سورية: مكاسب اتفاق الشرع - عبدي والعراقيل
شكل الاتفاق بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع والقائد العام لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي حدثاً هو الأبرز على الساحة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
هذا الاتفاق أثار العديد من القضايا والتساؤلات منها: توقيته وأهميته؛ الدور الذي لعبته الولايات المتحدة لإنجاز هذا الاتفاق؛ العراقيل والعقوبات التي يمكن أن تواجه تنفيذه داخلياً وإقليميا.ً
اتفاق مفاجئ من 8 بنود
على الرغم من أن الاتفاق بين الشرع وعبدي شكل مفاجأة لدى الشارع السوري من حيث التوقيت، إلا أنه جاء بعد مفاوضات بين الجانبين استمرت قرابة 3 أشهر وسط غياب تسريبات إعلامية عن هذا المفاوضات، وانتقادات “قسد” التي يشكل الاكراد عامودها الفقري، للإدارة الجديدة لمؤتمر الحوار الوطني السوري.
جاء الاتفاق من 8 بنود هي: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية؛ المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة، وجميع حقوقه الدستورية؛ وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية؛ دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية، والمطار، وحقول النفط والغاز؛ ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية؛ دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد، وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها؛ رفض دعوات التقسيم، وخطاب الكراهية، ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري؛ تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
مكاسب
حقق الاتفاق بين عبدي والشرع مكاسب للطرفين، إذ ساهم بإعطاء شرعية محلية وخارجية لـ”قسد” من خلال الإقرار بوجودها كقوة عسكرية فاعلة على الأرض، بالإضافة إلى دمج مؤسسات الإدارة الذاتية المدنية والعسكرية في بنية الدولة السورية.
كما أن الاتفاق قد يسهم في تخفيف التصعيد العسكري التركي ضد “قسد” التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور، ويقلل من فرص شن تركيا عملية جديدة ضد الأكراد في شمال شرقي البلاد.
أما فيما يخص الإدارة الجديدة فقد جاء الاتفاق في وقت بالغ الأهمية وخصوصاً بعد أحداث الساحل التي اندلعت في 6 آذار/ مارس وما نجم عنها من مجازر راح ضحيتها مئات المدنيين، لتضع الأحداث تلك الإدارة في أكبر تحد لها منذ سقوط نظام الأسد، ليسهم الاتفاق بذلك في تخفيف الضغط عن تلك الإدارة.
كما أن الاتفاق يأتي بالتزامن مع فشل الإدارة الجديدة من تنفيذ وعودها بتحسين الوضع المعيشي، ومحاولتها إعطاء مؤشر وانطباع عن عزمها الانفتاح والشراكة مع أطياف المجتمع السوري كافة، بما فيها الأكراد، والذي من شأنه أن يسهم في رفع العقوبات عن سورية ولا سيما عقوبات قانون قيصر.
الدور الأميركي
لعبت الولايات المتحدة دوراً حاسماً في التواصل الى الاتفاق بين “قسد” والإدارة الجديدة لعدة أسباب، أهمها أن واشنطن تسعى للحفاظ على سورية موحدة كي لا تتحول إلى ساحة واسعة للإرهاب، ومنح فرصة إضافية للسلطات السورية، للانفتاح على فكرة الشراكة مع بقية المكوّنات، والتخلّي عن تعيينات اللون الواحد، وتشكيل حكومة وطنية جامعة، تمهّد لاعتراف أميركي وغربي بها، ودمجها مع المجتمع الدولي.
ويأتي التحرك الأميركي أيضاً استمراراً للهدف المعلن في توحيد الجهود لمحاربة تنظيم “داعش ” الإرهابي، لأن أي تفكيك للبلاد سيسهم في استعادة التنظيم لقوته، بالإضافة إلى أن مسألة نشر القوات الأميركية في سورية باتت موضع إعادة تقييم منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
إقليمياً
للاتفاق رسائل إقليمية عدة، أولها أن الولايات المتحدة تحاول أن تضبط النفوذ التركي في سورية واحتوائه، وخصوصاً بعد أن قامت بملء الفراغ الناجم عن خروج ايران من سورية، حيث ستعمل على الحد من اية مشاريع تركية ضد “قسد”.
كما إن للاتفاق أهمية كبيرة، في حال تنفيذه، في: قطع الطريق أمام محاولات إسرائيل تقسيم سورية مستخدمة ورقة الأقليات وعرقلة بناء دولة مدنية ديمقراطية في سورية؛ تخفيف وطأة الضغط التركي على الأكراد في شمال شرق البلد؛ دعم الإدارة الجديدة.
أهمية اقتصادية
على الرغم من أهمية الاتفاق السياسية والعسكرية إلّا ان الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية أيضاً، إذ إن “قسد” تسيطر على نحو 30% من مساحة سورية، حيث تضم المنطقة ما يصل إلى 95% من الاحتياطي النفطي (البالغ 2,5 مليار برميل) والغازي للبلاد. بالإضافة الى انها تشكل سلة الغذاء السورية من مادة القمح.
إن هذا الاتفاق في حال تنفيذه يحقق العديد من الفوائد منها تعزيز الإيرادات الحكومية من خلال زيادة الإنتاج والمستثمرين على ضخ رؤوس أموال في مشاريع الطاقة والزراعة وغيرها وتحريك عجلة الاقتصاد بالمجمل.
توقعات
على الرغم من أهمية الاتفاق الموقع، إلا أن إعطاء مهلة تصل الى 9 أشهر لتطبيقه ضمن بنوده هو اعتراف ضمي بصعوبة تطبيقه ووجود تعقيدات وعراقيل ستواجهه، ومنها: تسليم المعابر الحدودية؛ عودة المهجرين إلى المناطق الكردية التي تم تهجيرهم منها، مثل عفرين وتل ابيض وراس العين؛ دمج “قسد” في الجيش الجديد، الأمر الذي يعتبر تحدياً كبيراً، وخصوصاً أنها ترغب في الدخول ككتلة واحدة وليس كأفراد؛ إدارة قطاع النفط.
كما أن تطبيق الاتفاق يرتبط بشكل مباشر مع نية الطرفين في تطبيقه بحسن نية ورغبتهما في تقديم تنازلات مطلوبة من جهة، وتطورات العملية السياسية في سورية من خلال توجهات الإدارة الحالية في بناء الدولة ومحاولة اشراكها كافة أطياف الشعب السوري في بناء مستقبل البلاد من جهة ثانية.
كما أن العامل الخارجي سيكون ذو تأثير مباشر على الاتفاق إذ أن تطبيقه يعتمد أيضا على التوافقات الدولية والإقليمية ومواصلة واشنطن ضغوطها على الطرفين لضمان تنفيذه.