زيارة نادرة لأمير قطر إلى بغداد بطابع اقتصادي وأمني

زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في 15 حزيران/ يونيو إلى بغداد، ومباحثاته مع القادة العراقيين تحمل في طياتها رسائل عدة تشي بوجود استراتيجية جديدة للانفتاح القطري نحو العراق من بوابات الطاقة والاستثمار والاقتصاد، واستدارة لها قبول لدى الأوساط السياسية العراقية تنافس السعي السعودي – الاماراتي للتواجد في العراق.

الأولى لأمير قطري منذ 33 سنة

تعد زيارة الشيخ تميم الى بغداد زيارة نادرة لإمير قطري إلى بغداد، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ زيارة جده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في ايار/ مايو 1990، للمشاركة في قمة بغداد العربية قبل الغزو العراقي للكويت بثلاثة أشهر، وهو الحدث الذي اتخذت فيه الدوحة موقفاً مؤيداً لتشكيل التحالف الدولي ضد العراق لإخراجه من الكويت بالقوة، في وقت لم تكن فيه قطر تلعب دوراً مهماً في المعادلتين الإقليمية أو الدولية.

وبقيت العلاقات القطرية العراقية خلال فترة نهاية التسعينيات وحتى الغزو الأميركي للعراق في 2003 بين مد وجزر، على الرغم من الزيارات التي قام بها مسؤولون قطريون من بينهم وزير الخارجية الأسبق الشيخ حمد بن جاسم لترطيب الاجواء، أو لاقناع القيادة العراقية السابقة بالتنحي لتجنب الغزو، وهو مالم يحصل، وبالتالي فإن تلك المرحلة لم تشهد زيارة لأمير قطر، كذلك الحال خلال فترة مابعد الغزو الأميركي، حين اتخذت الدوحة، بعد نمو دورها المحوري السياسي والتقدم الاقتصادي، موقفاً مؤيداً للقوى السياسية السنية التي واجهت القوات الأميركية، فضلاً عن استضافتها عائلات لكبار مسؤولي النظام السابق، ومن بينهم زوجة صدام حسين وبعض بناته، في خطوة لتأكيد التميز في الموقف السياسي من أحداث العراق، علماً بأن الأمير تميم بن حمد قام بزيارة مجاملة سياسية في سنة 2021 لم تتخللها اي اتفاقيات وانما المشاركة البروتوكولية في مؤتمر بغداد لدول الجوار.

التقاء وسيطا مصالحة

كما أن زيارة الشيخ تميم هي الأولى لزعيم عربي بعد تشكيل الحكومة الحالية، ويُعد لقاءه برئيسها محمد شياع السوداني، انتقالة تاريخية نوعية في العلاقات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية بين قطر والعراق في ظل السعي المتبادل لخفض مستوى التوتر في المنطقة وترسيخ بناء السلام والأمن، ولاسيما مع الجهود التي بذلها العراق في التقريب بين السعودية وإيران، أو التي يبذلها للتقريب بين مصر وإيران بهدف تعزيز فرص التعاون والتنمية والسلام، بعيداً عن الاضطراب السياسي والتوترات التي تعيق عملية التحول في المنطقة.

ويؤكد انفتاح العراق على بلدان الخليج العربي، والقمة الثلاثية بين الأردن ومصر والعراق، ومؤتمر القمة الصيني العربي، والقمة الأميركية العربية، وغيرها أهمية تطور العلاقات البينية الإقليمية لضمان الأمن والاستقرار وتخفيف الأزمات بين طهران والرياض وبينها وبين القاهرة، والانفتاح على سورية وتطبيع العلاقات الدبلوماسية معها، وخصوصاً أن قطر تُعتبر الطرف الخليجي الأكثر قرباً من إيران وتركيا، وهي تملك علاقات متوازنة مع البلدين المحوريين في المنطقة، الأمر الذي منحها مرونة أكبر في المساهمة في تسوية ملفات معقدة.

وتعمل الدوحة على إعادة ضبط الوضع الأقليمي بعد تراجع تكتيكي فرضه تأثير الأزمة الخليجية قبل حلها وصعود الدور المحوري للمملكة العربية السعودية، ومعاودة ذلك الدور عبر إيجاد حلول لمشاكل عراقية مستحكمة، أسوة بدورها في حل مشكلات مماثلة تتعلق بافغانستان والسودان وفلسطين وملفات اخرى، تتركز على عودة سياسيين معارضين مقيمين في الخارج، أو إيجاد قاعدة تفاهم مع أحزاب معارضة، أو الاسهام في تطوير جوانب مهمة في العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة، وكل تلك المعالجات تسهم بترسيخ الأمن والاستقرار سواء على مستوى العراق او المنطقة.

