خيارات الإدارة السورية الجديدة رداً على الاعتداءات الإسرائيلية
تتواصل الاعمال العدوانية الإسرائيلية على الأراضي السورية حتى بعد اعلان جيش الاحتلال تدمير معظم قدرات الجيش السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الفائت.
تلك الاعمال تطرح الكثير من القضايا والتساؤلات بشأن مخططات إسرائيل والهدف منها، وموقف الإدارة السورية الجديدة وخياراتها المحتملة في التصدي لتلك المخططات.
سياسة إسرائيل تجاه سورية
قبل سقوط نظام الأسد، اتخذت إسرائيل موقفاً سلبياً من الثورة السورية، إذ كانت استراتيجياتها تقوم على إضعاف الدولة السورية وتجزئتها، من دون العمل بشكل مباشر على إسقاط نظام الأسد، المأمون جانبه تجاهها نوعاً ما، لكنها كانت متوجسة من التدخل الإيراني في سورية، ولذلك أعلنت خطوطاً حمراء وجب على النظام عدم تجاوزها، مثل عدم استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة لحزب الله، ومنع التموضع العسكرية الإيراني، ومنع إنتاج صواريخ متطورة في سورية وغيرها، وفي الوقت نفسه كان تشن مئات الغارات على عدة أهداف في سورية، وشجعها عدم رد نظام الأسد أو حلفاؤه على هذه الغارات بإن تتمادى في غّيها.
معظم الغارات التي شنتها إسرائيل على سورية لم يكن هدفها نظام الأسد بالتحديد، بل إزالة خطر إيران والمجموعات التابعة التابعة لها، وخصوصاً بعد تدخل حزب الله في حرب غزة، حيث استهدفت إسرائيل في تلك الغارات العديد من المواقع الخاصة التابعة لمجموعات وقيادات في الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.
عدوان إسرائيلي بعد سقوط الأسد
بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن الإطاحة بذلك النظام “لم تكن في صالح إسرائيل”، متراجعاً عما أعلنه قبلاً من أن سقوط نظام الأسد هو يوم تاريخي في تاريخي الشرق الأوسط، معتبراً أن هذا النظام كان بمثابة “الحلقة المركزية في محور الشر الإيراني وقد سقط.”
وفور سقوط نظام الأسد، شنت إسرائيل غارات متلاحقة على مواقع عسكرية مختلفة تحتوي على مخزونات أسلحة أو أسلحة نوعية، أو معدات أو آليات عسكرية ثقيلة، بذريعة الخشية أن يتم استخدامها ضدها في المستقبل، وتوجسها من الا=إدارة الجديدة وما تحمله من خلفية إسلامية.
بعد ذلك قامت باحتلال المنطقة العازلة التي تم إنشائها بموجب اتفاقية فصل القوات لسنة 1974 والتي تبلغ مساحتها نحو 235 كيلو متراً مربعاً، وقد صرح نتنياهوا بأن إسرائيل “لن تسمح لأي قوة معادية التمركز على حدودنا.”
كما بيّن أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في جبل الشيخ وفي المنطقة المنزوعة السلاح لفترة غير محدودة، وأشار إلى أنه لن يسمح لقوات النظام الجديد في سورية بأن تدخل منطقة جنوبي دمشق وأن تبقى محافظات درعا والسويداء والقنيطرة منزوعة السلاح.
تجزئة سورية
يبدو أن إسرائيل تسعى في الوقت الحالي إلى تجزئة سورية بشتى الوسائل الممكنة، فقد زعمت أكثر من مرة أنها ستحمي دروز السويداء من أي اعتداء، مستغلة نشوء خلافات بين السلطة الحالية في دمشق مع بعض القيادات الروحية في السويداء وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، كما أنها تحاول الضغط على إدارة ترامب ليبقي على القوات الأميركية شرق سورية، وتحرض قوات سورية الديمقراطية على عدم الاندماج في الدولة.
