العراق غير مهيئ ليكون قاعدة للرد الايراني على إسرائيل

مع توالي الوساطات الدولية لوقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، تواصل الفصائل العراقية الشيعية المنخرطة في “المقاومة الإسلامية” هجماتها سواء بالمسيرات أو الصواريخ من مواقعها في سورية على مواقع عسكرية إسرائيلية، في تمسك واضح بمبدأ وحدة الساحات لمواجهة إسرائيل.

ومع أن طهران أرجأت، إلى وقت غير معلوم، ردها على الهجوم الإسرائيلي وأطلقت رسائل عدة بعدم تطلعها للرد من العراق، وفق مصادر رسمية عراقية، إلا أن الفصائل العراقية دأبت على مواصلة عملياتها العسكرية من دون أن تعير أي اهتمام لجهود التهدئة أو توقف من نشاطاتها المسلحة، كنوع من الاستعاضة المرحلية للرد الإيراني، وخصوصاً بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية.

كوابح داخلية

ويبدو أن توجيه أي ضربة إيرانية لإسرائيل من العراق أمراً معقداً ومتداخلاً، فرضته عدة عوامل سياسية وعسكرية وجيوسياسية، فالعراق ليس مهيئاً ليكون منصة لضربة إيرانية على إسرائيل. ومن أهم التحديات التي تعيق ذلك:

1 الوضع السياسي الداخلي: فالعراق يواجه تحديات كونه لا يمتلك موقفاً موحداً تجاه الصراع الإيراني – الإسرائيلي، كما أن الحكومة العراقية تسعى للبقاء محايدة بين إيران والولايات المتحدة للحفاظ على استقرارها الداخلي؛ فالشعب العراقي مازال مرهقاً من الصراعات والحروب، وهناك رفض شعبي واسع لفكرة تحويل العراق إلى ساحة حرب بالنيابة عن صراعات دول أخرى، إذ إن أي تحرك لجعل العراق نقطة انطلاق لهجوم إيراني على إسرائيل من المحتمل أن يقابل بمعارضة شديدة من قبل الشعب، ما قد يؤدي إلى اضطرابات واسعة داخل البلاد.

2 النفوذ الدولي: فالولايات المتحدة التي تملك تواجداً ونفوذاً في العراق، ما يجعل من الصعب على إيران استخدام الأراضي العراقية لشن هجوم مباشر على إسرائيل دون أن تواجه معارضة من واشنطن أو من داخل العراق نفسه.

3 قوات الحشد الشعبي: على الرغم أن بعض فصائل الحشد الشعبي العراقية مقربة من إيران، إلا أن استخدام هذه الفصائل لضربة على إسرائيل سيجرّ تداعيات كبيرة على العراق نفسه، ويعرضه لردود فعل عسكرية وسياسية.

4 المعوقات الجغرافية: والى جانب تلك التحديات فان الجغرافية التي تمثلها بعد مسافة العراق عن إسرائيل تجعل أي ضربة تحتاج لمعدات وتقنيات متقدمة، وهو ما يتطلب تجهيزات عسكرية معقدة ليست متوفرة بسهولة.

اعتبارات إقليمية ودولية

وتلعب الاعتبارات الإقليمية لدول المنطقة، مثل الأردن والسعودية، دوراً مهماً؛ فالدول العربية لن تسمح بتحويل العراق إلى قاعدة لهجوم إيراني مباشر على إسرائيل، لأن ذلك سيعرض أمنها للخطر، كما أن العراق الرسمي يسعى بقوة إلى لعب دور متوازن وحيادي في المنطقة، ويعمل على نسج علاقات إيجابية مع دول الجوار، بما في ذلك السعودية والأردن وتركيا، وهو ما يجعل تحويل العراق إلى منصة هجوم مضراً بعلاقاته الدبلوماسية مع هذه الدول، وربما يؤدي إلى عزله إقليمياً.

كما ان اعتماد العراق بشكل كبير على استقرار العلاقات مع الدول الغربية والإقليمية يضمن تدفق الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية وإعادة الإعمار، والدخول في صراع مباشر مع إسرائيل أو السماح لإيران باستخدام أراضيه قد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية، مما يزيد من التحديات الاقتصادية التي يعاني منها بالفعل.

وفي حال رغبة طهران بضرب إسرائيل، فمن غير المرجح أن تقوم بذلك من خلال إطلاق هجمات مباشرة من الأراضي العراقية، نظراً للطبيعة الحساسة للعراق وعدم الاستعداد لهذا النوع من العمليات. فإيران تميل إلى استخدام أساليب غير تقليدية، مثل دعم الجماعات المتحالفة معها أو استخدام قدراتها الصاروخية من داخل أراضيها لتجنب تعقيدات الحرب المباشرة.

ويمكن القول أن العراق ليس مهيئاً أو جاهزاً عملياً أو سياسياً ليتحول إلى قاعدة لأي ضربة إيرانية تجاه إسرائيل، على الأقل في الظروف الحالية اثر تداخل الاعتبارات السياسية، الاقتصادية، والأمنية، ورغبة العراقيين في الاستقرار وإعادة بناء بلادهم.