومة والوزراء أصحاب قرار وصلاحيات واسعة؛ وبشأن التوقعات بشأن السياسة التي ستتبعها الحكومة الجديدة؟

اختيار رئيس الوزراء

في حدث شبه نادر أجرى الرئيس بشار الأسد مشاورات مع القيادة المركزية للحزب (القيادة القطرية سابقاً) لاختيار رئيس للحكومة السورية في 13 أيلول/ سبتمبر الفائت.

وفي اليوم التالي صدر مرسوم من الأسد بتكليف الدكتور محمد غازي الجلالي بهذه المهمة، وهو أول رئيس للوزراء من الجولان، وكان قد شغل منصب وزير الاتصالات والتقانة لمدة لم تتجاوز العامين.

وبقي في الحكومة الجديدة التي تضم 27 وزيراً، 11 وزيراً من الحكومة السابقة منهم وزراء الدفاع والداخلية والأوقاف، في حين دخل 14 وزيراً جديداً بينهم بسام صباغ بمنصب وزير الخارجية، والإعلامي زياد غصن، الذي يشغل حاليا منصب وزير الاعلام.

تعويم الحزب

تسمية رئيس الحكومة الجديد حملت العديد من المؤشرات على الرغم من أن الحركة طبيعية وفقاً للدستور والقوانين، إذ إنها تأتي بعد انتخابات لمجلس الشعب، علماً بانها جاءت كذلك بعد أشهر من انتخابات حزبية اختيرت فيها اللجنة المركزية وتم انتقاء اعضاء القيادة المركزية، أعلى سلطة بعد الأمين العام للحزب.

والجلالي من ضمن 45 اسماً اختارهم الرئيس بشار الأسد ليكونوا أعضاء في اللجنة المركزية لـ “حزب البعث” خلال انتخابات الحزب الأخيرة في أيار/ مايو الماضي، بعدما أفرزت نتائج الانتخابات 80 عضواً.

لقد سعى الأسد لإظهار أن القرار في اختيار الحكومة هو قرار جماعي للحزب الذي فاز مرشحوه بنحو ثلثي مقاعد مجلس الشعب، باعتباره حصل على الأغلبية من جهة، وبعد تعويم الحزب في الساحة السياسية مؤخراً، والذي جرى تهميشه لأكثر من عقدين، ولكي ينفذ سياسة اقتصادية قائمة على الانفتاح.

كما أن عملية صناعة القرار في الحكومة الحالية أعاد إلى الأذهان الحديث عن المادة الثامنة في الدستور السابق، والتي تنص على أن الحزب هو القائد للدولة والمجتمع، على الرغم من استبدالها في دستور 2012 عقب مطالبة المحتجين بتغييرها.

موظفون فوق العادة

بعد تسلم الرئيس بشار الأسد الحكم سنةم 2000 واتباعه برنامجاً خاصاً للإصلاح الاقتصادي، تركزت الصلاحيات بيده وبات مجلس الوزراء ينفذ بشكل وظيفي المراسيم والقرارات التي تصدر عن القصر الجمهوري، مما حول رئيس المجلس واعضائه إلى موظفين لا أكثر، بل أحياناً تصدر قرارات من دون علم رئيس الوزراء أو الوزير المختص بها.

كما أن سلطات القصر الجمهوري تعاظمت بوجود السيدة أسماء الأسد التي تعتبر حجر الأساس في إقرار السياسات الاقتصادية وبوجود هيئات مرتبطة بها مثل المكتب الاقتصادي.

قضايا ملحة

تأتي الحكومة الثامنة تزامناً مع الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية بالغتي الصعوبة، واللتين حولتا البلد إلى مصافي الدول الفاشلة.

فمعدل الفقر تجاوز 90%، وبالتراففق مع استشراء الفساد بشكل غير مسبوق في القطاع العام: أصبح دخل المواطن في القطاع العام لا يتجاوز 32 دولاراً شهرياً؛ بات 15 مليون نسمة يحتاجون إلى المساعدة؛ سجل ارتفاع كبير في معدل البطالة وصل الى أكثر من 23%، فيما خروج الأفراد المتعلمين من سوق العمل لفترات طويلة يحمّل سورية عبئاً مالياً كبيراً، إذ يؤثر على الإنتاجية الاقتصادية؛ فشل في سياسة التحصيل الضريبي الذي لم يتجاوز نسبة 8,3% للناتج المحلي الإجمالي؛ فضلا عن ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار المخدرات وغيرها.

