تحريض على الإسلاميين بعد عملية البحر الميت ومساع للتهدئة
لاقت العملية التي قام بها شبان أردنيان داخل الأراضي المحتلة بالقرب من البحر الميت ضد الجيش الإسرائيلي تأييداً شعبياً كبيراً، وعلى الرغم من أنها شكلت تطوراً نوعياً على الجبهة الأردنية، لجهة أهميتها وتوقيتها، إلاّ أنها أثارت جدلاً في الداخل الأردني، إذ تصاعدت أصوات تهاجم الحركة الإسلامية لتأييدها العملية، وأُثيرت تساؤلات عمّا إذا كان ذلك سيحدث صداماً بين الحكومة والحركة الإسلامية، وبشأن ما إذا كانت الحكومة ستسعى لتحجيم الأخيرة وحظرها، أو ستسعى لتبريد الساحة الداخلية لمواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي في المنطقة؟
عملية نوعية
شكلت العملية التي نفذها الشابان الأردنيان عامر قواس وحسام أبو غزالة، تطوراً نوعياً من حيث مكانها وتوقيتها وطريقة تنفيذها، وخصوصاً أنهما تمكنا من التسلل إلى الأراضي المحتلة، وجرح عدد من الجنود الإسرائيليين قبل أن يُقتلا.
العملية التي جاءت رداً على مجازر إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وبعد مصرع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار وهو يقاتل الاحتلال، لاقت تأييداً شعبياً كبيراً، وحملت العديد من المؤشرات، إذ إن الشابين من الطبقة الوسطى، وهما من حملة الشهادات العليا، ومن الشباب الناجح على المستوى الوظيفي، وهذا يدل على حالة الغضب والاحتقان ضد اسرائيل؛ كما أن موقع العملية يحمل رمزية لقربه من وادي عربة الذي تم فيه توقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، فضلاً عن أن هذا العمل استمرار للعمليات ضد إسرائيل وذلك بعد أكثر من شهر ونصف على عملية الأردني ماهر الجازي التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين.
بيان وجدل
أثار البيان الأول الصادر عن “جبهة العمل الإسلامي” جدلاً في الساحة الأردنية، ولاقى انتقاداً على الرغم من التأييد الشعبي للعملية.
فالبيان وصف العملية بـ “البطولية”، مشيراً إلى أن منفذي العملية “من شباب الحركة الإسلامية.” ودعا الحكومة إلى “إعادة النظر بجميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ووقف الممر البري و”إعادة العمل بالجيش الشعبي.”
هذا البيان أثار حملة ضد الحركة الإسلامية، ووصف العديد من المسؤولين السابقين وصحافيين محسوبين على الحكومة هذا السلوك بأنه كسر للمحرمات التي تضعها الدولة، وهناك من روج إلى أن الإعلان عن انتساب منفذي العملية للحركة الإسلامية بمثابة تبنٍ للعملية، وإخلال بقواعد العمل السياسي وجنوح نحو العمل الميليشياوي المرفوض.
تراجع إسلامي
عقب البيان الصادر عن “جبهة العمل الإسلامي” صدر بيان عن جماعة الإخوان المسلمين وصف العملية البطولية بـ “الفردية”، كما صرح رئيس الجبهة بأن منفذي العملية ليسا عضوين في الجبهة.
ووصفت جماعة الإخوان المسلمين العملية بأنها “جاءت كرد فعلٍ من شباب أردني لم يتحمل مشاهد الوحشية الصهيونية الغاشمة.” وأكدت أن “هذا الفعل ليس جديداً على الشعب الأردني”، وأنه “يأتي في سياق مسيرة بدأها الشهيد كايد العبيدات، والشهيد ماهر الجازي، بالإضافة إلى تضحيات الجيش العربي الأردني الذي ما تزال دماء شهدائه شاهدة على أرض القدس وفلسطين”، مؤكدة في الوقت نفسه أن “جماعة الإخوان المسلمين ستبقى كما كانت دوماً في خندق الوطن، تحرص على وحدته وأمنه واستقراره.”
بدوره، أكّد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي وائل السقا، أن “الشخصين الذين قاما بعملية البحر الميت الجمعة ليسا عضوين في حزب جبهة العمل الإسلامي”، مشيراً إلى وجود “قراءة خاطئة بشأن البيان الصادر عن الجبهة.”
