بطولات على أجساد النساء
لم تفلح اعترافات الشاب مازن الشاعر أمام جمع من المواطنين في بلدة قنوات في ريف السويداء بأن حبيبته جلنار عزقول بريئة وأنه حاول الذهاب إلى شيوخ دين لمحاولة إقناع أهلها السماح لهما بالزواج.
مازن الذي جاءت اعترافاته، وهو في حال يرثى لها، وطلبه الصفح من المجتمعين، لم يكن يعلم المصير الذي سيلقاه هو وجلنار التي أقدم والدها على قتلها بداعي الشرف.
جريمة قتل جلنار بداعي الشرف هي واحدة من عشرات الجرائم في العقود الماضية، ولن تكون الأخيرة في محافظة السويداء، في بيئة تقدس هذا النوع من الجرائم وتبني بطولات على أجساد النساء، في وقت تشهد فيه السويداء تراخ أمني وغياب شبه كامل للقانون والدولة.
ضبابية المشهد
التفاصيل التي أوردها مازن الشاعر بأنه قام بالتعرف على جلنار وأنه سعى للقاء بها ليذهبا إلى شيوخ دين في مسعى للتدخل وإقناع ذويهما بالسماح لهما بالزواج وتداعيات هذا الأمر كانت بداية القصة التي رسمت الطريق لحتفهما.
وكان مازن قد التقى جلنار البالغة من العمر 15 عاماً، وقام باصطحابها إلى بلدته بوسان قبل أسبوع من مقتله في تكتم واضح من عائلتها، وظهرت صور لرسائل على هاتف محمول تفيد بابتزاز تعرضت له عائلة الفتاة بمبلغ 25 ألف دولار مقابل استعادة ابنتهم بحسب ما نشرت شبكة “السويداء 24″، الأمر الذي دفع إحدى الفصائل التابعة للأجهزة الأمنية للتدخل بعد ورود الرسائل من رقم هاتف محلي، وإحضار المتهم من مكان خدمته العسكرية إلى إحدى مضافات عائلة عزقول ليدلي باعترافاته. وبعد تصوير اعترافاته قام ثلاثة أشخاص من أقارب الفتاة من ضمنهم والدها، بتصفية مازن بالرصاص بعد إخراجه من المضافة.
ورداً على مقتل مازن، أصدر آل “الشاعر” بياناً نفوا فيه ضلوع ابنهم بعملية خطف، وقالوا إن مازن وجلنار هربا معاً بغية الزواج بعد رفض أهل الفتاة تزويجهم، ونشروا صوراً لملابس وأغراض شخصية من داخل المنزل الذي سكنه الضحيتان في قرية بوسان التي ينحدر منها مازن، ليقوم والد الفتاة عاطف عزقول بإعدام ابنته بالرصاص مباشرة بعد انتشار الصور، ومن ثم تسليم نفسه للأمن الجنائي عن طريقة الفصيل الذي سلمه الضحيتين في بادئ الأمر.
عائلة المغدور
عن موقف عائلة الشاعر مما جرى، قال منير الشاعر، أحد أقارب المغدور لموقع “التقرير العربي” إن “عندما علمت العائلة بما فعله مازن، بادرت مباشرة للتوجه نحو الحل العشائري بما تفتضيه العادات والتقاليد.” وأضاف “تواصلنا مع ذوي جلنار ووضعنا أنفسنا تحت الحق، وأعلنا جاهزيتنا تزويجهم في الحال، إلا أننا تفاجئنا بتدخل طرف ثالث كانت نتيجته نزع اعترافات من مازن تحت التعذيب كما يبدو عليه في المقطع المصور، ومن ثم قتله.”
منير الشاعر لم يدل باي معلومات إضافية تتحدث عما وصفه بـ “الطرف الثالث”، كما لم نتمكن من التواصل مع عائلة عزقول للتعرف على رأيهم بهذا الامر.
تقديس جرائم الشرف
لا تزال العادات والتقاليد في المجتمع السوري، وخصوصاً في الأرياف، تقدس جريمة الشرف التي ترتبط بالمرأة وعذريتها، إذ يرتبط مفهوم جريمة الشرف بثقافة النظام الأبوي السلطوي التي تهب الحق للذكور في تعيين نمط حياة النساء.
