الاقتصاد المصري بين الإنعاش والصدمات المفاجئة
تواجه مصر في الوقت الراهن جملة من التحديات الاقتصادية في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وضعف العملة المحلية، وتزايد عبء الدين الخارجي، بالتزامن مع تبني برنامج إصلاحي مدعوم من صندوق النقد الدولي (IMF)، يضغط بدوره على الطبقات الأكثر احتياجاً. وقد شرعت الحكومة المصرية في سلسلة إجراءات حادة لرفع كفاءة الاقتصاد، تشمل: تخفيض الدعم الحكومي؛ تنفيذ سياسات تقشفية؛ طرح عدد من الشركات الحكومية للبيع بهدف جمع سيولة بالدولار؛ تعزيز دور القطاع الخاص.
وبحسب وكالة رويترز، تشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي، قد ينمو بنسبة تقارب 4% خلال السنة المالية الحالية (حتى حزيران /يونيو 2025) مع توقع تسارع النمو إلى 4,7% في 2025/ 2026، و5% في 2026/ 2027، وذلك بفضل مواصلة الإصلاحات والتحسينات التي شرعت الحكومة في إجراءها في بيئة الاستثمار.
ويُذكر أنّه منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي، شهد سعر صرف الجنيه المصري انخفاضاً ملحوظاً وحالياً يُتداول الجنيه بنحو 50,3 جنيهاً مقابل الدولار، ومن المتوقع أن يرتفع سعر صرف الدولار إلى 52 جنيهًا بحلول نهاية حزيران/ يونيو 2025، وإلى 54,75 جنيهًا بحلول حزيران/ يونيو 2026، وفقاً لتوقعات رويترز.
خدمة الدين ومحاولات الإنقاذ
يواجه الاقتصاد المصري عبئاً متزايداً بسبب الديون، إذ وصلت مدفوعات الفوائد وأقساط القروض إلى ما يقارب 42,3 مليار دولار في سنة 2024، وهي أعلى فاتورة سُجلت على الإطلاق. ويرجع ذلك إلى ارتفاع الدين الخارجي، الذي وصل إلى نحو 165 مليار دولار، بينما لا تتجاوز الاحتياطيات النقدية حوالي 35 – 46 مليار دولار أميركي. ويعد هذا الوضع من أبرز المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري، إذ يستدعي الأمر اتخاذ إجراءات عاجلة لتقليص عجز الموازنة، وطرح أصول استراتيجية للبيع، لجمع عملة أجنبية، لدعم الدين وخفض تكاليف الخدمة المستقبلية للدين.
وفي إطار الجهود الحكومية لتحسين الوضع المالي، وتخفيف الضغط على احتياطيات العملة الأجنبية، أُطلقت مصر برامجاً جديداً لطرح عدد من الشركات الحكومية للبيع. وكانت الحكومة المصرية أعلنت في تشرين الثاني / نوفمبر 2023 عن نية طرح 32 شركة كجزء من برنامج للطروحات الحكومية، وقد تمّ إعداد نحو 61 شركة جديدة للبيع، بما في ذلك عدد من البنوك والمؤسسات الاستراتيجية، بهدف تحقيق عوائد تصل إلى 6,5 مليار دولار، وتشمل هذه الشركات مؤسسات حكومية متعددة، من ضمنها عدد من البنوك وبعض الشركات الاستراتيجية في قطاعات مختلفة. ويهدف هذا البرنامج إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتوفير سيولة بالدولار لمواجهة ضغوط العجز التجاري وخدمة الدين العام، إلى جانب تعزيز الشفافية وتحسين بيئة الاستثمار في البلاد.
وتشير التقارير إلى أنّ عملية البيع تجري بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) لتقديم الاستشارات الاستراتيجية، حيث يُنظر إلى بيع هذه الشركات كخطوة رئيسية لتحرير الاقتصاد وتحقيق إصلاحات هيكلية ضرورية.
وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة أوسع، لتقليل حجم الملكية الحكومية والاعتماد بشكل أكبر على القطاع الخاص، مما من شأنه تعزيز السيولة وتحسين بيئة الاستثمار.
خطة الحكومة المصرية
تعتمد خطة الحكومة المصرية لتجاوز الأزمة على سلسلة إجراءات حادة لرفع كفاءة الاقتصاد، على المحاور التالية:
الإصلاح المالي: وذلك من خلال تقليل الدعم الحكومي في قطاعات الطاقة والكهرباء، ورفع الضرائب غير المباشرة، وخفض الرواتب في بعض القطاعات.
الحزمة الاجتماعية: تم تفعيل حزمة حماية اجتماعية تشمل رفع الحد الأدنى للأجور وتوفير دعم مباشر للفئات الضعيفة، وزيادة الأجور في القطاع العام.