وتابع السقا أن الحزب بارك العملية ولم يتبنَّها، مؤكداً حرص جبهة العمل على استقرار الأردن، ومشيداً بالعمل السياسي في مواجهة المخاطر الخارجية.
الإخوان يرفضون الاستهداف
وتعقيباً على الحملة التي ثارت ضد الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، رفض المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، محاولات البعض استهداف الحركة، وقال إن “الحركة تعتبر مكوناً رئيساً من مكونات المجتمع الأردني وعمرها يزيد عن 70 عاما”، لافتاً إلى أن “على الكُتّاب وأصحاب الأقلام الذين يحترفون التحريض التركيز على العدو الاسرائيلي وجرائمه.”
واعتبر العضايلة أن الإخوان المسلمين “يتعاملون مع تطورات الأحداث والمخاطر الناتجة عنها في القضية الفلسطينية ضمن معادلة الدولة والجيش والقيادة”، مضيفاً “أننا جميعا بحاجة لأن نجتمع على كلمة واحدة، لمواجهة المشروع والأطماع الصهيونية في الأردن.”
الحكومة ترفض التجاوزات
الحكومة الأردنية أكدت أنها لن تسمح بتجاوز القانون مع الحرص على أمن المملكة واستقرارها. وقال رئيس الحكومة جعفر حسان “نحن دولة متماسكة بشعبها ومؤسساتها، ولن نسمح بأي تجاوز على القانون والمؤسسات الوطنية، أو استغلال الناس وعواطفها – من قبل أي جهة كانت داخلية أو خارجية – في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة لأهداف سياسية، والمتاجرة بحياة الناس بالشعارات دون أدنى مسؤولية”.
ورأى رئيس الوزراء أن “التعبير عن الدعم والتضامن مع أهلنا وإخواننا في فلسطين موقف كل الأردنيين من دون استثناء، لكن التحريض الذي يعرّض أمن الوطن وسلامة المواطن للخطر موضوع مختلف تماماً، ولن نقبل بذلك بأي شكل من الأشكال ومن أي جهة كانت”.
وشدد على أن أمن الأردن واستقراره وسلامة شعبه فوق كل اعتبار، وأن المصلحة الوطنية هي الأولوية الأولى التي لا يعلو عليها شيء إطلاقاً، “وفي قوة هذا البلد ومنعته قوة لصمود أهلنا في فلسطين.”
تبريد الساحة
من جملة التصريحات المتبادلة بين الحركة الإسلامية والحكومة في الأردن تبين سعي الجانبين إلى تبريد الساحة الداخلية والمحافظة على استقرار المملكة مع تأكيد كل جانب على ثوابته.
فالحكومة اكتفت بتصريحات كلامية، من دون اتخاذ أية إجراءات بحق الحركة الاسلامية، بهدف تبريد الساحة الداخلية والمحافظة على استقرارها، مع إدراكها لما تمتلكه الحركة من تأييد شعبي جراء مواقفها من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وعدم إعطاء مواقف تصب في صالح اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى لتصفية القضية الفلسطينية وتهديد أمن المنطقة وخصوصاً الأردن.
كما تعمل الحكومة على الاستفادة من الموقف الشعبي الأردني للحد من أية خطوات إسرائيلية تستهدف المملكة، مع التأكيد أن كل ما هو علاقة للدولة بموضوع فلسطين والاحتلال يجب أن يبقى بيدها ولها، هذا ملف دولة وليس حزب أو جماعة.
كما عمدت الحركة الإسلامية من خلال بيانتها الأخيرة إلى وصف الاتهامات ضدها بالفتنة وحرصها على استقرار الجبهة الداخلية.
لقد كرست العملية الأخيرة التأييد الشعبي لأي عمل مقاوم ضد الاحتلال، وهذا ما أظهرته بيوت استقبال الشهداء التي زارها عشرات الالاف من الأردنيين، ومن شأن ذلك أن يشي بأن أعمال المقاومة ستستمر حتى وإن كانت بمبادرات فردية من منفذيها من جهة، وستؤدي إلى زيادة حدة التوتر في العلاقات الرسمية بين الأردن وإسرائيل، من جهة أُخرى.