طلاب سورية ومهمة بناء الثقة في مواجهة خطاب الكراهية

في خضم التداعيات العميقة التي خلّفتها الأزمة السورية الممتدة، برزت تحديات اجتماعية ونفسية جسيمة، من أبرزها تفشي خطاب الكراهية الذي يُغذّي الانقسامات ويُعرقل مسارات التعافي المجتمعي. وفي مواجهة هذا الواقع، يمكن أن يلعب المجتمع الطلابي دوراً محورياً كحلقة وصل بين الأجيال وكقوّة ديناميكية قادرة على إعادة بناء الثقة بين كافة المحافظات السورية على اختلاف مكوناتها وتعزيز التماسك الاجتماعي. فهذه الفئة، بفضل تنوّعها وحيويتها وقربها من منصات التعليم والتكنولوجيا، تمتلك القدرة على تحويل الفضاءات الأكاديمية والرقمية إلى منابر للحوار النقدي، ونبذ الخطابات الُمفرّقة، وترسيخ قيم التعايش. فما هي أبرز الآليات والأدوار التي يمكن أن يلعبها المجتمع الطلابي في مواجهة خطاب الكراهية وبناء جسور الثقة؟

المجتمع الطلابي في سورية

يعتبر المجتمع الطلابي في سورية مجتمعاً غنياً ومعقداً، وقد ارتبط نشاطه بالكثير من التقلبات السياسية والتحولات الاجتماعية منذ بداية القرن العشرين، وكان جزءاً لا يتجزأ من الحراك الوطني والسياسي.

قبل الاستقلال لعبت الجامعات دوراً كبيراً في مقاومة الاستعمار الفرنسي، من خلال الإضرابات والمظاهرات، مثلما جرى خلال الثورة السورية الكبرى سنة 1925. وبعد الاستقلال سنة 1946 تحول النشاط الطلابي للتركيز على القضايا السياسية الداخلية والعربية، لكن خلال الوحدة بين سورية ومصر، في سنة 1958، تم حل التنظيمات الطلابية واستبدالها بواحدة تتبع لنظام الحكم.

وبعد سيطرة حزب البعث على السلطة في سورية تم تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية ليكون أداة لتأطير الطلاب سياسياً وأمنياً، وبقي كذلك حتى اندلاع الثورة السورية في سنة 2011، حين شارك الطلاب في الاحتجاجات السلمية التي قُمعت بعنف شديد في جميع الجامعات.

بعد انتصار الثورة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ظهرت تجمعات طلابية في محافظات خارج سيطرة النظام، وأصبح بإمكان الطلاب السوريين الدراسة في مختلف الجامعات المنتشرة على الأراضي السورية كافة، وفقاً للشروط  التي تفرضها الجامعات والمعدلات المطلوبة للاختصاصات.

وفي تأكيد على دورهم الإيجابي والضروري، نظم الطلبة العديد من المبادرات مثل حملات تنظيف وتزيين الشوارع، أو مساعدة شرطة المرور في تنظيم السير.

ولا شك أن هناك رغبة شديدة بين مختلف أفراد المجتمع الطلابي في سورية في المساهمة في بنائها من جديد بأي طريقة ممكنة.

خطاب الكراهية

لقد تصاعد خطاب الكراهية في سورية بسبب سياسات النظام السابق التي عززت الانقسامات الطائفية، لكنه تصاعد بشكل حاد بعد 2011 مع تعقيدات الثورة وتحوُّلها إلى صراع مسلح. واستغل النظام السابق والقوى الفاعلة الداخلية والخارجية (إقليمية ودولية) الهويات الطائفية (سُنّية؛ علوية؛ مسيحية) والإثنية (عربية؛ كردية) لتعزيز الولاءات السياسية وتبرير العنف، مستفيدين من الإعلام الرقمي في نشر خطاب تحريضي عبر منصات مثل “فيسبوك” و”تليغرام”، يتهم فئات بـ “الإرهاب” أو “الخيانة”. كما طال التمييز مجموعات مهمشة (النازحون في إدلب ودرعا) بتهم مثل “الغزو الديموغرافي”.

خطاب الكراهية هذا استمر سقوط نظام الأسد، مع استمرار النزاع في بعض المناطق، والتأخر في بناء المؤسسات الإعلامية والمحطات القادرة على التصدي له، والأزمات الاقتصادية المستمرة التي حوّلت الغضب الاجتماعي إلى كراهية للمُتخيل عن سببها، إضافة لتدخلات دولية لإعادة ترسيم النفوذ.

ويُستخدم الخطاب كأداة سياسية لتكريس الواقع الجديد أو لإبقاء البلاد في حالة عدم استقرار، وخصوصاً من قبل المستفيدين من النزاع أو القوى التي تخشى خسارة مكاسبها، مما يعيق بناء الثقة ويعمّق الانقسامات المجتمعية.

بناء الثقة في مواجهة الكراهية

في مواجهة خطاب الكراهية وبناء جسور الثقة في المجتمع، يُمكن اقتراح، البدء في إقامة حملات توعية داخل الجامعات حول مخاطر خطاب الكراهية وآثاره على التماسك الاجتماعي والوطني، وتعزيز مفاهيم حقوق الإنسان والتسامح واحترام التنوع الديني والثقافي، والعمل على إنشاء منصات للحوار الآمن تتيح للطلاب من الخلفيات المختلفة في مناقشة القضايا بطريقة بناءة.

كما يمكن إطلاق مبادرات مضادة على وسائل التواصل الاجتماعي، بالاستفادة من مهارات الطلاب الرقمية في نشر المحتوى الإيجابي الذي ينشر قصص التعايش السوري، ويعارض الخطاب التحريضي ويفند الشائعات.

وعلى مستوى المناهج الدراسية فإنه يجب أن يتم تعزيز التفكير النقدي وتحليل الخطاب الإعلامي بما يساهم في تمكين الطلبة من تمييز الخطاب المتحيز ورفضه. كذلك يمكن القيام برحلات طلابية إلى جميع المناطق السورية، يتم من خلالها اللقاء بالمجتمعات المحلية وذلك يبني جسور التواصل ويعزز الثقة.

وفي النهاية فإن سياسة مواجهة خطاب الكراهية يجب أن تبنى من خلال سياسة عامة تصوغها وتنفذها الدولة، من خلال التشريعات التي تجرم هذا الخطاب، وضمان المساواة في العدالة والحقوق وغيرها لتعزيز لتعظيم شعور الانتماء لدى المواطنين بدل من قيام المواطنين بالاصطفاف وراء الطوائف أو المناطق أو الإثنيات.

في ضوء هشاشة إنفاذ القانون الموجودة في الوضع الحالي، يمكن للمجتمع الطلابي أن يلعب دوراً كبيراً في هذه المواجهة، ويساهم في بناء جسور الثقة بين كافة مكونات المجتمع السوري.