الاخوان المسلمين والانتخابات البرلمانية المقبلة في الأردن
شكل فوز التيار الاسلامي في انتخابات الجامعة الأردنية و”الهندسة الانتخابية” لاستبعادهم من المناصب الإدارية مؤشراً مهما للانتخابات البرلمانية المقبلة في البلاد المقررة في 10 أيلول/ سبتمبر المقبل.
هذا الأمر أثار تساؤلات عدة أهمها تأثير الإسلام السياسي، وخصوصاً جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي “جبهة العمل الإسلامي” ووزنها في الشارع في هذه المرحلة، وهل ستستعيد الجبهة وزنها السياسي في خريطة السلطة التشريعية في البلاد، وهل الانتخابات ستكون اختباراَ للإصلاحات السياسية التي أُقرت مؤخراً، وعن طبيعة العلاقة بين الإسلام السياسي والنظام الأردني في ظل مناخ إقليمي متوتر؟
الانتخابات الطلابية تبعث رسائل مهمة
أثار فوز ممثلي التيار الاسلامي “أهل الهمة” في الانتخابات الطلابية في الجامعة الأردنية في 21 أيار/ مايو الفائت بنسبة 50% من الأصوات، وما تبع ذلك من هندسة انتخابية أدت إلى اقصاء الفائز عن الهيئات الطلابية التنفيذية في الجامعة، جدلاً ونقاشاً واسين خارج نطاق الجامعة، لجهة إمكانية فوز حزب “جبهة العمل الإسلامي” في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والذي يعتبر أكبر أحزاب المعارضة في المملكة، وتوقعات وضع عراقيل أمام الإسلاميين تحد من حصولهم على حصة كبيرة في مجلس النواب.
ويسعى الحزب الذي أعلن عن مشاركته في الانتخابات المقبلة، إلى استعادة تأثيره السياسي والاجتماعي على الساحة الأردنية، وذلك بعد تراجع تمثيله في مجلس النواب في السنوات الأخيرة، مستفيداً من الخطوات الإصلاحية الأخيرة المتعلقة بقانوني الأحزاب والانتخابات من خلال تخصيص 41 مقعداً للأحزاب من أصل مقاعد المجلس الـ 138.
تَدخُّل في مسار الانتخابات
يسري حديث في أوساط الحركة الإسلامية عن تحرك الأجهزة الرسمية باتجاه العمل على عدم فوز الإسلاميين بأكثرية المقاعد المخصصة للأحزاب. والتدخل في مسار الانتخابات بدأ فعلاً من خلال اعاقة مرشحي حزب الجبهة من بناء قوائم تحالفية انتخابية مع قوى وشخصيات سياسية واجتماعية وعشائرية، وبالتالي فإن سيناريو الانتخابات الطلابية قد يتكرر في الانتخابات البرلمانية.
ويهدف الحديث العلني لمسؤولين وسياسيين إسلاميين بشأن التدخل في الانتخابات إلى الضغط على الأجهزة الرسمية للتقليل من تدخلها، وإلى التسويق السياسي من خلال اظهار حجم الاستهداف الذي يتعرض له الإسلاميون في الساحة السياسية.
التنافس الحزبي
تبثُّ جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي خطاباً بأنها لا تسعى للمغالبة ولا الاستحواذ في الانتخابات، ولهذا الخطاب مبرراته المنطقية والواقعية، ومنها تراجع ثقل الجماعة في مجلس النواب بعد أن كانت تشكل الكتلة المعارضة الأساسية، إذ تراجع تمثيلها إلى 5 مقاعد في البرلمان الأخير في سنة 2020، كذلك فإن إعلان الجماعة المشاركة في العملية السياسية يأتي قناعة بأن الانتخابات المقبلة ليست سهلة في ظل المنافسة المحمومة التي ستشهدها كون عدد الأحزاب المشركة يبلغ 38 حزباً.، الأمر الذي يعني نشوء تنافس حاد بين الأحزاب ستنشئ للفوز بالحصة الأكبر من المقاعد، لكن التساؤل الأهم يبقى: هل ستكون تلك الأحزاب مكافئة للتيار الإسلامي وتنافسه على الفوز بالانتخابات؟ هذا يرتبط بقدرة تلك الأحزاب على اقناع الشارع من خلال البرامج الانتخابية التي سيطرحها الحزب من جهة والتحالفات بين الأحزاب من جهة أخرى.
