الانفصال الكردي في سورية محكوم بالفشل

يعتبر إعلان “الإدارة الذاتية” في شمال سورية، والتي يعتبر المكون الأساسي لها الاكراد، بإجراء انتخابات بلدية ثم تأجيلها إلى آب/ أعسطس القادم، الحدث الأبرز في المنطقة حيث تُثار المخاوف من النزعة الانفصالية في شمال شرق سورية.

وعلى الرغم من أن الأكراد يحاولون فرض واقع سياسي جديد مستفيدين من سيطرتهم على منطقة فيها أهم ثروات سورية، ومن واقع إقليمي معقد، إلا أن الرفض الداخلي والإقليمي الشديد لأي نزعة انفصالية، سيجعل منها خطوة محكومة بالفشل، وخصوصاً أن ذلك يترافق مع موقف دولي لا يؤيد هذه الخطوة ويطالب بحل سياسي في إطار سورية موحدة.

بادرة خطيرة

إذاً، في بادرة خطيرة، أعلنت الإدارة الذاتية عن إجراء انتخابات بلدية في 11 حزيران/ يونيو، في مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، بالتزامن مع تهديد لجان الأحياء التابعة لـ “قسد” سكان مناطق شمال شرق سورية بحرمانهم من الخبز والغاز والمازوت والخدمات في حال عدم مشاركتهم في تلك الانتخابات التي أجبرتهم خلال الاستعداد لإجرائها على تسلّم البطاقات الانتخابية.

معارضة سورية

اعلان اجراء الانتخابات قوبل برفض النظام والمعارضة والعشائر العربية في مناطق سيطرة “قسد”.

فالنظام دأب في السنوات الماضية يحذر من النزعة الانفصالية للأكراد، ويسعى إلى استعادة المنطقة الغنية بالثروات الباطنية والزراعية، رافضاً محاولات الأكراد الذين يتهمهم بالعمالة للولايات المتحدة، على الرغم من خوضه عدة جولات حوار معهم برعاية روسية بهدف الاعتراف الدستوري بالأكراد، واعتبار “قسد” جزءاً من المنظومتين الأمنية والعسكرية للنظام، مقابل التفاهم على اقتسام الثروتين النفطية والزراعية.

أمّا في ساحات المعارضة، فقد أعلنت هيئة التفاوض التي ينضوي تحتها المجلس الكردي، أن الانتخابات التي تجهز لها الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية هي محاولة للتقسيم من قبل إدارة غير شرعية تتبع لمنظمة تصنف بأنها إرهابية، أي حزب العمّال الكردستاني.

بدورها نددت العشائر العربية بمحاولات حزب العمال الكردستاني وقوات قسد تقسيم سورية من خلال العقد الاجتماعي والانتخابات التي تعتزم تنظيمها، مؤكدة أن الشعب في غالبيته، يقف ضد تلك الممارسات ومتمسك بوحدته وبالعيش المشترك.

تركيا تهدد

الخطوة الكردية قوبلت برد فعل قاس من تركيا التي تعتبر أن هذا الأمر يأتي في سياق للانفصال عن سورية وتأسيس دويلة على حدودها الجنوبية، سيكون لها بالغ الأثر على إذكاء مشاريع الانفصال في تركيا.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لن تسمح أبداً “للتنظيم الانفصالي بإنشاء دويلة إرهابية في الجانب الآخر من حدودنا الجنوبية شمالي سورية والعراق”، مضيفا “نحن نتابع عن كثب الأعمال العدوانية التي تقوم بها المنظمة الإرهابية ضد سلامة أراضي بلدنا وسورية بحجة الاستفتاء.”

وهددت تركيا بشن عملية عسكرية رابعة في شمال شرق سورية ضد الإدارة الذاتية في خطوة تصعيدية لمنع الانتخابات الكردية.

واشنطن غير راضية

الولايات المتحدة التي يُعتبر موقفها الأكثر تأثير في موضوع الانتخابات بمناطق سيطرة “قسد” الحليفة لها، بدت غير راضية من الخطوة، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل في معرض تعليقه على اعلان الإدارة الذاتية أن “أي انتخابات ستجرى في سورية يجب أن تكون شاملة، مثلما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي 2254″، موضحا “لا نعتقد أن هذه الشروط متوافرة حالياً بما يتعلق بالانتخابات المقرر إجراؤها في شمال شرق سورية، وقد نقلنا هذا الرأي إلى الجهات الفاعلة في هذه المنطقة.”

خطوة محكومة بالفشل

باحثون مختصون استفتاهم “موقع التقرير العربي” رأوا أن الخطوة الكردية تتعارض مع الحل السياسي بموجب القرار الاممي 2254 الذي تم التوصل إليه في جنيف في سنة 2015، والمتمثل في تأسيس حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد واجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وأضافوا أن هذه الخطوة المنفردة جاءت في محاولة للاستفادة من المناخ المتوتر في المنطقة بالإضافة إلى محاولة لإشغال تركيا عن القيام بعملية عسكرية مزمعة ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

ويرى مراقبون أن الخطوة الكردية محكوم عليها بالفشل لعدة أسباب، أولها أن الوضع في شمال شرق سورية غير مستقر خاصة بين العشائر العربية و”قسد” التي وصلت إلى اندلاع معارك بين الطرفين في الآونة الأخيرة، وذلك احتجاجاً على ممارسات قوات سورية الديمقراطية، فضلاً عن رفض السلطات السورية وهيئة التفاوض، الجسم السياسي الأكبر الذي يجمع أطياف معارضة عدة.

وأضافوا أن الوضع الإقليمي، وخصوصاً في الدول التي ينتشر فيها الاكراد (سورية وتركيا والعراق وإيران) لها موقف موحد يقضي برفض مطلق لإقامة دولة كردية في المنطقة، لافتين إلى أن الحديث عن الانتخابات المحلية أدى لمواقف إيرانية عراقية تتحدث عن إحياء وساطات لتقريب وجهات النظر بين انقرة ودمشق، يضاف إلى أن المجتمع الدولي أيضا لا يؤيد إلى الآن فكرة إقامة دولة كردية.

يبدو أن الخطوة الكردية بفرض واقع سياسي جديد في المنطقة لن يؤدي الى أي نتائج لمصلحتها، ولا يغيب عن الاذهان ما حدث في أيلول/ سبتمبر 2017، عندما أجرى إقليم كردستان استفتاء للانفصال عن العراق وقوبل برفض عراقي إقليمي دولي، أسفر عن فرض حصار على الإقليم، ما دعا القيادات الكردية إلى التراجع عنه.