حظر الإخوان في الأردن والتداعيات الأمنية المحتملة
أعلنت الحكومة الأردنية، في 23 نيسان/ أبريل 2025، حظر جماعة الإخوان المسلمين في المملكة والانتساب إليها وترويج أفكارها، وقررت إغلاق جميع مقراتها.
قرار حظر الجماعة جاء بعد أيام من إعلان السلطات الأردنية اعتقال 16 شخصاً بتهمة التورط في تصنيع صواريخ ومسيّرات بهدف “إثارة الفوضى والتخريب داخل المملكة”، في حين نفى الإخوان أي صلة لهم بهذا الموضوع.
ولا شك أن قرار الحظر يثير العديد من القضايا والتساؤلات منها طبيعة العلاقة بين النظام الأردني والجماعة في العقود الثمانية الماضية، وما هي التداعيات الأمنية على الصعيد الداخلي والخارجي للأردن، وما هي السيناريوهات المحتملة التي قد تنجم عن هذا القرار.
من الرعاية إلى الحظر
يعود الوجود الرسمي للإخوان المسلمين في الأردن رسمياً إلى سنة 1945 حين تم تأسيس “جمعية الإخوان المسلمين” تحت رعاية الملك عبد الله الأول، عبر تحالف قائم على تبادل المنفعة، إذ عززت الجماعة وجودها بمنهج تربوي يهدف لإصلاح الفرد والمجتمع، وتحولت من “جمعية” مفتوحة إلى “جماعة” مقيدة بالعضوية عبر التزكية.
استند النظام الأردني إلى الشرعية الدينية للجماعة لمواجهة التيارات اليسارية والقومية، وتلقت دعم الإخوان خلال أزمة 1957 عندما واجه النظام الأردني قوى انقلابية قومية ويسارية، كما آوى الأردن عناصر الجماعة الفارين من سورية بين سنتي 1979 و1982، بعد ملاحقة النظام السوري لهم.
وشهدت العلاقة بين السلطة والجماعة في الأردن تحولاً في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، مع بدء التضييق عليها بعد تحولها إلى تهديد للنظام الأردني مع تراجع اليسار، وتحول الجماعة إلى قيادة كتلة معارضة للحكومة التي اتهمتها الجماعة على مر الأعوام بتزوير الانتخابات النيابية، وغير ذلك من أمور عززت الصدام بين الطرفين.
وفي سنة 2015، منحت الحكومة ترخيصاً لجمعية منشقة عن الإخوان، وأغلقت مركز للجماعة في عمّان لعدم التزامها بقانون الأحزاب.
وكان الحظر الأخير لنشاط الجماعة بمثابة المسمار الأخير في نعش العلاقة المتصدعة بين السلطة والجماعة في الأردن.
تداعيات أمنية
يمكن أن يؤدي حظر الجماعة إلى تهميش جزء كبير من قاعدتها، وذلك من الممكن أن يدفع بعض الأفراد أو الفصائل المنشقة إلى تبني خطاب أكثر تشدداً والانضمام إلى جماعات متطرفة (مثل التنظيمات الجهادية)، وخصوصاً في حال شعورهم بأن القنوات السياسية مغلقة أمامهم، وذلك من شأنه زيادة المخاطر والتهديدات الأمنية الداخلية.
ويمكن أن يرافق هذا الأمر احتجاجات واضرابات مدنية، حيث تمتلك الجماعة شعبية قوية في بعض الفئات الاجتماعية والدينية، وذلك يؤدي إلى مواجهة بين الأمن والمحتجين ويزيد التوتر.
وقد يسهم العمل على تفكيك الجماعة بشكل قسري بظهور جماعات سرية غير خاضعة للمراقبة، وذلك يصعّب من عملية تتبع أنشطتها، وتصبح بحاجة إلى عمليات أمنية أكثر تعقيداً تستنزف قدرات الأجهزة الأمنية الأردنية، وخصوصاً أن الكثير من هذه الأجهزة منشغلة بتبعات الوضع الأمني الهش على مستوى الشرق الأوسط في الأيام الحالية، نتيجة الحرب على غزة، وسقوط نظام الأسد في سورية وآثار ذلك على المستوى الأمني.
وعلاوة على ذلك، فإن معرفة أن جزءاً كبيراً من القاعدة الشعبية للجماعة ينتمي إلى الجالية الفلسطينية، فإن هذا التصعيد الأمني يمكن أن يلامس قضايا الهوية واللجوء، وذلك من شأنه أن يزيد من حساسية الموقف.
كما أن مثل هذا القرار قد يعمق الانقسامات المجتمعية، بين التيارات الإسلامية والتيارات العلمانية أو التيارات المؤيدة للحكومة، وخصوصاً أن هناك جهات ستعسى لتصوير هذا القرار على أنه بمثابة مهاجمة للهوية الإسلامية.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، فإن هناك الكثير من الدول يمكن أن ترحب بحظر الجماعة في الأردن، والتي تعتبرها من أخطر التهديدات لأمنها مثل (مصر والإمارات والسعودية) وترى فيه مكاسب أمنية لها، وفي المقابل فإن هناك دول قد ترى أن قرار الحظر خاطئ مثل (تركيا وقطر) وأنه يعتبر بمثابة قمع للحريات.
أما بالنسبة لإسرائيل فما من شك أنها ترى بأن مثل هذا القرار يخدم مصالحها الأمنية، وخصوصاً أن بعض المعتقلين على ضوء الأحداث الأخيرة أشاروا إلى أن الأسلحة التي تم تصنيعها، كان هدفها مساندة المقاومة الفلسطينية بعمليات عابرة للحدود.
السيناريوهات المحتملة
السؤال هو عن الاحتمالات التي ستنتج عن حضر جماعة الإخوان، فما هي السيناريوهات المتخيلة عن هذا القرار؟
السيناريو الأول يتمثل بمحاولة الحكومة امتصاص الغضب الشعبي من خلال الحوار الوطني والإصلاحات، ومحاولة فرز العناصر غير المهددة للاستقرار في الجماعة وتحويل نشاطها إلى العمل الخيري تحت إشراف الحكومة.
السيناريو الثاني يتمثل بتصعيد محدود ضد قرار الحظر، مثل ظهور احتجاجات متقطعة، يتم احتواءها أمنياً بشكل سريع. وملاحقة قادتها، مما يدفع معظم قاعدتها إلى وقف النشاط أو التحول إلى العمل الخيري تحت أسماء أخرى، أو الدخول في الحياة السياسية ضمن الأحزاب المرخصة في الأردن.
السيناريو الثالث والأكثر سوداوية، هو لجوء الجماعة إلى العنف، من خلال استهداف مؤسسات أمنية أو مصالح حكومية، وذلك من شأنه أن يقود البلاد إلى دوامة من العنف من غير الممكن تصور الآثار المحتملة لها.
إن قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ليس خياراً بسيطاً، بسبب التداخلات المعقدة على المستويات الأمنية والسياسية والاجتماعية، ولذلك فإن هذه الخطوة تتطلب إحداث توازن دقيق بين الأمن قصير المدى والاستقرار طويل الأمد، من خلال تبني سياسات تخفف احتمالية تفجر السخط الاجتماعي أو الدفع نحو التمرد والتطرف.