ففي الأعوام الماضية، طور حزب جبهة العمل الاسلامي خطابه السياسي بما يتوائم مع المفاهيم الديمقراطية، وأصدر ورقة اقتصادية في سنة 2022 تتضمن نظرته للمشاكل الجمة التي تشهدها البلاد مدعمة بالأرقام والمعرفة الاقتصادية، بعيداً عن الخطاب الإنشائي البسيط السطحي، الذي هيمن على خطاب الإسلاميين سابقاً، وهذا من شانه أن يكون عاملاً مساعداً في حصول الحركة على أصوات الناخبين.
الإسلاميون والعشائر
وتشكل العلاقة بين الأحزاب والعشائر احدى المحددات المهمة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولاسيما أن الاحصائيات الأخيرة المنشورة في البلاد أظهرت أن استقطابات الأحزاب الجديدة اعتمدت على الروافع العشائرية.
فالعلاقة بين الاخوان والعشائر في الأردن تتصف بـ “التاريخية” وهي ذات طبيعة حساسة ومعقدة، حيث بنت الجماعة قاعدتها الشعبية بجهود رموز عشائرية، وكذلك فإن التداخل بينهما ارتبط بالانتخابات المحلية والبرلمانية، ففي السنوات الأخيرة تراجع دعم العشائر للجماعة جراء تزايدت الضغوط الحكومية على الجماعة للحد من نفوذها السياسي، وخصوصاً بعد اندلاع ما يعرف باسم ثورات الربيع العربي.
وقد تشهد الانتخابات المقبلة تحالفات بين العشائر وجبهة العمل الإسلامي التي بدأت بالفعل بمحاولة اقناع رموز عشائرية للتحالف معها في القوائم الفرعية بغية تحقيق مكاسب انتخابية تعيد للجبهة وزنها السياسي الذي فقدته في السنوات الأخيرة، وذلك في حال خسارة مرشحيها الذين ينتمون تنظيمياً للجبهة.
الوضع الإقليمي يفرض نفسه
من المحددات التي قد تؤثر على الانتخابات البرلمانية المقبلة، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حيث صعد الاسلاميون في الأشهر الأخيرة من موقفهم بتنفيذ العديد من الاحتجاجات الداعمة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بهدف التأثير على الموقف الرسمي الأردني لاتخاذ خطوات مهمة متل قطع العلاقات مع إسرائيل، في مقابل قيام الحكومة الأردنية بدور إغاثي من خلال تنفيذ انزالات جوية تحمل مساعدات لأهالي غزة، وتنظيمها حملة دبلوماسية سياسية لإدانة العدوان وتعريته.
وسوف يكون للوضع الإقليمي تأثير على أصوات الناخبين لصالح الإسلاميين، وخصوصاً أن موقفهم يتماهى مع موقف معظم العشائر الأردنية التي نظمت الأردنية مهرجانات خطابية وأصدرت بيانات عبرت فيها عن موقفها المساند للفلسطينيين، بل إن عشائر أخرى لوحت بحمل السلاح.
امتحان للإصلاحات
تعد الانتخابات البرلمانية المقبلة أول امتحان حقيقي لجملة الإصلاحات السياسية الأردنية، وهذا يرتبط بجزء منه باستعداد الاحزاب لخوض هذا الاستحقاق، فجبهة العمل الإسلامي لديها باع طويل في المشاركة الانتخابية، وهذا ما يميزها عن الكثير من الأحزاب خاصة الجديدة.
لكن المعضلة، أو المشكلة الأساسية التي قد تؤدي الى توترات كبيرة، هي العلاقة بين جبهة العمل الإسلامي والنظام الأردني، إذ اتسمت المرحلة السابقة بالحذر وصل الى حد القطيعة في بعض المحطات، وهذه العلاقة مرشحة للتوتر بشكل أكبر في خضم وضع إقليمي معقد مرتبط بتباين وجهات النظر بين الجانبين بتطورات وتداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، الأمر الذي يُمكن أن يفرض نفسه على الاستحقاق الانتخابي وعملية التحديث السياسي برمته من خلال العمل على قطع الطريق على الجبهة من تحقيق نصر انتخابي كبير.