عن اجتماع السوداني والشرع وما بعده

نزلت صورة الاجتماع المغلق الذي رتبه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس السوري أحمد الشرع 16 نيسان/ أبريل في الدوحة، والذي لم يُكشف عنه سوى في اليوم التالي لعقده، كالصاعقة على حلفاء إيران في العراق الذين فاجأهم الحدث بعد أشهر عديدة من التعبئة والتحشيد ضد الانفتاح على دمشق.

ومع أن حكومة بغداد اتخذت خطوات هادئة للانفتاح تجاه السلطة الجديدة في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلّا أن تلك الخطوات واجهت معارضة شرسة من حلفاء السوداني في الإطار الشيعي وإعلامييه ومدونيه، عبر حملات منسقة للهجوم على الشرع وكل من يدعم التغيير في سورية، مع التضييق على الجالية السورية في العراق وطرد العشرات من العمالة السورية بحجة التعاطف مع النظام الجديد.

وبنت معظم القوى العراقية المناوئة لحكم الشرع على الموقف الإيراني الرافض للتغيير في سورية، والذي أفقدها حليفاً ستراتيجياً مهماً كان أحد أضلع محور “المقاومة والممانعة”، وقد مارست تلك القوى ضغوطاً على الحكومة العراقية للحيلولة دون دعوة الشرع للمشاركة في قمة بغداد المزمع عقدها في أيار/ مايو، تحت ذريعة تورط الشرع بأعمال إرهابية خلال الاحتلال الأميركي، مع أن الوثائق التي أفصحت عنها بغداد أخيراً تشير إلى أن الشرع وقع في قبضة الجيش الأميركي وسُجن في سنة 2005 وأُفرج عنه في سنة 2011، أي أنه لم يكن طليقاً إبان الحرب الطائفية التي اندلعت عقب تفجير مرقد الإمامين العسكريين المقدسين لدى الشيعة، في سامراء في سنة 2006.

ويكتسب لقاء السوداني والشرع في الدوحة أهمية كبيرة كونه يمثل انتقالة لافتة في العلاقات بين البلدين، وخصوصاً أن تلك العلاقات أخذت منذ تولي أحمد الشرع رئاسة سورية، منحى مبنياً على التعاون الحذر والمصالح الإقليمية المشتركة.

وحكومة العراق لم نتردد في التواصل مع الشرع، إذ تم تأكيد مشاركته في القمة العربية، في إشارة إلى عدم وجود تحفظات عليه من الناحية الدبلوماسية أو السياسية، كما أن وزير الخارجية السوري سبق له أن أجرى قبل اسابيع مباحثات مع معظم المسؤولين في العراق خلال زيارة رسمية تناولت مجمل الأوضاع بين البلدين.

كما تمثل المباحثات بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس السوري تنسيقاً متقدماً في مواجهة التحديات الإرهابية التي ما زالت قائمة على الحدود المشتركة بين البلدين، علماً بأن السوداني نفسه أكد مراراً أن العراق مستعد لدعم عملية سياسية شاملة في سورية مع احترام سيادتها ووحدة أراضيها، فضلاً عن أهمية احترام تنوع المكونات داخل سورية ومنع أي تهميش أو إقصاء، في إشارة إلى العلويين والشيعة بعد تسجيل انتهاكات خطيرة طاولت العلويين في الساحل السوري.

وإلى جانب بغداد فإن إقليم كردستان العراق عبّر بوضوح عن استعداده للتعاون مع حكومة الشرع، ولاسيما رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني الذي أكد ضرورة مشاركة الأكراد السوريين في بناء سورية الجديدة، بما يضمن التعددية والعدالة، وهو ما لاقى ترحيباً من دمشق المنفتحة على أكراد سورية المقربين من إقليم كردستان العراق.

وعلى الرغم من هذا الانفتاح الرسمي، إلّا أن اجتماع الدوحة قد يعمق من الانقسام بين بعض القوى السياسية العراقية، وخصوصاص بين من يعتبر أن الشرع لا يمثل جميع السوريين، وبين من يرى أن الواقع الجيوسياسي يفرض التعامل معه كأمر واقع لتعزيز الاستقرار في المنطقة.

ومما تقدم، يظهر أن العراق في عهد السوداني اختار أن يتعامل مع الشرع ببراغماتية واضحة، حرصاً منه على الأمن الإقليمي ومحاولة إعادة تفعيل العلاقات الثنائية بشكل متوازن بعد سنوات من التوتر.