الضفة الغربية أمن قومي أردني

يشكل العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي لم يبدأ في وقائعه منذ أواخر آب/ أغسطس المنصرم إنما حتى قبل العدوان على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حدثاً بارزاً ذا تأثير كبير على الأمن القومي في الأردن، وخصوصاً مع وجود يمين إسرائيلي متطرف في السلطة، يعتبر أن الأردن هي وطن الفلسطينيين الذي يطمح هذا اليمين المتطرف إلى تهجيرهم من أرضهم.

على أن تصعيد العدوان الإسرائيلي في آب/ أغسطس الماضي، بما يحمله من أبعاد، يطرح مسألة خيارات الأردن لمواجهة المطامع الإسرائيلية المتطرفة.

تصعيد هو الأكبر

إذاً، على الرغم من قيام الاحتلال الإسرائيلي بالاعتداء المستمر على الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بعد عملية طوفان الأقصى، إلا أن التصعيد الذي بدأ في 27 آب/ أغسطس بمشاركة مئات الجنود والطائرات بدون طيار والطائرات الحربية، يعتبر أكبر عدوان في الضفة المحتلة “السور الواقي” قبل أكثر من 22 عاماً.

فقد داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلية 4 مدن فلسطينية على الأقل في شمال الضفة الغربية بشكل متزامن، وهي جنين وطولكرم ونابلس وطوباس، إلى جانب القرى والبلدات ومخيمات اللاجئين القريبة من هذه المدن، مما أسفر عن سقوط مئات الشهداء والجرحى.

وزعمت الحكومة الإسرائيلية أن هجومها على الضفة جاء لـ “تفكيك البنى التحتية الإرهابية الإيرانية الإسلامية المقامة هناك.”

عدوان واستيطان

العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية لم يكن عملية عادية، وانما يأتي ضمن عوامل ومعطيات تشير إلى تهديد حقيقي وكبير على أمن الضفة الغربية، ويترك تداعيات كبيرة على الامن القومي للمملكة التي تشكل الضفة الغربية بعداً استراتيجياً لها.

ويمكن استشعار الخطر من العديد من التصريحات من قبل قادة اليمين المتطرف، بل من أعضاء ووزراء في حزب الليكود، ومنهم وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس الذي اعتبر أن “التهديد في الضفة مثل التهديد في غزة، ويجب التعامل معه مثلما تم التعامل مع غزة”، وهذا يمثل عقدة في التفكير الاستراتيجي للاحتلال اذ تشكل المشكلة الديمغرافية له تحد كبير لأمنه القومي ويسعى لحل هذا التحدي بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، لذلك تسعى إسرائيل لالتقاط فرصة انهيار المعايير الأخلاقية والإنسانية على مستوى العالم، بهدف تهجير الفلسطينيين من الضفة الى الأردن، وتحقيق ما تسعى اليه في تصفية القضية الفلسطينية من خلال تحقيق “الوطن البديل” للفلسطينيين في الأردن، وتعزيز يهودية إسرائيل.

كما جاء العدوان مع قيام إسرائيل هذا العام بمصادرة أراض من الضفة الغربية بعملية وصفت بأنها “الأكبر” خلال 3 عقود، حيث استغلت الحكومة الإسرائيلية ظروف العدوان على غزة وعملت على توسيع المستوطنات بقيادة وزير الامن القومي المتطرف ايتمار بن غفير، مما ضاعف حجم الاستيطان وذلك للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

قلق أردني

تشعر القيادة الأردنية بقلق بالغ من العدوان الإسرائيلي على غزة وتوسعه ليشمل الضفة الغربية، خصوصاً أن العلاقات بين الأردن إسرائيل هي الأسوأ منذ توقيع اتفاقية وادي عربة بينهما، معتبرة أن ما يجري في الضفة ليس مجرد عملية عسكرية عادية، وانما يأتي في إطار عملية استيطانية توسعية تتجاوز الذرائع المعلنة لإسرائيل بالخوف من هجمات المقاومة، وفي ضوء مطامع إسرائيلية متجددة تستهدف الأردن من خلال تهجير الفلسطينيين.

وقال وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، إن الأردن سيتصدى لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني داخل أرضه المحتلة أو إلى خارجها بكل الإمكانات المتاحة، معتبراً أن كل ما تدعيه إسرائيل حول أسباب شن عدوانها على الضفة الغربية “كذب”.

وأكد الصفدي أن الأردن يرفض ما يزعمه وزراء إسرائيل “العنصريون المتطرفون الذين يختلقون الأخطار لتبرير قتلهم الفلسطينيين وتدمير مقدراتهم”، محذراً من أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة هم الخطر الأكبر على الأمن والسلم.

كما أعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في كلمة له في الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، رفضه لما يروجه اليمين المتطرف في إسرائيل لفكرة الأردن كـ “وطن بديل” للفلسطينيين، مشيراً إلى أن هذا لن يحدث ابداً.

ووصف عملية “التهجير القسري” للفلسطينيين، بأنها “جريمة حرب”، لافتاً إلى أنه “لسنوات، مد العالم العربي يده إلى إسرائيل عبر مبادرة السلام العربية، مستعداً للاعتراف بها وتطبيع العلاقات معها، مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اختارت المواجهة، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها.”

خيارات الأردن

تمتلك الأردن خيارات صعبة لمواجهة سياسات اليمين المتطرف في إسرائيل جراء سعيها فرض واقع جديد وتصفية القضية الفلسطينية والغاء حل الدولتين وتهجير الفلسطينيين وانتهاكات الأماكن المقدسة المستمرة.

وصعوبة الخيارات بأنها تأتي من خلال العلاقات السياسية مع الفاعلين الدوليين والإقليميين والحفاظ على توازن دقيق ضمن لعقود استقرار المملكة، واتفاقية السلام مع إسرائيل، والغضب الشعبي في الداخل الذي يطلب بإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي بسبب العدوان الوحشي الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

لذلك فأن الأردن سيحاول سياسياً الاستفادة من علاقاته مع الفاعلين الدوليين وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا في لجم مطامع اليمين الإسرائيلي المتطرف، والتهديد بمراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل الموقعة في سنة 1994، والقيام بعمل دبلوماسي نشيط عربياً واسلامياً لمواجهة السياسات الإسرائيلية، وإعداد ملفات قانونية للتحرك في المحاكم الدولية لمواجهة اعتداءات الاحتلال في الضفة والقدس، والتهديد بإغلاق الحدود والمجال الجوي في وجه إسرائيل بالإضافة الى القيام باستعدادات عسكرية تظهر جدية الحكومة الأردنية في التصدي لأي طارئ.

ويبقى من أهم العوامل لمواجهة تلك التحديات الكبيرة التي تتعرض لها المملكة هي الجبهة الداخلية وتماسكها، إذ استشعر الشارع الأردني الخطر الكبير الذي يحيط ببلدهم، وهذا من شأنه أن يكون العامل الأساسي والمؤثر لمواجهة أية تطورات بوجود يمين إسرائيل متطرف مدعوم غربيا لا يفهم إلا لغة القوة والبطش.