هذه الممارسات العسكرية والسياسية الإسرائيلية الحالية تحت قيادة نتنياهو، تهدف إلى عرقلة مهمة الدولة السورية، ليس كونها حالياً تحت قيادة الشرع بل تحت قيادة أي سلطة جديدة، في بسط نفوذها على كامل الأراضي السورية، وتدمير الكثير من القدرات العسكرية السابقة التي يمكن للحكومة السورية الحالية، أن تستخدمها ضد الميلشيات المناوئة لها، وبالتالي خلق نوع من التوازن العسكري بين الفواعل الداخلية من أجل عدم القدرة على حسم النزاعات التي يمكن أن تنشئ مستقبلاً بسهولة، وخصوصاً إذا لم تتمكن القوات العسكرية الحالية التابعة وزارة الدفاع من الوصول إلى الأسلحة النوعية ومخازن ذخيرة متنوعة خلفها النظام السابق. إضافةً إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية وعلى رأسها نتنياهو قد ترغب في استغلال هذه الأزمة من أجل تشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي عن سوء إدارتها لملف الحرب على غزة واستعادة الرهائن، فضلاً عن إبعاد الرأي العام عن تهم الفساد التي تلاحق نتنياهو شخصياً.
موقف السلطة الجديدة في سورية
لقد طالبت الإدارة الجديدة في سوريةإسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية التي قامت باحتلالها في المنطقة العازلة، وأعلنت أيضاً التزامها بهذه الاتفاقية واستعدادها لاستقبال قوات أممية في هذه المنطقة كما كان في السابق. وردت إسرائيل بأن هذه الإجراءات محدودة ولضمان أمنها حتى “يتم التوصل لتسوية أخرى تضمن أمنها”
كما أن الإدارة الحالية أرسلت أكثر من رسالة بأنها ملتزمة بعدم تهديد إسرائيل أو غيرها حيث أنها تريد صفر مشاكل مع دول الجوار وغيرها. لكن استمرار مثل هذه الضغوط يمكن أن يدفعها إلى التعاون مع دول أخرى لمواجهتها خصوصاً التعاون مع تركيا.
خيارات الإدارة السورية الجديدة
الأعمال التي تقوم بها إسرائيل في سورية، سواء المنطقة العازلة أو غيرها من المناطق في الجنوب، والقصف الجوي الشبه دوري الذي تقوم به إسرائيل في أنحاء البلد، تعبر عن هواجس إسرائيل من الإدارة الجديدة ذات الخلفية الإسلامية المتشددة.
في المقابل لا تمتلك الإدارة الحالية، في الوقت الراهن، القدرة على مواجهة إسرائيل بسبب الضعف الذي تعيشه سورية نتيجة الصراع الداخلي الذي دام نحو 14 عاماً، وانصراف الإدارة الحالية لبسط الأمن على كافة الأراضي السورية، ومواجهتها الكثير من العقبات في ذلك، وخصوصاً في الجنوب السوري بشكل عام والسويداء بشكل خاص، إضافة إلى مناطق سيطرة قسد.
ولمواجهة ذلك نرى أن سيناريو المواجهة العسكرية مع الجيش الإسرائيلي ليس من السيناريوهات المطروحة. ولذلك على الإدارة السورية الحالية محاولة توحيد السوريين ضمن إطار الدولة من خلال رأب الصدع وتقريب وجهات النظر ومشاركة القوى الفاعلة (خصوصاً الجنوب الذي تحتل إسرائيل أجزاء منه وتطمع في احتلال مساحات أخرى) في صنع القرار من أجل قطع الطريق على إسرائيل في استغلال ذلك لتعميق الأفكار الانفصالية.
كما يجب على الإدارة الجديدة الضغط على إسرائيل من خلال المحافل الدولية كمجلس الأمن من أجل تنفيذ اتفاقية 1974، ومحاولة تشكيل تحالفات إقليمية لمواجه الهيمنة الإسرائيلية مثل تقوية التحالف مع تركيا وقطر والسعودية والأردن.
وعلى مستوى المناطق التي تتعرض لاحتلال اسرائيلي، فإن على الإدارة الجديدة تعبئة الرأي العام ضد التدخلات الإسرائيلية وتعزيز موقف للمجتمع المحلي في وجه هذه الانتهاكات.