التعاون في مجال الطاقة والاقتصاد

وتطلق زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لبغداد ولقاءاته مع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي وقيادات عراقية رفيعة إشارات إيجابية عمّا يمكن أن تكون عليه الحال مستقبلاً من تطور في مختلف المجالات بعد الرغبة القطرية باستثمار نحو 5 مليارات دولار في العراق، وخصوصاً بعد التوقيع على اتفاقيات اقتصادية لتطوير العلاقات الاستراتيجية في مجال الطاقة والمدن الصناعية والربط الكهربائي والأمن المتبادل ومد أنبوب الغاز الاستراتيجي من قطر إلى تركيا ودول الإتحاد الأوروبي عبر العراق، والاستثمار في مجال انتاج الغاز وتطوير الموانئ والنقل البحري والجوي لمواجهة تحديات البيئة وإعادة بناء القاعدة الصناعية والزراعية والخدمات للعراق، والانتقال من اقتصاد الدولة الموجه (رأسمالية الدولة) إلى اقتصاد السوق المفتوح والتجارة الحرة.

وتسعى الدوحة لدمج العراق مع منظومة طاقة تتبلور حديثاً، تعوض العالم عموماً وأوروبا على وجه الخصوص، عن فقدان الغاز الروسي بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية وانعكاساتها السلبية على أوروبا والعالم.

وكانت شركة “قطر للطاقة” وافقت في نيسان/ أبريل الماضي على المشاركة بحصة تبلغ 25% في مشروع نمو الغاز المتكامل (GGIP) بالتعاون مع مجموعة “توتال إنرجي” الفرنسية.

ويهدف المشروع الى تطوير الاستثمار في موارد العراق من الغاز وتحسين التغذية الكهربائية.

ودخلت قطر للطاقة في المشروع بدعوة من “توتال إنرجي” التي تبلغ حصتها 45 في المئة.

وشاركت قطر نهاية أيار/ مايو إلى جانب العديد من دول المنطقة، في مؤتمر أعلن فيه العراق عن مشروع “طريق التنمية” الضخم والطموح لبناء طريق وسكة حديد لربط الخليج بتركيا.

ولا يزال هذا المشروع الذي حددت الحكومة العراقية كلفته بنحو 17 مليار دولار وبطول 1200 كلم داخل العراق، في مراحله الأولى.

وترسخ الزيارة الاعتقاد بأن علاقات الشراكة الاقتصادية بين قطر والعراق ستتيح، ولا سيما بعد توقيع القطاع الخاص العراقي مع القطاع الخاص القطري، إمكانية حصول تحول استراتيجي لتقويض رأسمالية الدولية والتحول نحو اقتصاد السوق المفتوح لتغذية الشركات والاستثمارات بعيداً عن هيمنة الدولة، وبالتالي توفير فرصة كبيرة للتوظيف وامتصاص البطالة والفقر في بلد يمتلك ثروات هائلة لكنه يعاني سوء وتخلف مؤسسات الدولة في إدارة الموارد والثروات، علماً بأن العراق بحاجة للشركات الدولية المتخصصة والأموال للاستثمارات والاستفادة التجربة القطرية.

فوائد مرتقبة

السؤال الذي تطرحه زيارة الأمير القطري إلى بغداد بعد غياب 3 عقود، ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها العراق منها؟

1- يمكن ان تساعد علاقات الشراكة الاقتصادية بين قطر والعراق في جذب الاستثمارات الأوروبية والأميركية والآسيوية.

2- الاتفاقيات العراقية – القطرية ستسهم في كسر حالة الانغلاق التي يعيشها العراق في ظل  انتشار قيادات لا تؤمن بالتنمية، أفقدت البلد الكثير من الفرص لتحقيق التنمية، وبالتالي يمكن اعتماد سياسة عقلانية لنجاح تيار الانفتاح على الاستثمارات والشراكة والتكامل الاقتصادي.

3- الانفتاح على الاستثمارات الإقليمية والدولية سيوفر فرص واعدة لتقدم الصناعة العراقية التي تمتلك من الثروات المعدنية ما قيمته ٢٠ ترليون دولار و١٣٤ ترليون قدم مكعب غاز، إلى جانب الزراعة والخدمات والسياحة، الأمر الذي يمكن أن يساعد في جذب الاستثمارات لمواجهة البطالة والفقر وزيادة الموارد الاقتصادية.

4- عودة الدور القطري فاعلاً سياسياً في المنطقة من البوابة العراقية بعد فترة من السكون والمتابعة الدقيقة للأحداث في الشرق الأوسط.