انضمام مصر إلى البريكس بين الفرص والمخاطر
خلال قمة كتلة البريكس المنعقدة مؤخراً في جوهانسبرج، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية، انضمام مصر والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا، إلى الكتلة اعتباراً من سنة 2024.
وتضم كتلة البريكس كل من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، وقد اتفق هؤلاء الأعضاء الخمسة في القمة الأخيرة، على توسيع الكتلة، وهذه هي المرة الثانية التي تقرر فيها مجموعة البريكس التوسع.
تأسست الكتلة بمبادرة من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين في سنة 2009، وأضيفت جنوب أفريقيا في سنة 2010. وتمثل “البريكس” نحو 42% من سكان العالم، وتساهم بأكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمتلك دول الكتلة نحو 26% من مساحة اليابسة العالمية.
تمّ إقرار نظام “بريكس بلس” في سنة 2017؛ ودعا المسؤولون الحكوميون من خارج مجموعة البريكس إلى إجراء مناقشات، من أجل التوسع، ودعمت روسيا والصين عملية توسيع العضوية والتعاون في مجموعة “بريكس بلس”، بما في ذلك توسيع أعضاء البريكس.
وشاركت مصر في قمتي البريكس في سنتي 2017 و2022. وشارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة البريكس الأخيرة التي انعقدت في آب/ أغسطس، بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ. وتأكيداً على تعزيز مكانة اقتصاد البريكس، ومكانة مصر وقدراتها الاقتصادية والتجارية الرائدة في المنطقة، أبدت القاهرة اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة.
دفعت العلاقات الجيدة مع أعضاء مجموعة البريكس جهات فاعلة مثل روسيا، إلى دعم جهود مصر للانضمام إلى التحالف، في حين يتماهى الاقتصاد المصري وقطاعات التصنيع مع احتياجات المجموعة، ويُنظر إلى مصر، إلى جانب جنوب أفريقيا، على أنهما بوابتين رئيسيتين إلى القارة الأفريقية.
تطلعات مصرية
تأمل مصر أن يساعد انضمامها إلى مجموعة البريكس، على تخفيف النقص الحاد في العملات الأجنبية، وجذب استثمارات جديدة، لكن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل ظهور أي فوائد للانضمام إلى عضوية المجموعة.
وقد علّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على دعوة بلاده إلى الانضمام للكتلة الاقتصادية الناشئة قائلاً: “أقدر دعوة مصر للانضمام إلى مجموعة البريكس، وأتطلع إلى التنسيق مع المجموعة لتحقيق أهدافها في دعم التعاون الاقتصادي.”
ويُعد توسع علاقات مصر الاستراتيجية مع روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند، وزيادة المشروعات والاستثمارات المشتركة بين الجانبين، من أبرز أهداف السياسة المصرية، وقد أدت العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين أعضاء البريكس مع مجلس التعاون الخليجي، والتقلبات في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة ومصر، إلى زيادة رغبة القاهرة في الانضمام إلى البريكس، كما تُعد الاستفادة من خبرات ومساعدات دول البريكس جزءاً مهماً آخر من الحوافز والفرص المتاحة أمام مصر.
ووفق بيانات البنك الدولي كان التبادل التجاري بين مصر ودول البريكس في سنة 2021 وفق التالي: الاستيراد من الصين 18,1 مليار دولار، والتصدير 1,17 مليار؛ الاستيراد من روسيا 5,01 مليارات، والتصدير 2,44 مليار؛ الاستيراد من الهند 3,33 مليارات، والتصدير 675 ملايين دولار؛ الاستيراد من البرازيل 2,09 مليار دولار، والتصدير 667 مليون دولار؛ الاستيراد من جنوب أفريقيا 120 مليون دولار، والتصدير 11,5 مليون دولار.
ويمكن القول إنّ انضمام مصر إلى المجموعة، ربما يفتح الباب أمام جملة من الفرص المتنوعة، التي قد يكون لها أكثر من مردود إيجابي على الاقتصاد المصري، لما للكتلة من دور متزايد في التأثير بفاعلية على الاقتصاد العالمي. كما يعزز انضمام مصر إلى المجموعة، قدرتها على دعم التنمية المستدامة، ومعالجة قضايا السيولة من خلال عضويتها في البنك التابع للكتلة، مع زيادة التبادل التجاري بين مصر والمجموعة، في ظل وتيرة متصاعدة من التعاون الاقتصادي؛ ففي سنة 2022، ارتفعت صادرات مصر إلى دول البريكس بنسبة 5,3%؛ لتصل إلى 4,9 مليار دولار.
وتأمل مصر في مزيد من الاستثمارات البينية، وفتح أسواق جديدة لاستيراد الغلال، لمواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تنتج دول البريكس ثلث إنتاج الحبوب في العالم، كما تأمل القاهرة في وضع دول مثل الهند على خريطة الاستثمار في مصر بقوة.
بنك التنمية الجديد
في أعقاب الإعلان عن قبول عضوية مصر في البريكس، قال مجلس الوزراء المصري إنّ هدف المجموعة هو تقليل التعامل بالدولار، وهو أمر من شأنه أن يخفف ضغوط العملة الأجنبية في مصر، وأضاف إن العضوية في بنك التنمية الجديد ((NDB)) التابع للكتلة، سيوفر تمويلاً ميسراً للتنمية.
ويبدو من تصريح مجلس الوزراء المصري، وجهة الاستراتيجية المصرية، التي تهدف إلى تخفيف الضغط على الدولار أولاً، باستبداله بعملات أخرى محلية، والحصول على تمويلات جديدة، لوقف نزيف أعباء الدين، الذي أرهق الخزانة المصرية، عبر إيجاد معادل موضوعي لصندوق النقد الدولي.
