التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري خطير على أمن الأردن

يشكل التوغل الإسرائيلي المتواصل في الجنوب السوري منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل أكثر من 3 أشهر حدثاً بالغ الأهمية في رسم المنطقة.

وتثير تلك التطورات العديد من القضايا والتساؤلات بشأن أمن الأردن الجيوسياسي، والمخططات التوسيعية لإسرائيل، وخيارات المملكة في التصدي للمشروع العدوانية لليمين المتطرف الإسرائيلي المدعوم أميركياً.

عدوان إسرائيلي متواصل

كثفت إسرائيل من عملياتها البرية والجوية في سورية، مستهدفة معظم قدرات الجيش السوري بعد أقل من 48 ساعة من سقوط نظام بشار الأسد منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 بحجة منع السلطات الجديدة من الحصول على ترسانة الجيش السابق.

كما تعمل إسرائيل حتى الآن على احتلال المزيد من الأراضي في جنوب سورية، منتهكة اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في سنة 1974، إذ لا تزال تتوغل في ريفي القنيطرة ودرعا، ولا سيما في حوض اليرموك المائي على الحدود السورية والأردنية حيث أنشأت العديد من النقاط العسكرية في تلك المناطق زاعمة أنها تحركاتها لحماية امنها القومي.

وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجعل جنوب سورية منطقة “منزوعة السلاح”، مشيراً إلى أنه سيتم منع الحكومة السورية الجديدة من إرسال قوات إلى الجنوب من دمشق.

كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن بقاء القوات الإسرائيلية في تلك المناطق سيستمر طالما أن ذلك ضروري، يؤيد ذلك التصريحات الأخيرة الصادرة عن إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الوجود العسكري في سورية لم يعد مؤقتاً وسيستمر خلال سنة 2025.

أمن الأردن في خطر

الأردن أدان مراراً على لسان مسؤوليه وعلى رأسهم العاهل الأردني عبدالله الثاني ووزير الخارجية ايمن الصفدي التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري.

ودعت الأردن مجلس الأمن إلى التحرك “فوراً” لتطبيق القانون الدولي، معتبرة ما حدث خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وتصعيداً خطراً لن يسهم إلا في تأجيج التوتر والصراع.

فالتوسع العدواني الإسرائيلي في جنوب سورية وضع المملكة أمام تحديات سياسية وعسكرية خطيرة تهدد أمنها حيث بات الوجود الإسرائيلي على حدود المملكة الغربية والشمالية في آن معاً.

ويفرض تنامي النفوذ العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي على الحدود الشمالية للأردن وضعاً أمنياً معقداً، بحيث تصبح الحدود الشمالية أكثر عرضة للاختراق أو تحركات عسكرية غير معلنة، أو حتى تصعيد محتمل ضد الجماعات المسلحة في الجنوب السوري، مما قد يعرض الأردن لأخطار التورط غير المباشر في صراعات إقليمية.

كما أن الاحتلال الإسرائيلي في جنوب سورية عرض المملكة لضغوط عسكرية تفرض عليها زيادة لانتشار قواتها على الحدود مع سورية والتأهب لأي طارئ، فضلاً عن الضغط السياسي الناجم عن هذا الوجود الذي من شانه إضعاف خيارات الأردن السياسية في مواجهة المخططات الإسرائيلية المدعومة أميركياً في التوسع والتهجير.

ومن غير المستبعد أن يؤثر التوغل الإسرائيلي على انسياب الحركة التجارية عبر الأردن في حال اقترب ذلك التوغل من الطريق الدولي بين الأردن وسورية والذي يمر عبر درعا.

وسوف يؤثر التوغل الإسرائيلي ومحاولة إسرائيل فرض منطقة معزولة السلاح في جنوب سورية على التوافقات الأخيرة بين دمشق وعمان، والتي تشمل مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، كما سيكون لهذا التوغل تأثير سلبي على عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهمن إذ إن معظمهم من المنطقة الجنوبية، وقد ينجم عنها موجة لجوء جديدة الى الأردن.

الأمن المائي

القلق الأردني من التوسع الإسرائيلي في جنوب سورية لا يقتصر على التحديات السياسية والأمنية فقط، بل إن هناك تحد بالغ الأهمية يتعرض بملف المياه والأمن المائي للملكة التي تعبر أفقر 2 بلد في العالم من حيث الثروة المائية.

لقد وصلت القوات الإسرائيلية الى مناطق قريبة من الحدود الأردنية وصولاً إلى قرية كويا، وسيطرت على عدد من السدود منها سد الوحدة (سعته التخزينية 225 مليون متر مكعب) الذي يشكل مصدراً مائياً حيوياً للأردن وسورية، والذي يشكل نحو 40% من الموارد المشتركة بين سورية والأردن.

ويسكل سعي إسرائيل للسيطرة على الثروة المائية أولوية استراتيجية منذ بدايات الحركة الصهيونية، والتي تتمحور حول تعظيم استخدام المياه على حساب الأمن المائي للدول المجاورة.

إن احتلال إسرائيل للبنية التحتية للثروة المائية في الجنوب السوري يشكل تهديداً كبيراً مباشراً على كل من سوريا والأردن سيكون له تداعيات كبيرة على أمنهما المائي.

مواجة حتمية مع إسرائيل

تفرض التطورات في الجنوب السوري استجابة سريعة من المملكة بسبب تأثيرها الكبير على أمنها الوطني، مع وجود محددات تتعلق بإحجام الإدارة الجديدة في سورية عن مواجهة إسرائيل لإدراكها انعدام توازن القوى بين البلدين من جهة، وسياسات اليمين المتطرف في إسرائيل المدعوم أميركيا المتعطش لاحتلال مزيد من الأراضي والثروات الطبيعية في المنطقة من جهة ثانية، والتنافس بين مشاريع تركيا وإسرائيل في سورية.

لذلك على الأردن التحرك لمواجهة المزاعم الإسرائيلية التي تعتبر الإدارة الجديدة والتي تشكل “هيئة تحرير الشام” المكون الأساسي لها هي امتداد لتنظيم القاعدة ومنعها من أي تواجد عسكري في الجنوب، وسحب تلك الذريعة من الإسرائيليين، بالإضافة إلى المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم سورية ودول المنطقة.

ويمكن للأردن، النشط سياسياً ودبلوماسياً، العمل على بذل الجهود في استثمار الموقف العربي والإقليمي والدولي المندد بقيام إسرائيل بخرق اتفاقية فصل القوات بين إسرائيل وسورية لسنة 1974.

وتفرض التطورات على الأردن والإدارة الجديدة في سورية الاتفاق على تقديم الدعم الفني والتدريب العسكري للجيش السوري الجديدة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإمكانية الاتفاق على تواجد عسكري عربي أردني في تلك المنطقة.

ومن الخيارات المتاحة إمكانية استثمار العلاقات الجيدة للأردن مع المجتمعات في جنوب سورية في السويداء ودرعا والاستفادة منها في مواجهة المشروع الإسرائيلي وذلك بالتعاون مع الإدارة الجديدة.

كما يعتبر الحوار مع الولايات المتحدة، الحليف الأقوى للمملكة في المنطقة أمراً بالغ الأهمية في أخذ تأثير التطورات على الأمن القومي للمملكة في عين الاعتبار والضغط على إسرائيل للانسحاب من الجنوب السوري، واعتبار ان استقرار سوريا في مصلحة الجميع في المنطقة.