العلاقات الإيرانية الأردنية عقود من عدم الثقة

تتسم العلاقات الإيرانية الأردنية منذ عقود بـ “عدم الثقة”، والتي وصلت في أحيان كثيرة إلى حد القطيعة، إذ إن إيران تسعى، ضمن سياستها الخارجية، إلى إيجاد موطئ قدم لها في الأردن التي تمتلك أطول حدود لها مع إسرائيل، باتباع أساليب مختلفة.

ومع الأحداث الأخيرة التي تشهدها المنطقة وخصوصاً العدوان الإسرائيلي على غزة، تثار تساؤلات عن مستقبل هذه العلاقات، وتأثيرها على أمن المملكة، وما سينتج عنها في الأيام المقبلة.

إيران ما بعد الثورة الاسلامية

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الخميني، هيمن على السياسة الخارجية لطهران العديد من المبادئ منها تصدير الثورة والتوسعية. ويرى مختصون أن إيران عملت منذ الثورة على استغلال النزاعات والتطورات في المنطقة العربية لتثبيت أقدام حلفاء لها، وتمكنت في نهاية المطاف من إنشاء حزام يمتد من إيران إلى العراق وسورية ولبنان من خلال تنظيمات ومليشيات مرتبطة بها، ولا سيما حزب الله في لبنان، كما دعمت قوى فاعلة على الأرض مثل “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والحوثيين في اليمن.

وتعمل السياسة الخارجية الإيرانية على تحقيق طموحات الامبراطوية الفارسية قديماً، لكن بأيديولوجية ثورية دينية تثير القلق الشديد لدى جيرانها، وتدفعهم أحياناً إلى العمل على منع تحققه.

علاقات متوترة مع الأردن

على مر عقود بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران شاب العلاقات الأردنية الإيرانية عدم الثقة وتباينت وجهات النظر بين البلدين في العديد من الملفات الإقليمية والتحالفات الدولية، بدءاً من حرب الخليج الأولى مرورا بالاحتلال الأميركي للعراق وسيطرة حماس على قطاع غزة وظهور ما يعرف بمحور المقاومة او الممانعة ومحور الاعتدال العربي، وصولاً إلى الانتفاضات التي شهدتها المنطقة وحرب غزة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

بداية، توترت العلاقات بعد مساندة الأردن للعراق في حربه مع إيران (1980- 1988)، إلا أنه بعد وفاة زعيم الثورة آية الله الخميني سنة 1989 عادت العلاقات الدبلوماسية بين عمان وطهران في 1991، وبادر الأردن بإغلاق مكاتب حركة مجاهدي خلق المعارضة لإيران في عمّان.

لكن هذه العلاقات تعثرت مرات لعوامل من بينها تأييد عمّان لأبو ظبي في أزمة الجزر الإماراتية الثلاث المتنازع عليها بين الإمارات وإيران، ثم تعقدت أكثر في إثر الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003، واتهام العاهل الأردني إيران في كانون الأول/ ديسمبر 2004 بإقامة جمهورية إسلامية في العراق تكون مقربة منها جدا، والتدخل في الشؤون العراقية، محذراً من سعي إيران لإقامة ما أسماه “الهلال الشيعي” الذي يضم اليها كل من العراق وسورية ولبنان.

كما لمحت الأردن الى وجود دور إيراني في الأحداث التي شهدها قطاع غزة في سنة 2007 وانتهت بسيطرة حركة حماس على القطاع، ويضاف إلى ما سبق علاقة إيران الجيدة مع حركة الاخوان المسلمين.

تنامي الدور الإيراني بعد 2011

أدى اندلاع الثورات في العديد من الدول العربية والتي عرفت بـ “الربيع العربي” إلى تنامي الدور الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن، وانتشار مليشيات موالية لإيران على الحدود الشمالية (سورية) والغربية (العراق) للمملكة.

وأثار التمدد الإيراني قلق الأردن حيث أعلنت أكثر من مرة رفضها سياسة التدخل التي تنتهجها إيران في المنطقة والتي “تشعل الفتن الطائفية وتنمي الإرهاب”، محذرة طهران من استمرار نهجها الذي يعمّق النزاعات والصراعات في المنطقة ويستهدف استقرارها.

المخدرات والسلاح

يقول مطلعون على على ما يجري في المنطقة، إن إيران تحاول في السنوات الأخيرة من التسلل الى الأردن من خلال المخدرات، مستخدمة في ذلك جماعات ومليشيات موالية لها ولحزب الله اللبناني وذلك بغية إحداث قلاقل وأزمات في المملكة.

ويضيف هؤلاء، أنه على الرغم من المحادثات التي جرت بين عمان ودمشق بهذا الخصوص والتوصل الى اتفاق يضع حد لعمليات التهريب، إلا أن عمّان أبدت انزعاجها من عدم ايفاء الجانب السوري بالتزاماته العسكرية والأمنية، لافتين إلى أن الحدود باتت محمية من جانب واحد فقط ويظهر سعي طهران ودمشق إلى التأثير على أمن المملكة.