الخصخصة: تسعى الحكومة إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات، خلال السنوات القادمة من خلال بيع أصول وشركات حكومية.
الدعم الدولي: من خلال عقد اتفاقيات جديدة مع الدول المانحة، وتشمل الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي (اتفاقية تمويل بقيمة 4 مليارات يورو)، واتفاقيات مع الإمارات وحزمة دعم من صندوق النقد الدولي تبلغ 8 مليارات دولار.
مشروعات جديدة: تم توقيع صفقات استراتيجية كصفقة رأس الحكمة، التي بلغت قيمتها 35 مليار دولار، وصفقات مشتركة في قطاع الغاز الطبيعي (مشروع Arcius Energy).
وتعمل مصر على تنويع مصادر العملة الأجنبية عبر مشروعات البنية التحتية والطاقة، تشمل مشاريع في مجالات الغاز الطبيعي والتكرير، والاستثمار في الطاقة المتجددة مثل مشاريع الطاقة الشمسية والرياح. مع إطلاق برامج دعم الصادرات؛ بهدف رفع قيمة الصادرات إلى 145 مليار دولار بحلول العام 2030.
يتزامن ذلك مع محاولات تحسين مناخ الاستثمار، من خلال إصلاحات تشريعية وإجراءات “التراخيص الذهبية” التي تسرع إجراءات الاستثمار. وكذا تبني إجراءات لجذب التحويلات من المصريين في الخارج، عبر طرح شهادات ادخار بالدولار، وتسهيل عمليات استلام الأموال.
الواقع واحتمالات المستقبل
بشكل عام، ما زال الاقتصاد المصري يواجه تحديات كبيرة تتعلق بارتفاع الدين، وضعف العملة، والعجز التجاري، ومع ذلك تبذل الحكومة جهوداً جادة عبر برنامج إصلاحي مدعوم دولياً يشمل خصخصة الشركات الحكومية وتفعيل جملة من الحزم الاجتماعية، وانتهاج سياسات تقشفية. وستعتمد النتائج المستقبلية على نجاح هذه الإصلاحات في جذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر الدخل، بالإضافة إلى تحقيق استقرار سعر الصرف. السيناريو الأساسي يتوقع نمواً معتدلاً واستقراراً نسبياً، بينما يمثل السيناريو التفاؤلي حالة نجاح شاملة، في مقابل سيناريو تشاؤمي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وجميع الإجراءات التي تعتمدها وسوف تعتمدها الحكومة، ستكون تحت مراقبة ملازمة وضرورية لمعرفة إلى أي حد يُمكن أن تفيد، أو أن تؤذي الاقتصاد، وبالتالي معيشة المصريين، وذلك فق السيناريوهات المقترحة:
السيناريو الأساسي: إذا استمرت الإصلاحات بفعالية، مع تحسن بيئة الاستثمار وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وتوفير الدعم الدولي اللازم، فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 4 – 4,5% في العام المالي الحالي، مع استقرار نسبي للجنيه، وفق التوقعات المذكورة (نحو 52 جنيه للدولار بحلول حزيران/ يونيو 2025). الأمر الذي سيساعد في تقليل عبء خدمة الدين وتحسين الثقة بين المستثمرين.
السيناريو المتفائل: في حال تزامنت الإصلاحات مع جذب استثمارات أجنبية كبرى (مثل الصفقات في قطاع الغاز والطاقة المتجددة)، وتحسن أوضاع التجارة الخارجية واستقرار الأوضاع السياسية في المنطقة، مع زيادة الصادرات وتحسن السياحة، وتأمين المجرى البحري لقناة السويس، فقد يرتفع معدل النمو الاقتصادي إلى 5% أو أكثر خلال السنوات القادمة، وقد يشهد سعر الصرف اعتدالاً أكثر ممّا هو متوقع، ممّا يقلل من تكلفة خدمة الديون.
السيناريو الأسوأ: إذا استمرت الضغوط الخارجية، مع استمرار العجز التجاري الكبير، وارتفاع تكلفة خدمة الدين، إلى جانب تأخر تنفيذ الإصلاحات، وحدوث مفاجآت على صعيد الصراعات السياسية في الشرق الأوسط، فقد يتعرض الاقتصاد لمزيد من التدهور، إذ قد ينخفض الجنيه أكثر من المتوقع (أكثر من 55 جنيهاً للدولار بحلول حزيران/ يونيو 2026)، ويرتفع العجز إلى مستويات تهدد استدامة الدين، مما يزيد من خطر التخلف عن سداد الديون الخارجية.