وتتميز هذه الجرائم بصمت المحيط الاجتماعي وعدم التدخل فيها، لأن مرتكبها عادة ما يكون الأب أو الأخ أو ابن العم، وهذا ما يفسر عدم تدخل المجتمع برمته، وخصوصاً المرجعيات، في الحد من هذه الجرائم الوحشية وتحريمها.
القانون القاتل
المحامي أيمن شهاب الدين، في تصريح لموقع “التقرير العربي”، وصف الجريمة بأنها “جريمة قتل عمد بحق الضحيتين، وجريمة قتل ارتُكبت من أصل (الأب) اتجاه الفرع (الابنة)”، لافتاً إلى أن القاتل في الجريمتين يستحق عقوبة الإعدام حسب قانون العقوبات السوري من حيث المبدأ.”
وأضاف “لكن وحسب ظروف القضية أثناء المحاكمة، قد يستفيد القاتل من أسباب التخفيف القانونية (الدافع الشريف) وقد يستفيد من أسباب التخفيف التقديرية التي يعود أمر تقديرها للمحكمة، فتصبح العقوبة الاعتقال المؤقت.”
وعرّفت المادة 191 من قانون العقوبات السوري الدافع بأنه “العلة التي تحمل الفاعل على الفعل، أو الغاية القصوى التي يتوخاها”، وهو لا يكون عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي نص عليها القانون.
وبحسب محكمة النقض السورية فإن الدافع الشريف هو “عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل على ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه بعيدة كل البعد عن الأنانية والأثرة ومنزّهة عن الحقد والانتقام وعن كل ما فيه مصلحة فردية أو عاطفة خاصة أو غاية شخصية.” ويعد الدافع الشريف عنصراً من عناصر التجريم فلا بد من مناقشته والأخذ به في الحكم عملاً بأحكام المادة 192 من القانون ذاته والتي تنص على تخفيف الأحكام في حال كان الدافع شريفاً.
ماذا بعد؟
تشير المعطيات إلى سبيل واحد للحد من هذه الجرائم والوصول لمجتمع خال من قتل النساء تحت راية الشرف، وهو التنشئة الاجتماعية المبنية على رفض القتل أولا واحترام وجود الأنثى ككيان مستقل، حيث لم ينفع تعديل قانون العقوبات سنة 2020 في التقليل من الجرائم المماثلة، حين تم إلغاء المادة 548 منه، والتي كانت “تحلل” إخلاء سبيل القاتل في حال كانت “جريمة شرف”.
ولا تزال تشهد المحافظات السورية جرائم مشابهة سنوياً، حيث لم يؤثر تعديل القانون على معدل الجرائم ضد النساء وتحت مسمى الشرف، ورغم عدم وجود احصائيات رسمية إلا أن موقع “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وثق وقوع 185 “جريمة شرف” بين عامي 2019 و2022، ودائماً ما يواجه المختصون معوقات أثناء تتبع هذا النوع من الجرائم بسبب التستر المجتمعي عليها، وإذا بحثنا في حالات قتل لذكور بما يخص مفهوم الشرف من المؤكد أننا سنجد أرقاماً أكبر بكثير.
إلا أن الواضح هو تحرك المجتمع المدني حيث ظهرت عدة مبادرات في السنوات الأخيرة وتوجهت نحو التوعية بمفهومي الجريمة والشرف، ودعت النساء لعدم التردد بكشف حالات الضغط والابتزاز التي يتعرضن لها.
ويقول ناشطون مدنيون أن التخلص من مفهوم جريمة الشرف يحتاج لترسيخ عبر الأجيال، فهو مفهوم قديم ومتجذر في ثقافة الشعوب الشرقية، فمن الأفضل العمل على نشر ثقافات جديدة أكثر انفتاحاً عبر الندوات والحوارات وحملات المناصرة، وهذا ما يحتاج أولاً وأخيراً لتكاتف اجتماعي وشروع مباشر في العمل.