بدائل التدفئة في الجنوب السوري في ظل أزمات المعيشة

تتفاقم معاناة العائلات السورية في تأمين وسائل التدفئة هذا الشتاء مع قلة المشتقات النفطية التي ارتفع سعرها بشكل جنوني في السوق السوداء بما يفوق قدرة المستهلكين في مجتمع وصلت فيه نسبة الفقر إلى أكثر من 92% من عدد المواطنين.

وهذا الأمر فرض على العائلات البحث عن بدائل لتقيهم شر البرد عبر وسائل بدائية أضرارها كبيرة، ومنها الاعتماد على مخلفات الحيوانات، وحرق البلاستيك وإطارات السيارات وغيرها، والتي من شأنها ترك آثار ضارة على الصحة والإخلال بالتوازن البيئي.

أسعار جنونية ونقص في الكميات

مع قلة المخصصات النظامية التي لا تتجاوز 50 ليتراً من المازوت سنوياً للعائلة، تعزف غالبية الأسر السورية عن محاولة تعويض نقص الكمية باستعمال الوسائل التقليدية للتدفئة بسبب ارتفاع أسعارها وأسعار المواد الملازمة لها كالمدافئ المعدنية وأنابيب تفريغ الدخان، محاولين اللجوء لوسائل أخرى تقيهم درجات الحرارة المنخفضة في الجنوب السوري.

وبقول المواطن علي العمار لموقع “التقرير العربي” إن “الحطب والمازوت هما خارج خطته لتأمين التدفئة هذا العام”، لكنه يبقى مضطراً لجمع بعض أوراق الأشجار والعيدان الصغيرة وقشور بعض الثمار لإشعالها في المدفئة، إلى جانب ما يستطيع جمعه من مواد قابلة للاشتعال، كالثياب البالية والأوراق القديمة وغيرها.

واعتاد الأهالي على استعمال المازوت أو الحطب كمادتين رئيسيتين للتدفئة المنزلية، إلا أن انهيار الوضع المعيشي جعل الاعتماد على المازوت والحطب طيلة فصل الشتاء شبه مستحيل، وخصوصاً لدى أصحاب الدخل المحدود التي لا تتجاوز رواتب الفئة الأعلى دخلاً منهم 32 دولاراً شهرياً (الدولار يساوي 15 الف ليرة سورية تقريباً)، بالتزامن مع نسبة بطالة عالية، ومداخيل ضعيفة للعاملين في القطاع الخاص.

البدائل غير كافية

هذا التراجع في قدرة العائلات على تأمين دفئهم، أجبرتهم على التحايل على الظروف واللجوء إلى وسائل أخرى بدائية لتجاوز هذه المعضلة ضمن الظروف المعيشية القاهرة.

وعن ذلك، عبّر المواطن ع ج، من ريف درعا، والذي طلب عدم ذكر اسمه، عن حزنه من تدهور الحال إلى هذه الدرجة، موضحاً أنه يستعمل روث المواشي لإشعالها بعد تجفيفها، إضافة إلى “أي شيئ مصنوع من البلاستك أو القماش، وأحياناً نضطر لإشعال رزم الأعشاب اليابسة التي أجمعها صيفاً، حتى بقايا أكواز الذُرة وسيقان الشجيرات الصغيرة بعد اقتلاعها، وبعض جذور النباتات البرية.”

هذه الحلول وإن كانت مسعفة، فإنها لا تؤمن توليد الحرارة الكافية، إلى جانب كونها مضرة بالصحة، وخصوصاً لدى الأطفال وكبار السن، كما أن انبعاثاتها تعد مواداً مضرة للبيئة بسبب إصدارها دخاناً كثيفاً، الأمر الذي يخل بالتوازن البيئي في المنطقة التي تعاني من النقص الحاد في الغطاء الشجري.

أما البدائل الكهربائية كالمدافئ والبساط الحراري وغيرها، فهي ذات تأثير ضعيف وتزيد من استهلاك الطاقة الكهربائية؛ أضف إلى ذلك غياب التيار الكهربائي عن المواطنين لنحو عشرين ساعة من الأربع وعشرين ساعة اليومية.

