قلق أردني من فوز ترامب على هوية الدولة ووجودها
آثار فوز الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية القلق في الأردن رسمياً وشعبياً، وخصوصاً أن فترة حكمه الأولى بين عامي 2017 و2021 كانت خارجة على المألوف في تاريخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وبالتالي فإن التوقعات باستمرار سياسة ترامب في تجاهل مكانة الأردن في المنطقة وفك ارتباط الأردن التاريخي بالقضية الفلسطينية، وإعادة طرح مبادرته “صفقة القرن” أو تعديلها ومحاولة ابعاد الأردن عن رعاية المقدسات في القدس، يجعل المملكة تواجه تحديات كبيرة قد تؤثر على هوية المملكة ووجودها ويثير تساؤلات عن خيارات المملكة في مواجهة تلك التحديات.
لشراكة استراتيجية
ترتبط الولايات المتحدة الأميركية والأردن بـ 7 عقود من الشراكة الاستراتيجية، حيث تعتبر واشنطن المملكة حليفا موثوقاً، في منطقة ملتهبة.
وتقول وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن تسعى لتعزيز التزام الأردن بالسلام والاستقرار، ولذلك زادت في سنة 2023 المساعدات للمملكة الى 1,45 مليار لتصبح في المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط بعد إسرائيل.
وبحسب أرقام الخارجية الأميركية، فإنه ومنذ سنة 1951، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 20 مليار دولار مساعدات للأردن، فضلاً عن دعم كبير في مجالات الأمن والصحة والتعليم والمياه.
كما توصلت الولايات المتحدة والأردن إلى اتفاق جعل الأردن حليفاً رئيسياً خارج الناتو، ووقع البلدان اتفاقاً للتجارة الحرة بين الجانبين، وآخر يسمح بالوجود العسكري في المملكة.
ترامب والقلق الأردني
كانت فترة حكم ترامب منذ سنة 2017 ولغاية 2021 فترة مختلفة في تاريخ البلدين، تميزت بالفتور وإثارة القلق وذلك لأسباب عدة أهمها تغير طبيعة العلاقة بين البلدين؛ فخلافاً لمن سبقوه لم ينظر ترامب إلى الأردن كشريك مهم في المنطقة، ولم يأخذ بالاعتبار موقع المملكة الاستراتيجي، فيما متن علاقاته مع دول الخليج الثرية كالسعودية والإمارات.
كما أن سياسة ترامب تجاه القضية الفلسطينية لم تأخذ بالاعتبار مصالح الأردن الاستراتيجية والأمنية، إذ من الصعوبة فك الترابط ما بين تلك القضية المحورية عربياً واردنياً من جهة، والأمن القومي الأردني ومقتضياته، وخصوصاً مع طرح ترامب مبادرة “صفقة القرن” لحل الصراع العربي الفلسطيني التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
انتحار سياسي
أثارت صفقة القرن حالة من القلق وعدم الرضا رسمياً وشعبياً اردنياً لتأثيرها المباشر والسلبي على الأمن الوطني للمملكة، كون الصفقة تلك تخدم مصالح إسرائيل من خلال تصفية القضية الفلسطينية وإحياء الوطن البديل، وعدم الالتزام بالاتفاقيات السابقة التي تم التوصل اليها بين العرب وإسرائيل.
فتوجهات ترامب بشأن القضية الفلسطينية تتماهي من طروحات اليمين المتطرف في إسرائيل فيما يخص قضايا الحل النهائي، وهي على خلاف جميع المبادرات الأميركية التي طرحت لحل القضية الفلسطينية مثل خطة كلينتون سنة 2000، و”عملية أنابوليس” لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في 2007-2008، ومبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في 2013-2014.
وترفض المملكة الصفقة التي تعتبرها بمثابة “انتحار سياسي”، وانتهاكاً لاتفاقيات السلام التي تم التوصل لها، وتشدد على موقفها بإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كأساس لحل المشكلة.
