قانون الإجراءات الجنائية المصري الجديد يهدد نظام العدالة

بعد طول انتظار، أعلنت الحكومة المصرية أنها بصدد مشروع قانون جديد لإصلاح منظومة الحبس الاحتياطي وقانون العقوبات، وبحسب تقارير محلية، بدأت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المصري، مناقشة بنود قانون الإجراءات الجنائية الجديد في أوائل آب/ أغسطس الفائت، ومن المتوقع الانتهاء من صياغة النص النهائي قبل طرحه في جلسة عامة للمناقشة والتعديل والموافقة في بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

أثار القانون حالة واسعة من الجدل، وسط اتهامات بأنّه يتيح للشرطة القيام بعمليات التفتيش دون مذكرة تفتيش، ويُقيّد دور المحامين في الدفاع عن موكليهم، ويجرم مراقبة المحاكمات، من بين مواد أخرى، دفعت نقابة المحامين المصرية، وكذلك نقابة الصحافيين، ومنظمات المجتمع المدني، إلى إدانته. كما أثار القانون حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وسرعان ما أدّى الخلاف إلى تراشق بين اللجنة التشريعية ونقابة الصحافيين المصرية، وقال نقيب الصحافيين خالد البلشي، إن “مشروع القانون لا يلبي كثيراً من المعايير لوجود نصوص تخالف الدستور، بالإضافة إلى نيله من مواد الدستور الخاصة بالتقاضي ونظام العدالة.” لكن اللجنة التشريعية ردت في بيان رسمي، مؤكدة أن حديث البلشي “يفتقر إلى الدقة، ويعتمد على مغالطات فجة وتضليل للرأي العام.” وأضافت أنها “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ادعاءات مغرضة، تهدف إلى إرباك الرأي العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة المصرية، حتى ولو صدرت من أناس يستترون خلف جدار حرية الرأي.”

ومع حالة التضامن الواسع مع البلشي، التزمت اللجنة الصمت، بينما أرسلت النقابة عدة مقترحات لإصلاح القانون، ولم ترد اللجنة، بينما لفت برلمانيون إلى أن مشروع القانون في طور النقاش.

صياغة مرتبكة

يعالج مشروع القانون مسألة الحبس الاحتياطي، بحيث يخفض الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في حالة الجنح من ستة أشهر إلى أربعة أشهر، وفي حالة الجنايات من ثمانية عشر شهراً إلى اثني عشر شهراً، وفي حالة الجنايات التي قد يعاقب عليها بالسجن المؤبد أو الإعدام من 24 شهراً إلى 18 شهراً. وفي القضايا التي تنظرها محكمة الاستئناف، إذا حُكِم على الأفراد بالسجن المؤبد أو الإعدام، إلى 24 شهراً. ويفتح الباب أمام تعويض أولئك الذين صدرت بحقهم أحكام غير مناسبة بالحبس الاحتياطي.

وترى نقابة المحامين، أن مدة الــ 18 شهراً، هي فترة طويلة للغاية، لاحتجاز شخص دون توجيه اتهام إليه، وأن مفهوم التعويض يبدو مطاطاً وغامضاً، وغير واضح في مشروع القانون. كما أنه لا يحمي الإجراءات القانونية الأساسية الواجبة، ويمنح الشرطة سلطة تقديرية واسعة، ويسمح لها بإجراء عمليات تفتيش المنازل دون إذن قضائي، ويهمش دور المحامين، بينما يمنح المدعين العامين الحق في تحديد متى وما إذا كان بإمكان المحامي التدخل شفهياً أثناء جلسة الاستجواب أو التجديد، وما إذا كان سيسمح له بإلقاء نظرة على ملفات القضية من عدمه.

ويسمح القانون كذلك بعقد جلسات الاستجواب، وتجديد الحبس الاحتياطي، وجلسات استئناف الحبس الاحتياطي عن بعد، كما ينص على أنّ وكيل النيابة أو قاضي التحقيق أو القاضي أو المحضر القضائي هم من يوقعون على ملفات القضايا، مع الإشارة إلى أن توقيعات المتهمين والشهود والخبراء والمترجمين لم تعد ضرورية، مما يمهد الطريق لتزوير وثائق القضايا.

