فرصة إنقاذ لبنان بين تحديات الخارج وصراعات الداخل
يواجه لبنان تحديات كبيرة خارجية وداخلية قد تؤدي إلى انهيار الآمال التي عُلِّقت على العهد الجديد بعد انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور نواف سلام، وبالتالي سيدخل لبنان مرحلة خطيرة من الصراعات والأحداث، تشبه إلى حد ما مرحلة الرئيس الياس سركيس الذي انتخب في سنة 1976 بعد حرب السنتين وبدعم عربي ودولي من أجل إنقاذ لبنان من الصراعات الداخلية والخارجية، لكن حسابات الحقل لم تتناسب مع حسابات البيدر.
اجتياحات وصراعات
إذاً تحول عهد الرئيس الياس سركيس، وخلافاً لما كان يأمله الوسطاء واللبنانيون، إلى أخطر مرحلة مر بها لبنان، فنشأت صراعات داخلية وشنت إسرائيل اجتياحاً على جنوب لبنان في سنة 1978، ألحقته في سنة 1982 باجتياح واسع حاصرت خلاله العاصمة بيروت، واحتلتها بعد وساطة أميركية قضت بخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية بشرط عدم اقتحام العاصمة وضمان أمنها وأمن المخيمات الفلسطينية.
فضلاً عن الاجتياحات الإسرائيلية، نشبت صراعات داخلية، وأُخرى بين القوات اللبنانية والجيش السوري الذي جاء من ضمن قوات الردع العربية وفق قرار القمّة العربية في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، في سنة 1976، لمساعدة لبنان على الخروج من دوامة الحرب الأهلية، فتحول التدخل السوري إلى حلبة صراع جديدة مع ما كان يطلق عليه مليشيا اليمين المسيحي.
كما شهدت فترة الرئيس الياس سركيس صراعات واغتيالات كبيرة اطاحت بعهده الرئيس ومهدت، مثلما ورد أعلاه في هذه المقالة، للاجتياح الإسرائيلي الكبير في سنة 1982، واحتلال بيروت خلافاً للاتفاق الذي رعاه الأميركيون، وانتخاب بشير الجميل رئيساً، ومن ثم اغتياله وانتخاب شقيقه امين الجميل رئيساً، وعقد اتفاق 17 أيار/ مايو الذي ولّد احداثاً داخلية كبيرة، وتأسيس جبهة المقاومة الوطنية التي تمكنت من إجبار الجيش الإسرائيلي على الخروج من بيروت، وصولاً إلى أحداث 6 شباط/ فبراير وما تلاها من العودة إلى تقسيم العاصمة بين شرقية وغربية مجدداً، وإسقاط اتفاق 17 أيار/ مايو، وليس انتهاء بتمكن المقاومة الوطنية من إحراج المحتل الإسرائيلي من معظم المناطق اللبنانية المحتلة، ومن ثم تمكن المقاومة الإسلامية من دحر الاحتلال الإسرائيلي من الشريط الحدودي في جنوب لبنان في سنة 2000.
من عهد سركيس إلى عهد عون
السؤال الذي تطرحه هذه المقالة هو هل يختبر لبنان اليوم أحداثاً مماثلة لما جرى في سبيعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ويطاح بآمال عهد الرئيس العماد جوزيف عون، مثلما أُطيح بآمال عُلّقت على عهد سركيس؟
فلبنان يواجه اليوم تحديات خارجية، على رأسها استمرار إسرائيل باعتاداءاتها على لبنان واحتلالها جزءاً من الأراضي في جنوبه، في ظل عجز اللجنة الدولية والدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار بعد حرب 2023 – 22024، عن تحقيق نتائج إيجابية، وفي ظل ترويج أميركي للتطبيع بين لبنان وإسرائيل، وربط انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيل من الأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان وإعادة الإعمار، ليس فقط بتنفيذ بنود الاتفاق والقرار 1701، بل بدخول لبنان في مفاوضات سياسية ودبلوماسية مع إسرائيل، كشكل فظ من أشكال التطبيع.
وبموازة ذلك تزداد التطورات الخطيرة في المنطقة، من عدوان أميركي على اليمن، والتهديد باستهداف إيران، وعودة الحرب الإسرئيلية على قطاع غزة، والمخاوف من مشروع لتهجير الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، فضلاً عن التطورات المتسارعة في سورية بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ولا سيما الأحداث الأمنية الخطيرة التي حصلت في منطقة الساحل السوري وعلى الحدود اللبنانية – السورية.
انقسام داخلي خطير
إن جميع تلك التطورات تضع لبنان أمام مخاطر كبيرة في ظل عدم قدرة لبنان على مواجهة كل هذه التحديات الخارجية.
لكن الأخطر من التحديات الخارجية، على أهميتها، بروز خلافات لبنانية داخلية بشأن كيفية مواجهة كل هذه التحديات، وإصرار بعض الأطراف اللبنانية على الدعوة لنزع سلاح حزب الله بالقوة إذا لم يتم الاتفاق على ذلك بالتراضي، وتبرير البعض للعدوان الاسرائيلي على لبنان باستمرار وجود سلاح الحزب في مناطق شمال نهر الليطاني، فضلاً عن الخلاف على كيفية مقاربة الأحداث في سورية، وكذلك الموقف من التطبيع مع إسرائيل، ويضاف إلى ذلك وجود تحديات داخلية بشأن كيفية إعادة بناء الدولة ومعالجة المشاكل المالية والسياسية.
إزاء كل ذلك تبرز مخاوف جدية من عودة الفتنة الداخلية، مع رهان بعض القوى السياسية على تدخلات خارجية لنزع سلاح حزب الله، وكذلك منع إعادة إعمار المناطق التي دمرها الجيش الاسرائيلي، وسط سجالات داخلية، تثير مخاوف لدى غالبية الطائفة الشيعية من وجود مشاريع داخلية وخارجية لاستهدافها.
سؤال التحديات والخيارات
أمام اللبنانيين، وسط هذا الوضع المعقد، تحديات وخيارات، يجيب عليها السؤال الأهم: هل ينجح العهد الجديد والحكومة الجديدة بمواجهة هذه التحديات الداخلية والخارجية من خلال الدعوة إلى حوار وطني والتوافق على رؤية موحدة لمواجهة جميع هذه التحديات؟ أم إن الخلافات الداخلية والضغوط والتحديات الخارجية ستطيح بالاستقرار الداخلي وتنهار فرصة الإصلاح والإنقاذ التي تحدث عنها الرئيس العماد جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام؟