خلافات التحالف الحاكم في تركيا يدفع ثمنه السوريون

شهدت مدينة قيصري التركية أحداث عنصرية ضد اللاجئين السوريين على خلفية اتهام شاب سوري بالتحرش الجنسي بطفلة سورية داخل حمامات عامة، وعلى خلفية هذا الاتهام، شن مواطنون أتراك هجمات عنصرية ضد لاجئين سوريين في المدينة.

وعلى الرغم من أن الهجمات العنصرية ضد السوريين في تركيا ليست الأولى من نوعها، إلا أنها هذه المرة امتدت إلى شمال غرب سورية حيث شهدت المناطق الخاضعة للنفوذ التركي حالة من الغضب الشعبي ترجمت بتعدي المحتجين على المؤسسات التركية ونقاط عسكرية تتبع للجيش التركي في عفرين واعزاز، الأمر الذي أسفر سقوط عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى.

استخدام سياسي

لطالما استخدمت الأحزاب السياسية التركية المعارضة اللاجئين السوريين كورقة سياسية للضغط على التحالف الحاكم الذي يقوده العدالة والتنمية والقوميون. وفي هذا السياق، شهدت تركيا ارتفاعاً في نبرة الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين خلال السنوات الأخيرة، لكن تلك الخطابات العنصرية والأحداث المرافقة لها ضد السوريين كان يتم احتوائها عبر تماشي الحكومة مع الخطاب العنصري وشن حملات ترحيل قسري ضد اللاجئين السوريين تارة، ومواجهة الحملات العنصرية بسن قوانين تجرم العنصرية تارة أخرى.

وهنا يطرح السؤال الأبرز، ما الذي تغير حتى أصبحت العنصرية ضد اللاجئين السوريين والخلافات بين الأحزاب السياسية التركية تمتد لتشكل تحديات وانقسامات خارج الحدود؟

تحالفان رئيسيان

يوجد في تركيا تحالفان رئيسيان: الأول يضم حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وحركة القوميين الأتراك بقيادة دولة بهجلي، وهو في الحكم منذ سنة 2015.

الثاني وهو تحالف المعارضة التركية، يضم عدة أحزاب هي: “حزب الشعب الجمهوري”، “حزب المستقبل”، “حزب الديموقراطية والتقدم”؛ “الحزب الجيد”؛ “حزب السعادة”؛ “الحزب الديموقراطي”. وهذه الأحزاب هي الأكثر استخداماً لورقة اللاجئين السوريين كورقة سياسية للضغط على الحكومة التركية، وتدعو إلى التقارب مع النظام السوري.

خلافات التحالف الحاكم

وبعيداً عن خلافات التحالفين المتنافسين، طفت على السطح خلال الأشهر السابقة خلافات ضمن التيار الواحد، وخصوصاً بين حركة القوميين الأتراك وحزب العدالة والتنمية (التحالف الحاكم). ويرى العديد من المراقبين للسياسة التركية أن ما حصل من أحداث عنصرية في قيصري وامتدادها إلى شمال سورية يقف وراءها الحركة القومية التركية بقيادة بهجلي.

وتتمتع الحركة القومية التركية بتحالفات مع بعض الفصائل المعارضة السورية التركمانية على وجه الخصوص، والتي تتمثل بعدة فصائل وهي: “السلطان مراد” و”فصائل السليمان شاه” و”الحمزات”، وهؤلاء يشكلون تحالف “القوة المشتركة”.

وتعتبر هذه الفصائل العسكرية القوة العسكرية الأكبر التي تسيطر على مناطق النفوذ التركي شمال وشرق حلب، وهذا ما يؤكده ظهور صورة تجمع قادة تلك الفصائل إلى جانب بهجتلي خلال زيارة أجراها قادة تحالف القوة المشتركة إلى مقر الحركة القومية التركية بعد أيام من الأحداث التي جرت في تركيا وشمال سورية.

في المقابل تبني عدة فصائل معارضة سورية أخرى تحالفات مع حزب العدالة والتنمية، وحتى هيئة تحرير الشام – الفصيل الأكبر على الساحة السورية – يُعتبر من أهم الفصائل المقربة من توجهات ورؤية العدالة والتنمية في سورية.

تحجيم دور القوميين

وفي هذا الصدد تشير معلومات إلى أن حزب العدالة والتنمية أتخذ عدة خطوات تهدف إلى تحجيم دور القوميين الأتراك ضمن التحالف الحاكم، وخصوصاً أن العديد من أعضاء العدالة والتنمية اليوم يدعمون بناء تحالفات جديدة مع حزب المستقبل بقيادة رئيس الوزراء السابق داوود أوغلو وتحجيم دور القوميين الذين يسيطرون فعلياً على مؤسسات الأمن والجيش في تركيا ولديهم علاقات عميقة مع التنظيمات التركمانية خارج الحدود.

وما يؤكد الخلاف الحاصل بين العدالة والتنمية وحركة القوميين الأتراك ووقوف الأخير وراء الأحداث العنصرية في قيصري، هو استغلال المعارضة التركية أحداث قيصري وطرحها لورقة مشروع في البرلمان التركي بفتح تحقيق بشأن من يقف وراء أحداث قيصري وتجريمه، وقد قوبل المشروع بالرفض بعد تصويت نواب العدالة والتنمية والقوميين ضده.

الثمن يدفعه السوريون

وفي الخلاصة، فإن الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق النفوذ التركي شمال غرب سورية على خلفية أحداث قيصري لم تكن إلا امتداداً للخلافات السياسية بين حزبي التحالف القومي والعدالة والتنمية والذي بدى واضحاً، وفي حال استمرار ذلك الخلاف فقد نرى أحداثاً أكثر تصاعدية قد تؤثر سلباً على سياسة الحكومة التركية في التعامل مع الملف السوري عموماً، وقد تشهد الأيام المقبلة صراعات دامية بين فصائل المعارضة السورية المحسوبة على كلا الطرفين، سيدفع ثمنها السوريون في تركيا عموماً وفي شمال سورية خاصة.