وأكد عبد الحليم علام، نقيب المحامين، أن النقابة لديها اعتراضات وجيهة على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، مشيراً إلى أنها ستوضح رؤيتها أمام اللجنة التشريعية، في الجلسات المعدة لمناقشة مشروع القانون. ولفت إلى أنّ النقابة لن تتخلى عن دورها الدستوري كشريك في إرساء قواعد العدالة، وصون الحقوق والحريات.

الرقابة والحريات

وبحسب مراقبين، يفرض مشروع القانون قيوداً صارمة، على قدرة المحامين ومنظمات المجتمع المدني والصحفيين على تغطية المحاكمات، إذ يحظر بث جلسات المحاكمة، ما لم يتم الحصول على إذن كتابي من القاضي واستشارة النيابة العامة، ويحظر نشر المعلومات والأخبار، وعقد مناقشات تتعلق بتفاصيل المحاكمات، بداعي تأثير ذلك على مسار العدالة.

وفي قضايا الإرهاب، يحظر القانون نشر أي تفاصيل أو معلومات تتعلق بالقضاة أو المدعين العامين أو الشهود أو المتهمين.

ويوسع مشروع القانون من سلطات النيابة العامة، ويمنحها الحق في إصدار أوامر حظر السفر بشكل مباشر، كما يوسع القانون من السلطات القضائية لضباط الأمن الوطني، ويسمح لهم بإجراء التحقيقات والاعتقالات، ويمنحهم ضبطية قضائية كاملة، وعندما تنتهي التحقيقات، لن يُطلَب من المتهم التوقيع على أقواله.

سيناريوهات متوقعة

يبدو أنّ موجة الرفض التي صاحبت الإعلان عن بعض مواد القانون، وممانعة النقابات المهنية ذات الصلة، فاجأت الحكومة، كما أن متغيراً شديد الأهمية بات يطرح نفسه بقوة، حيث علت بعض الأصوات داخل الإدارة الأميركية، منددة بمشروع القانون، الأمر الذي قد يدفع الحكومة المصرية تجاه سيناريوهات متباينة:

السيناريو الأول: إلغاء المشروع والتركيز على حل أزمة الحبس الاحتياطي من خلال القانون الحالي، عبر تحسين الممارسات الأمنية، وإلغاء الإجراءات الاستثنائية (الطوارئ)، بما في ذلك إلغاء الحبس الاحتياطي. وهو سيناريو يبدو مستبعداً، لأنّه لا يفي باحتياجات السلطة في هذه المرحلة الحرجة، كما أن إلغاء القانون بعد فتح باب المناقشة حول بنوده، يضع الحكومة في حرج شديد.

السيناريو الثاني: إعادة صياغة بعض النصوص القانونية البديلة، استجابة للضغوط، وهو سيناريو مرجح للغاية، وخصوصاً إذا ما ألقت الإدارة الديموقراطية بثقلها في الأمر، حيث إنّها تتابع عن كثب مشروع القانون، وكذلك صندوق النقد الدولي، الذي وضع جملة من الشروط، لتنفيذ برنامج المساعدات، وعلى رأسها إصلاح المنظومة الحقوقية، وتعميم الشفافية في مؤسسات الدولة. الأمر الذي قد يعني إدخال تعديلات شاملة على قانون الإجراءات الجنائية، عبر الاستعانة بخبراء قانونيين، وفتح باب النقاش المجتمعي مع بنود القانون، وطرح آليات جديدة تواكب المتغيرات السياسية والاجتماعية، وتنزع حالة الاحتقان المجتمعي الناتجة عن الوضع الاقتصادي.

السيناريو الثالث: الإصرار على اعتماد القانون كما هو، بكل ما يعنيه ذلك من تقويض لنظام العدالة الجنائية، وهو عناد سياسي مستبعد في اللحظة الراهنة، التي تحاول فيها الدولة الوصول إلى صيغ توافقية، لنزع فتيل الأزمات المتتابعة، والتفرغ للملف الاقتصادي الذي يحتاج إلى تركيز الجميع عليه.