اهتمام دولي بمظاهرات السويداء وتجاهل حكومي

دخلت الانتفاضة الشعبية في محافظة السويداء شهرها الثالث، والتي بدأها الأهالي على خلفية سوء الأوضاع المعيشية والأمنية في المحافظة، ما أدى لخروج مظاهرات يومية للمطالبة برحيل النظام السوري وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على الانتقال الآمن للسلطة والإفراج عن المعتقلين السياسيين وتحقيق انتخابات ديمقراطية وفق الدستور.

أهالي السويداء يشددون على سلمية حراكهم منذ اليوم الأول لانطلاق الانتفاضة، الأمر الذي لاقى اهتماماً دولياً وإقليمياً كبيراً، لما له من دلالات سياسية، ولاسيما أن محافظة السويداء تخضع لسيطرة النظام وتشهد حالة من الفوضى الأمنية وانتشار عصابات الخطف وتجارة المخدرات المرتبطة بالأجهزة الأمنية بشكل مباشر.

منذ البداية حتى الآن

يقول الصحفي والناشط المدني علي الحسين في تصريح لموقع “التقرير العربي”: “إن الاحتجاجات بدأت بدعوات للإضراب في عموم المحافظة بعد القرارات الحكومية برفع أسعار المحروقات، ليتم إغلاق المحال التجارية وقطع الطرقات الرئيسية والطرق التي تصل بين القرى والمدينة بالإطارات المشتعلة، إضافة إلى القيام بإضراب عام من قبل الموظفين في الدوائر الحكومية، رافقه خروج الآلاف إلى ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، وسرعان ما انتقلت المظاهرات لتشمل معظم القرى والبلدات في المحافظة وسط إقبال شعبي كبير”، ويضيف أنه من “اللافت في هذه التظاهرات خروج عشائر الجنوب السوري “البدو”، وباقي الأطياف في المحافظة في رسالة واضحة للنظام أن النسيج في السويداء موحد ولا يقتصر على طائفة أو عقيدة بعينها، فضلاً عن التواجد النسائي منذ بداية الانتفاضة، إذ كان للنساء دور كبير في تنظيم الحراك وتقديم الأنشطة والفعاليات وتأليف الأهازيج الثورية وتقديم الطعام في الساحات.”

وتقول بيسان أبو عسلي، وهي واحدة من المشاركات في المظاهرات: “إن النساء في محافظة السويداء قدموا صورة حضارية للتظاهرات من خلال تأكيدهم على أنهم دعاة سلام لا دعاة حرب، وهن مستمرات في حراكهم حتى تحقيق جميع المطالب المحقة.”

تطورات ميدانية ومواقف

يشير الحسين إلى أن النظام حاول في بداية الحراك الشعبي إرسال وفود إلى الهيئات الدينية والاجتماعية في المحافظة لتهدئة الوضع وإنهاء التظاهرات، إلا أن هذه المحاولات قوبلت بالرفض التام لعدم ثقة الأهالي بالنظام وإيمانه أنه عاجز عن تلبية المطالب الشعبية التي تنادي برحيله والإفراج عن المعتقلين السياسيين.

بعد ذلك تعامل النظام مع التظاهرات من خلال الإعلام شبه الرسمي وبدأ ببث الإشاعات عن وجود مؤامرة تجري في السويداء وهدد بشكل غير مباشر باستخدام العنف أو التلويح بورقة “داعش” مثلما حصل في عام 2018.

وبحسب الحسين، فإن أهالي السويداء كانوا على وعي تام بكل ما يحاول النظام بثه من فتن لزعزعة الحراك، فقاموا بإغلاق مبنى حزب البعث ليقينهم أن مقر الحزب مكان تُحاك فيه الفتن والدسائس لإخماد الحراك، ليرد النظام حينها بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين مخلفاً إصابات بين صفوف المدنيين، الأمر الذي أجج حالة الغليان في شارع المحافظة، إلا أن تدخل الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري واحتوائه الموقف، سحب فتيل الفتنة والورقة التي لعب عليها النظام لتحويل الحراك إلى صراع مسلح.

مواقف مشايخ العقل

يوضح بشير عزام، المقرب من دوائر القرار في المحافظة، أن مشايخ عقل الطائفة الدرزية في محافظة السويداء وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، أيدوا الانتفاضة الشعبية منذ بداية الاحتجاجات ونشروا بياناً مشتركاً حددوا فيه مطالبهم بعدما “بلغ الكتاب أجله” بحسب تعبيرهم.

ويعتبر هذا الموقف هو الأول من نوعه منذ بداية الثورة السورية في سنة 2011.

وجاء البيان تأكيداً لمطالب المحتجين في سبيل نيل الحقوق المسلوبة وتحقيق العيش الكريم للشعب السوري ووضع النظام أمام مسؤولياته اتجاه الأزمات المتفاقمة في البلاد.

وبحسب عزام، فإن “مشايخ عقل الطائفة أكدوا على ثبات موقفهم وأنه لا تراجع حتى تحقيق المطالب المشروعة معلنين أنهم ‘أحرقوا مراكبهم’، بحسب تعبيرهم. ”

 

وتلقى الشيخ الهجري اتصالات دولية منذ بداية الحراك، من ضمنها اتصالات مع نواب أميركيين وأوروبيين ومن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي والمبعوثة البريطانية إلى سورية، تأكيداً لدعم الاحتجاجات السلمية ضد النظام، في إشارة إلى أن هذه الاتصالات تدعم العملية السياسية التي يقودها السوريون حتى تطبيق القرارات الأممية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254.

تأطير الحراك

ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في المحافظة أكدت عدة مصادر محلية، أنه يجري الآن العمل على تشكيل جسم سياسي موحد في المحافظة لقيادة المشهد السياسي الحالي، يضمن تمثيلاً شاملاً مناطق المحافظة بهدف توحيد الصفوف والجمع بين مختلف الأطياف، لعله يكون نواةً تجمع السوريين من أجل تحقيق العدالة والحرية.