وكان التدهور الأكبر خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، انهيار قيمة العملة السورية من 900 ليرة مقابل الدولار الى قرابة 15 ألف ليرة.

وبالتزامن مع تلك الصعوبات التي ارجعتها الحكومات السابقة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، اعتمدت الحكومات المتعاقبة، وخصوصاً حكومة حسين عرنوس، اعتماد سياسة جباية من خلال فرض الضرائب ورفع سعر الخدمات ورفع الدعم تدريجياً.

سياسة رفع الدعم

أعطت تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة انطباعاً عن توجه السياسة الاقتصادية المزمع السير بها، وهي سياسة التحرير الذي بدأ الأسد بالحديث عنها.

الجلالي عند تكليفه بمهمة تشكيل الحكومة وهي مهمة شكلي، إذ إن للقصر الدور الأهم في اختيار الوزراء، نشر مقولة لفردريك باستيا، المنظِّر الليبرالي الكلاسيكي والاقتصادي السياسي الفرنسي، الذي يعد من أنصار المذهب الحر في الاقتصاد، وعاش في القرن التاسع عشر، قال فيها: “ليس هناك إلا فارق واحد بين الاقتصادي الجيد والاقتصادي السيِّئ، وهو أن الاقتصادي السيِّئ يقصر نفسه على التأثير المرئي. أما الاقتصادي الجيد فيأخذ في حسبانه معاً التأثير الذي يُمكن أن يُرى وتلك التأثيرات التي يجب التنبؤ بها.”

هذا التوجه تبين ذلك بأولى قرارات الحكومة من خلال رفع سعر ليتر المازوت الخاص بالتدفئة من 2000 ليرة إلى 5000 ليرة مع تشديد مجلس الوزراء على ضرورة الجرأة الموضوعية في التعاطي مع الطروحات كافة أياً كانت سواء، لجهة مقاربة الخروج من بعض القطاعات الصناعية وتعزيز حضور القطاع الخاص فيها في حال أظهرت دراسات الجدوى الاقتصادية وجود مصلحة وطنية عليا من خروج القطاع العام منها وتحويلها إلى القطاع الخاص وفق المزايا النسبية لكل من القطاعين، داعياً إلى التعامل مع القطاع الخاص بعين مجردة موضوعية بعيداً عن الأيديولوجيا السلبية الجامدة

توقعات منفخضة

سقف توقعات السوريين من الحكومة الجديدة وما سينتج عنها يبدو انه منخفض جدا بسبب التوقعات باستمرار الحكومات السورية باتباع سياسات عشوائية واعتباطية لا تأخذ بعين الاعتبار انهيار الوضع المعيشي الذي تسببت به تلك الحكومات التي اعتادت أن تلقي تقصيرها وفشلها على العقوبات المفروضة على البلد.

ودرجت العادة في الحكومات السابقة أن تتبنى بيانات وزارية تناقشها في مجلس الشعب تتبنى وعوداً فضفاضة ولغة إنشائية سردية من دون أن تترافق بخطط وبرامج ناتجة عن دراسات أو تتضمن أرقاماً ومعطيات، كما أنها لم تحدد أي اليات واضحة لتنفيذ تلك البرامج والخطط.

في المقابل، فإن المطلوب من هذه الحكومة الكثير من العمل لتحسين الوضع المعيشي والحد من معدلات التضخم والفقر والبطالة، وإصلاح سوق العمل، وإصلاح الرواتب والأجور التي تعتبر الأقل في العالم، وتبني برامج اجتماعية تحد من التأثيرات السلبية التي سيشهدها المواطن جراء سياسة التحرر الاقتصادي، بالإضافة إلى رفع الدعم بشكل تدريجي يكون ناتج عن دراسات تحدد تكلفته.

أما بقاء الأمور على حالها وتعميق معاناة السوريين المعيشية من خلال فشل الحكومة الجديدة في إيجاد حلول للمشاكل والأزمات المستمرة، ينذر بعواقب خطيرة وانفجار يكون له تداعيات سلبية، وخصوصاً مع الوضع الإقليمي المتأزم.