وكان مجلس بنك التنمية الجديد، قد أوصى بإجراء محادثات رسمية مع الدول الأعضاء الجدد والمحتملين، في أواخر سنة 2020. وبعد محادثات ناجحة، وافق البنك على انضمام مصر في كانون الأول/ ديسمبر 2021.
تمّ إنشاء بنك التنمية الجديد من قبل دول البريكس، على أساس الاتفاقية الحكومية الدولية الموقعة في القمة السادسة في فورتاليزا (البرازيل)، في تمّوز/ يوليو 2014. ويهدف البنك إلى تمويل مشاريع البنية التحتية، ومشاريع التنمية المستدامة في الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، وكذلك الدول النامية.
حصل البنك في السابق على تصنيف ائتماني دولي “AA+” من وكالة فيتش للتصنيف الائتماني ووكالة ستاندرد آند بورز العالمية للتصنيفات الائتمانية، ما يسمح له بجذب تمويلات طويلة الأجل بشكل فعال، في أسواق رأس المال الدولية.
ومنذ تأسيسه، وافق البنك على أكثر من 90 مشروعاً، بقيمة إجمالية 32 مليار دولار لدعم مجالات متعددة مثل: النقل، والمياه، والطاقة النظيفة، والبنية التحتية الرقمية والاجتماعية.
وربما يؤدي تعزيز دور بنك التنمية الجديد لمجموعة البريكس، إلى تهديد هيمنة الولايات المتحدة، وصندوق النقد، والبنك الدوليين على الدول النامية.
إنّ مشاركة مصر في بنك التنمية الجديد تتيح لها دعم التنمية المستدامة، ومعالجة قضايا السيولة، وتسهيل عملية الدمج الاقتصادي، وتعزيز التعاون والتكامل الإقليمي من خلال الاستثمار في البنية التحتية.
ويعمل وجود مصر في بنك التنمية الجديد على تعزيز اتفاقيات التبادل التجاري مع دول البريكس، وتقليل الطلب المرتفع بشكل مفرط على الدولار الأمريكي، لتلبية احتياجات الواردات من الخارج.
ومن المتوقع أن يؤدي تقديم سلسلة من المشروعات التكنولوجية لدول البريكس، من خلال بنك التنمية الجديد، إلى تحفيز الصادرات المصرية؛ فروسيا، على سبيل المثال، لديها بالفعل منطقة تجارة حرة صناعية في بورسعيد، بالقرب من قناة السويس، وكذلك الصين.
أنظمة الدفع البديلة وأزمة السيولة
تسعى كتلة البريكس تجاه تشكيل أنظمة دفع بديلة، وتكريس عملة احتياطية للتجارة العالمية، وتفعيل الشراكة من أجل التعاون المربح للجانبين، مع التطوير التدريجي لنظام مالي جديد لا يعتمد على الدولار، وكذلك تطوير نظام دفع مشترك، عن طريق العملات المحلية، وإنشاء عملة رقمية مشتركة في مرحلة متقدمة.
وتأمل مصر أن يؤدي انضمامها إلى البريكس، إلى حل مشكلة السيولة، والانخراط ضمن استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب، تمكنها من تطوير أدوات تجارية ومالية بديلة، تعزز من فرص الانتعاش الاقتصادي، وتقلل من التكاليف، عبر تطوير التجارة الإلكترونية.
ويمكن لعضوية مصر في البريكس، إلى حد ما، أن تقلل من مشاكل مثل زيادة معدلات الفقر، والافتقار شبه الكامل إلى التنمية الشاملة، والتوازن السلبي للنقد، ومخاطر الديون وأعباء خدمتها. كما يكمن القول إن الاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفاع النمو في التجارة الثنائية بين دول البريكس والدول الإفريقية، أمور تدفع مصر نحو العمل على تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الفرصة.
التحديات والمخاطر
تشمل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، وعلى رأسها ضعف العملة المحلية، وذلك بعد انخفاض قيمة الجنيه المصري بنسبة 50% العام الماضي، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة الدين الخارجي لمصر بنسبة 13% إلى 163 مليار دولار.
ويمكن لتحديات أخرى مثل، إدارة حجم الديون الخارجية، واختلال التوازن الهيكلي في الاقتصاد المصري، أن تقلل من حوافز أعضاء البريكس للاندماج الكامل مع مصر، ما يعني ضرورة استمرار نهج الإصلاح الاقتصادي، وتطوير أدوات الإنتاج.
ولا يجب أن يؤدي الانضامام إلى البريكس، إلى الافراط في التفاؤل، ذلك بأن خطط الكتلة الطموحة، معظمعها على الورق فقط. كما أن مجموعة البريكس لم تحقق بشكل فعال أي أهداف محددة، فشلاً عن أن هناك القليل من المنطق الاقتصادي في انتهاج سياسة توسيع البريكس، وإضافة أعضاء جدد إليها.
ولا يزال الغرب هو الشريك الاقتصادي الأول للكتلة في المجال الاقتصادي، كما أن فكرة العملة الموحدة للمجموعة المتناثرة جغرافيا، تبدو أمراً شبه مستحيل.
وكذلك يزيد الانضمام إلى الكتلة من مخاطر التورط في الصراع السياسي بين روسيا والغرب من ناحية، وبين الصين والولايات المتحدة من ناحية أخرى، وبالتالي فإن الخط الفاصل بين الشراكات الاقتصادية، والتحالفات السياسية يبدو إلى الآن غير واضح، بحيث تبدو بريكس وكأنها استدعاء لحلف وارسو القديم.