كما تدرك المملكة أن الهدف من الصفقة تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، الأمر الذي سيؤدي الى تغيير هوية الدولة، وخصوصاً وأن الفلسطينيين يشكلون حالياً نحو %50 إلى 55% من عدد سكان الأردن، وبالتالي فإن أي تهجير لمزيد من الفلسطينيين إلى الأردن سيغير التركيبة السكانية وسيحول الأردنيين أنفسهم إلى أقلية في بلادهم.
الوصاية على المقدسات
تسربت في الفترة الرئاسية السابقة لترامب معلومات بان الإدارة الأميركية توصلت الى شبه اتفاق او تفاهم مع السعودية ينص عل توليها ملف القدس بدلا عن الوصاية الهاشمية، وذلك بهدف تقليص دور الأردن الإقليمي لتمرير تنفيذ صفقة القرن.
وتعود الوصاية الهاشمية الى سنة 1924، وينطلق الموقف الأردني الثابت من أن القدس الشرقية أرض محتلة السيادة فيها للفلسطينيين، والوصاية على مقدساتها الإسلامية والمسيحية هاشمية، يدعم بموجبها الأردن الصمود الفلسطيني في القدس، لكن إذا أُنهيت الوصاية الهاشمية فإن 60% من أراضي القدس ستنتقل فورا إلى “إسرائيل” وهو الأمر الذي تسعى له إسرائيل.
المملكة أمام الخطر
من المرجح أن تمر المملكة في الفترة المقبلة بمرحلة هي الأكثر دقة منذ تأسيسها قبل 7 عقود، وهذا يعني أن المملكة أمام خطر قد يصل إلى تهديد وجودها، وذلك على الرغم من التصريحات الرسمية بعد فوز ترامب بإن “العلاقات الأردنية الأميركية استراتيجية ومؤسسية، بصرف النظر عن الحزب الحاكم في الولايات المتحدة الأميركية.”
ومن المتوقع أن تستأنف إدارة ترامب سياستها في تجاهل أهمية المملكة كشريك استراتيجي في المنطقة، بالإضافة إلى إعادة إحياء مشروع صفقة القرن ومحاولة تعديله أيضا لتحقيق مصالح اليمين المتطرف في إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، من دون الأخذ بعين الاعتبار الارتباط العضوي بين هذه القضية المركزية ودول إقليم بلاد الشام وخصوصاً الأردن، أو ما تضمنته اتفاقيات وادي عربة واوسلو.
كما أن الإدارة الأميركية الجديدة قد تعمد على ممارسة ضغوط كبيرة على عمان مثل التلويح بإيقاف المساعدات لتمرير مشاريعها، في ظل معاناة المملكة من وضع اقتصادي صعب.
ومما يثير القلق أيضاً الحديث عن تفاهمات جرت بين ترامب ونتنياهو، ومع تصريحات الأخير بانه سيطرح موضوع ضم الضفة الغربية للكيان وهذا ما يثير مخاوف كبيرة لدى الأردن من التهجير واحياء “الوطن البديل”.
مسؤولون ومحللون أردنيون يعتبرون أن قدرة المملكة على التكيف مع فترة ترامب على المحك، ولا بد من الانخراط الإيجابي في كل الملفات لحماية مصالح الأردن الحيوية، وهذا يفرض على المملكة اتباع سياسات تهدف الى تقوية الجبهة الداخلية والحفاظ على تماسكها، ومواجهة الحد من دورها الإقليمي من خلال التنسيق مع الدول العربية (وخصوصاً السعودية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع ترامب)، والدول الفاعلة إقليمياً ودولياً (روسيا والصين والاتحاد الأوروبي).
إن الأردن على الرغم من محاولته الحفاظ في السنوات الأخيرة على معادلة متوازنة بين موقفه من القضية الفلسطينية وفقا للقرارات الدولية وحل الدولتين، وبين متطلبات الإدارة الأميركية بعدم معارضة جهودها بشأن هذه القضية، إلا أن الفترة المقبلة ستكون صعبة خاصة مع المرشحين لشغل المناصب المهمة في الإدارة والذين يعتبرون من أشد المؤيدين لإسرائيل.