ابتكارات من رحم المعاناة

بعد انسداد الأفق أمام المواطنين لتحصيل حقهم في الدفء، بدأ البعض بابتكار وسائل جديدة ربما تكون أفضل، فقام بعض الصناعيين بتفصيل مكابس وتخصيص قوالب لها ليُكبس فيها بعض المواد القابلة للاشتعال، فاستعملها البعض لصناعة قطع من بقايا الزيتون بعد عصره، ووضع فيها البعض قشور الفواكه والأوراق المقواة والبعض الآخر روث المواشي وغيرها.

هذه البدائل وعلى الرغم من تمخضها من رحم المعاناة، لكن أسعارها ليست عادلة هي الأخرى، فقد بيع الطن الواحد من كبسولات بقايا الزيتون بنحو مليوني ليرة أي قرابة ١٥٠ دولاراً بمقابل متوسط دخل ٢٠ دولاراً للفرد الواحد، كما تحتاج العائلة لنحو ثلاثة أطنان من هذه البدائل خلال الموسم الشتوي بحسب شهادات مواطنين في الجنوب السوري.

ووصل الحال إلى صنع كبسولات بلاستيكية من خلال جمع الأكياس أو العبوات المرمية وبيعها بأسعار زهيدة، لكن المؤسف أنها تؤمن التدفئة المطلوبة بسبب النار الكثيفة التي يولدها البلاستيك بحسب شهادات بعض مستخدميها. مع أن التعرض لدخانها قد يؤدي لأمراض تنفسية وأعراض جسيمة.

وأوضح الشاب عدي الحلبي أنه يؤمن التدفئة منذ أعوام عن طريق مدفأة تعمل بفتات الخشب التي يخلفها النجارون، وبحسب ما وصف، فإن الكيس الواحد من الفتات قادر على تأمين الدفء لست ساعات متواصلة، “لكن على الرغم من فعاليتها، فإنه من غير الممكن منع هذه المدفأة من بث روائحها داخل المنزل، وهي تصدر دخاناً كثيفاً يجعلنا نواجه مشاكل يومية مع السكان المجاورين.” وأضاف: “بعد انتشار هذه الآلية بات النجارون يتقاضون مبالغاً مقابل بيع النشارة، حيث وصل سعر الكيس الواحد منها إلى عشرين ألفاً في بعض الأحيان، فمتى سنتمكن من سد حاجاتنا اليومية بدون استدانة الأموال والعمل في أكثر من ثلاثة وظائف؟.”

التدفئة رفاهية

ومن الجدير الذكر أن أسعار المدافئ أيضا تشهد ارتفاعاً نسبياً، فسعر مدفأة المازوت (الصوبيا) بلغ نحو ٥٠٠ ألف ليرة في الأسواق السورية وحتى مليون ونصف، وكذلك مدفأة الحطب التي يستعملها السكان لإشعال كل ما هو قابل للحرق، فتبدأ أسعارها أيضا عند ٦٠٠ ألف وصولاً إلى مليوني ليرة بحسب حجمها وجودة معدنها، فهل يكفي توفير مادة المازوت اذا افترضنا جدلاً أنها قدد تتوفر؟

في ظل هذه الأزمة، يناشد الأهالي الجهات المسؤولة العمل على إيجاد حلول مستدامة لتخفيف العبء عنهم، كتأمين كميات كافية من المحروقات بأسعار مدعومة، أو تقديم بدائل فعالة تضمن سلامة المواطنين وكرامتهم في مواجهة البرد القارس.

لقد أصبحت التدفئة بالنسبة للمواطن السوري رفاهية يصعب تحقيقها لكثير من العائلات، في ظل أسعار تحرق الجيوب وبدائل تفتقر إلى الأمان والكفاءة، ومع استمرار الوضع على ما هو عليه، يبقى الشتاء القادم شبحاً يُثقل كاهل الجميع.