وتابع مختصون أنه “بالتزامن مع تهريب المخدرات هناك مؤشرات على تهريب السلاح إلى المملكة بغية تسليح عدد من التنظيمات والعشائر.”

استخدام ورقة التشيع

من الوسائل التي تسعى إيران إلى التسلل الى المملكة هو موضوع التشيع الذي يواجه الامر رفضا رسميا.

ويشير متطلعون إلى أن “الشيعة موجودون في المملكة منذ أواخر القرن التاسع عشر وتقطن العشائر الشيعية الأردنية في عدة مناطق رئيسة وهي الرمثا، ودير أبو سعيد، وإربد، وعًمان، وأبرز العائلات الشيعية: بيضون، وسعد، وديباجة، وفردوس، وجمعة، والشرارة، وحرب، وبرجاوي، والبزة.”

ويضيفون أن “التشيع في الأردن على الصعيدين الديني والسياسي انتشر في المملكة بعد أن استمدت عملية التشيع زخماً من مقاومة حزب الله لإسرائيل، وخصوصاً بعد حرب تموز/ يوليو 2006، ومكانة الأمين العام لحزب الله كبطل بين الجمهور العربي من جهة، ولجوء الكثير من الشيعة من العراق إلى الأردن خلال الاحتلال الأميركي من جهة ثانية، وقد ترافق ذلك مع عمل سري للتشيع يستهدف البؤر الفقيرة في الأردن لاستمالة القاطنين فيها إلى المذهب الشيعي مثل مخيم البقعة والسلط وأطراف العاصمة عمّان وغيرها.”

محاربة التمدد الشيعي من قبل السلطات الأردنية تمثل في رفض إقامة حسينيات خشية من تحولها إلى مراكز لنشر المذهب الشيعي، تزامن مع رفض المملكة عرضاً إيرانياً يقضي بتنشيط السياحة الدينية لمواقع شيعية مقدسة في المملكة.

استغلال حرب غزة في الأردن

خلال العدوان الإسرائيلي على غزة تصاعدت حدة المظاهرات التي وصفها البعض بـ “العفوية”، فيما اعتبر مختصون ان إيران وقوى داخلية أردنية وخصوصاً “الاخوان المسلمين” حاولوا توجيه تلك المظاهرات لخدمة مصالحهم.

ومع ذروة العدوان والضربات الإسرائيلية التي استهدفت قادة إيرانيين في الحرس الثوري في سورية بدأت فصائل مسلَّحة شيعية عراقية تقترب من الحدود الأردنية، تحت غطاء “نُصرة القضية الفلسطينية”، ومنعها عبور شاحنات النفط إلى الأردن، الأمر الذي اعتبره مسؤولون أردنيون على أنَّه محاولة إيرانية لزعزعة الاستقرار الأردني، واستغلال الحرب على غزة لتوتير العلاقات الأردنية العراقية وتمرير الأجندة الإيرانية.

كما أثارت تصريحات المسؤول الأمني لكتائب “حزب الله” العراقية، أبو علي العسكري‏، بإن “المقاومة الإسلامية في العراق” أعدت عدتها لتجهيز الأشقاء من مجاهدي المقاومة الإسلامية في الأردن، بما يسدّ حاجة 12000 مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والقاذفات ضدّ الدروع والصواريخ التكتيكية، وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات، مخاوف الأردن من زعزعة الوضع الداخلي.

كما أسهم تصدي الأردن للهجوم على إسرائيل بالصواريخ والمسيرات وإسقاط الكثير منها قبل وصوله إلى أهدافه، توتراً، ولا سيما أن الأردن  اعتبرت الهجوم عبر أجوائها تهديداً لأمنها وسيادتها.

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي “لو كان الخطر قادماً من إسرائيل، لقام الأردن بالإجراء نفسه، ولن نسمح لأي عنصر كان بأن يعرّض أمن الأردن والأردنيين للخطر.”

عدم الثقة باقٍ

يشير مختصون إلى أن العلاقات الأردنية الإيرانية ستبقى سمتها الأساسية “عدم الثقة” بسبب تباين وجهات نظر وأهداف كل من البلدين في الملفات الإقليمية واصطفاف كل منهما بمحوري “المقاومة والممانعة” من جهة، والعلاقة مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة من جهة أخرى، وسعي طهران الى إيجاد موطئ قدم لها في الأردن الذي يمتلك أطول حدود مع إسرائيل.

إن تطور العلاقات بين البلدين يرتبط بالتفاعل في الملفات الشائكة التي تشهدها المنطقة بانتظار انفراجات فيها كالحرب على غزة، والعلاقات بين إيران والدول العربية الفاعلة في المنطقة كالسعودية، والملف النووي الإيراني.