تفجيرات لبنان تثير الهواجس في العراق

عندما كان دوي تفجيرات أجهزة البيجرز الخاصة بالالاف من مقاتلي ومنتسبي حزب الله، ودوي القصف الجوي على الضاحية الجنوبية، يثير الذهول في الشوارع اللبنانية، كانت الصدمة سيدة الموقف في أوساط القوى العراقية المنضوية ضمن  “محور المقاومة” والمنخرطة في نظرية “وحدة الساحات”، وفق الرؤية الإيرانية التي ظهرت بعد الحرب الإسرائيلية على غزة.

وأدركت الفصائل العراقية سريعاً أن ماجرى ومازال يجري في لبنان لا يرقى إلى مستوى قواعد الاشتباك أو الاقتراب من شفا الحرب، وإنما هي الحرب نفسها بعد أن دخلت إسرائيل في آتون المواجهة واخترقت الخطوط الحمراء وانتهكت قواعد الاشتباك، لتضع اقدامها على أعتاب مرحلة جديدة من المواجهة التي قد تفتح الباب أمام جميع الاحتمالات.

حذر في بغداد

دقت تفجيرات “البيجرز” و”الووكي توكي” وقصف الضاحية الجنوبية واغتيال قادة كبار في الحزب اللبناني، ناقوس الخطر في العراق حيث لايوجد ضمانات تمنع تكرار ذلك السيناريو في الأراضي العراقية، مما يتطلب إعادة النظر بالإجراءات الأمنية والخطط المعتمدة، لمنع الوضع من الانفلات وعدم السماح لفوضى انتشار السلاح أن تلقي بضلالها على استقرار الأوضاع في بلد مازال يحاول الشفاء من آثار الحروب المتعاقبة.

وسارع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى عقد اجتماع عاجل للمجلس الوزاري للأمن الوطني بحضور كبار قادة الأجهزة الأمنية مناقشة مستجدات الأوضاع الأمنية في العراق وتطورات الأحداث في لبنان.

ونبهت عملية البيجرز في لبنان القيادة الأمنية العراقية على مراجعة ضبط المنافذ الحدودية باتخاذ الإجراءات الضرورية والوقائية لتجنب أي حالة اختراق محتملة، والتدقيق الأمني على المستوردات وبشكل مكثف قبل التعاقد عليها والتعامل مع الشركات الرصينة قبل عملية الاستيراد فيما يخص الأجهزة الإلكترونية، ولاسيما أن أفراد الفصائل المسلحة العراقية يستخدمون مثل هذه الأجهزة في اتصالاتهم.

ومن الواضح أن المخاوف المتزايدة من استهداف القوى العراقية المسلحة او اختراقها من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، يعد أمراً مطروحاً كونه يستند إلى أرضية واقعية تنطلق من أن حزب الله الذي يتمتع بتاريخ طويل في العمل المسلح والانضباط الأمني والتحركات المحكمة والسرية في عمله، تعرضت قواعده ومقاتليه في جنوب لبنان ومنطقة الضاحية في بيروت وفي دمشق لغارات جوية وهجمات سيبرانية أوقعت خسائر كبيرة في صفوفه، الأمر الذي سيرتد وسيزيد العبء على الساحة العراقية المتصارعة سياسياً ومذهبياً واجتماعياً، ما يجعل الاختراق متاحاً بشكل أكبر في حال توسيع نطاق المواجهة الإقليمية الشاملة في الشرق الأوسط في سياق الحرب على غزة.

وتبدو بغداد مهتمة كثيراً بأن تنأى بنفسها عن الانخراط في مواجهة إقليمية واسعة لا تعرف أبعادها وتأثيراتها وانعكاساتها ومآلاتها على الساحة العراقية، على الرغم من تعاطفها الشديد ودعمها الكبير للقضية الفلسطينية، وهذا ما يدفعها لغض النظر عن اشتراك فصائل عراقية في جبهة الإسناد لحرب غزة وتوجيه ضربات ضد إسرائيل أو القواعد العسكرية الأميركية، لكنها حريصة على عدم انفلات الوضع وخروجه عن السيطرة.

فسلسلة الاختراقات الموجعة التي تعرض لها حزب الله، والتي أودت بحياة شخصيات بارزة كان لها دور كبير في المقاومة، انعكست على التنظيمات العراقية المسلحة كون أغلب القادة العسكريين البارزين في حزب الله كانوا ركناً أساسياً على مدى سنوات، ولاسيما بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، في تقديم الدعم اللازم للفصائل المسلحة عبر تقديم خبراتهم التدريبية والاستخبارية والعسكرية للعراقيين، وهو مايجعل تلك الفصائل تعيد حساباتها الأمنية من خلال الابتعاد عن استخدام اجهزة الاتصال بجميع أنواعها لما فيها من خطر عليهم، إضافة إلى جمع آلاف أجهزة التواصل اللاسلكي التي تستخدمها تلك الفصائل فيما بينها، من أجل إخضاعها لما قالوا انه “فحص أمني “في مقرات جهزت خصيصاً للأمر في معظم أنحاء العراق.”

لقد أصبح واضحاً لدى أغلب الاوساط العراقية أن الذهاب في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل ستكون تكاليفه باهضة على الداخل العراقي في ظل الحروب التكنولوجيا الحديثة وتغير أنماط القتال.