الأردن وصندوق النقد الدولي عقود من الفشل
يواصل صندوق النقد الدولي تطبيق برامجه في الأردن وذلك بموجب اتفاقيات بدأ العمل بها منذ أكثر من 3 عقود بهدف تجاوز المملكة لأزماتها الاقتصادية.
تعاون المملكة مع الصندوق يثير العديد من القضايا والتساؤلات بشأن نجاح تلك الوصفات في إحداث تنمية اقتصادية في البلاد، وتراجع مؤشرات الاقتصاد الكلي في المنطقة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخصوصاً حجم الدين العام، وهل وصفات الصندوق هي الوحيدة الكفيلة بوضع المملكة على سكة الإصلاح والتعافي.
انخراط في برامج الصندوق
للأردن تاريخ طويل من العلاقات مع صندوق النقد الدولي بدأت قبل 35 عاما وذلك عندما طلبت المملكة من الصندوق مساعدة في إثر أزمة اقتصادية حادة ضربت البلاد في سنة 1989 جراء عدم دعم القطاع الإنتاجي وتوظيف المساعدات الكبيرة التي وصلت إلى البلد بعد الفورة النفطية، والاستعاضة عن ذلك بتسهيلات كبيرة لقطاعي المصارف والعقارات.
وانخرطت الأردن في برامج “التصحيح والتكيف الهيكلي” تحت إشراف صندوق النقد الدولي وتم توقيع الاتفاقية الأولى في سنة 1989 بهدف تقليل عجز الموازنة، وأعقب هذا الاتفاق 6 اتفاقيات أخرى، لتخرج المملكة من هذه البرامج لأول مرة في عام 2014.
بين سنتي 1989 و2004، دخلت الأردن 3 اتفاقات استعداد ائتماني، و3 اتفاقات تسهيل ممدد، لينهي بعدها برامجه مع الصندوق ويبقى منقطعًا عنه حتى سنة 2012، قبل أن يعود ليدخل اتفاق استعداد ائتماني جديد، تبعه اتفاق تسهيل ممدد سنة 2016 ما زال مستمراً إلى الآن.
توصيات الصندوق
تندرج توصيات صندوق النقد الدولي التقليدية ضمن 3 فئات هي: سياسات الاقتصاد الكلي؛ الإصلاحات الهيكلية؛ الإصلاحات المؤسسية، وهي تتضمن إجراءات معالجة الاختلالات المالية والنقدية في سياسات الاقتصاد الكلي، مثل خفض الإنفاق الحكومي، وزيادة الضرائب، ورفع الدعم عن الوقود والمواد الغذائية، وتشديد السياسة النقدية لكبح جماح التضخم، وتشجيع الخصخصة وغيرها.
وتتمثل أهداف هذه الإجراءات في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وضمان عدم إنفاق الدولة أكثر مما تستطيع تحمله، كما تعتبر بعض الإجراءات مثل تخفيف القيود على الصناعة وتحرير التجارة وتعزيز مناخ الأعمال، أمثلة على الإصلاحات الهيكلية التي تسعى إلى زيادة كفاءة الاقتصاد وقدرته التنافسية. وتهدف هذه الإجراءات إلى تشجيع النمو طويل الأجل وتعزيز قدرة الدولة على المنافسة في الأسواق الدولية.
إن الإطار العام لتوصيات صندوق النقد الدولي الذي تم تطبيقه في الأردن ركز زيادة الإيرادات الحكومية من خلال رفع الدعم وزيادة الضرائب، وهذا الأمر واصلته الحكومة الأردنية بعد خروجها لفترة من التعاون مع الصندوق في سنة 2004، واستمرت في توجهها في زيادة الضرائب والرسوم على الخدمات العامة وإلغاء الدعم عن بعض السلع الاستهلاكية.
فشل وصفات الصندوق
فشلت وصفات صندوق النقد الدولي خلال عمله في المملكة منذ أكثر من 3 عقود في إحداث نهوض اقتصادي وإحداث تنمية حقيقية، بل بقي اقتصاد المملكة ريعياً أادي الجانب يعتمد اعتماداً كلياً على المساعدات والمنح والقروض والضرائب والرسوم.
بعد تطبيق وصفات الصندوق اعتباراً من سنة 1989 تعمقت الأزمة الاقتصادية وارتفع حجم الدين العام والبطالة ومعدلات الفقر، وتراجعت الحماية المجتمعية للفئات الأكثر فقراً. وارتفع حجم الدين العام في الاردن في السنوات الاخيرة ليتجاوز خلال 2024 حاجز 61 مليار دولار، فيما قارب معدل البطالة حاجز 22%، كما تراوح معدل النمو الاقتصادي ما بين 2,5% و3%.
وتسببت وصفات صندوق النقد الدولي بتراجع أنظمة الحماية الاجتماعية نتيجة لتخفيض الاتفاق العام حيث تشير تقارير دولية الى ان معدلات الفقر في الأردن وصلت الى قرابة 35%.
الإصلاح ليس مستحيلاً
إن وصفات صندوق النقد الدولي للأردن، شأنه في ذلك شأن الكثير من الدول النامية، لم تفعل أي شيء لمعالجة المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، بل نتح عنها الكثير من السياسيات الاقتصادية والتشريعات التي أدت الى اتساع الهوة الاقتصادية والاسهام في تفاقم الهشاشة الاجتماعية وظهور توترات اجتماعية كبيرة ومؤثرة.
كما الوصفات الدولية إلى استمرار نهج الاقتصادات الريعية واعتمادها على قطاعات خدمية كالسياحة، بالإضافة الى تصدير المواد الأولية وتحويلات العاملين في الخارج، من دون أن تسهم وتعمل في دعم القطاعات الإنتاجية التي من شأنها حالة تنمية تنعكس إيجاباً على معدلات النمو الاقتصادي كالصناعة والزراعة.
لكن عملية الإصلاح الاقتصادي في الأردن ليست مستحيلة، على الرغم من محدودية الموارد وموقعه الجغرافي الذي يشهد توتراً، وهذا يحتاج الى: حسن توجيه بوصلة الإصلاح الاقتصادي للقطاعات الإنتاجية؛ توظيف أفضل للموارد البشرية؛ إطلاق العنان للقطاع الخاص للعمل في إطار أجندة تنموية؛، تقوية دور القطاع العام بعيدا عن البيروقراطية والفساد؛ الاهتمام بأوضاع التعليم والرعاية الصحية للمواطنين وتطوير البنية التشريعية القادرة على جذب الاستثمارات، وخصوصاً لقطاعات واعدة ومستهدفة ذات انتاجية عالية مثل التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، وتحريك عجلة النمو الاقتصادي ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
كما أنه من الضروري تطوير سياسات اقتصادية تهدف الى تجنب آثار التقلبات الجيوسياسية والبيئية الحادة في المنطقة الملتهبة التي يعيش فيها الأردن.