الأردن والواقع السوري الجديد بين الهواجس والمصالح
شكل انهيار النظام السوري زلزالاً مفاجئا ضرب المنطقة وأثار قلقاً بالغاً، وخصوصاً في الأردن الذي باشر حراكاً ديبلوماسياً مكثفاً، تحسساً لتحديات كبيرة ستواجه المملكة التي تترقب كيف سيكون عليه النظام السياسي المستقبلي في سورية، والنظام الإقليمي الجديد الذي يمكن أن يتشكل، والتي على أساسها تبنى الاستراتيجية التي يجب أن تتبعها المملكة للمحافظة على مصالحها الأمنية والسياسية والتقليل من التداعيات السلبية على المشهد الأردني.
زلزال يعصف بالمنطقة
لم يكن سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، حدثاً عادياً بل شكل زلزالاً هز منطقة الشرق الأوسط، حيث تغيرت بين ليلة وضحاها الهوية الاستراتيجية للمنطقة من محور يضم إيران وسورية وروسيا كان له بصمة استراتيجية واضحة في البلد من خلال انتشار قوات عسكرية وشبه عسكرية لتلك الدول، وانتشار قواعد عسكرية له، إلى محور آخر تشكل تركيا لاعباً أساسياً فيه، مؤثراً رئيسياً في رسم مستقبل سورية.
هذا التغير الاستراتيجي لم يكن عادياً أخذاً بالاعتبار القوى الأساسية التي ساهمت بصناعته مثل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) والفصائل المتحالفة معها، وخصوصاً أن الهيئة على قائمة الإرهاب الدولي.
هذا الواقع أثار مخاوف كبيرة لدى الأردن من احتمال استبدال قوة إيران الإقليمية بتركيا، فضلاً عن نمط الحكم المستقبلي وإمكانية ان يحكم الإسلام السياسي سورية.
اجتماع العقبة
بعد نحو أسبوع على سقوط النظام في سورية، شهدت الأردن نشاطاً دبلوماسياً كبيراً، تمثل باستضافة اجتماعات لوزراء خارجية لجنة الاتصال العربية بشأن سورية (الأردن، ومصر، والسعودية، والعراق) وجامعة الدول العربية بالإضافة إلى وزراء خارجية الإمارات والبحرين وقطر، والولايات المتحدة، وتركيا، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمبعوث الاممي بشأن سورية.
كان الهدف الأساسي للأردن من هذه الاجتماعات وطبيعة الحضور وضع خريطة طريق للتعامل مع سورية الجديدة ضمن المصالح المشتركة التي تربط الجميع مرحلياً، وإعادة طرح مبادرة اللجنة الوزارية التي تبنتها الجامعة العربية في أيار/ مايو 2023 (مبادرة خطوة – خطوة) التي تهرب نظام الأسد من الالتزام بها، على الرغم من التسهيلات العربية والإقليمية.
مخرجات اجتماع العقبة دعمت “عملية انتقال سلمي” في سورية تمثل فيها جميع القوى السياسية والاجتماعية، بالاعتماد على المبادرة العربية والقرارات الأممية، وخصوصاً القرار الدولي 2254.
لقد سعت المملكة من خلال اجتماعات العقبة لإعادة سورية الى عمقها العربي، وتلافياً لاستبدال النفوذ الإقليمي الإيراني في سورية بنفوذ تركي، فضلاً عن مخاوف العديد من الدول المشاركة، ومن ضمنها الأردن، من سيطرة الإسلاميين على أي حكومة انتقالية قادمة، واحتمالات تصاعد التطرف في المنطقة.
تغليب المصالح على الهواجس
سعي المملكة لبناء موقف عربي مشترك بشأن التطورات السورية لمواجهة التداعيات المحتملة على الأمن القومي للملكة تبعه بعد نحو أسبوعين زيارة وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي إلى دمشق ولقائه قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، في زيارة اعتبرت مهمة كونها لأول وزير خارجية عربي إلى دمشق.
الزيارة التي دشنت الاتصالات الرسمية بين البلدين، اعتبرها كثيرون انها بمثابة تغليب المصالح الاستراتيجية للملكة على الهواجس الكبيرة الناجمة عن سقوط نظام الأسد.
كما أن هذه الزيارة جاءت لبحث جملة من الأمور الأساسية، منها الجهود الحقيقية المشتركة في مشكلة تعريب المخدرات والسلاح إلى المملكة، والتي لم يتعامل معها النظام السابق في سورية بجدية، وضمان استقرار الحدود الشمالية للملكة التي تبلغ نحو 370 كم، والملف الأمني كالتصدي للمجموعات الإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالإضافة الى ملف اللاجئين المرهق للملكة.
وهذه الزيارة تأتي أيضاً في وقت تسعى فيه المملكة للحد من أي من تداعيات توثر على وحدة سورية، وخصوصاً الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية وتوغلها في المنطقة الجنوبية وما لهذا الأمر من تداعيات كبيرة على الامن الوطني لكل من سورية والأردن.
اختبار القيادة السورية الجديدة
على الرغم من البراغماتية التي اظهرتها المملكة في سياستها الخارجية في التعامل مع الادارة الجديدة في سورية حالياً، إلا أن هذا الأمر لا يزال ضمن ميزان اختبار للثقة بتلك الإدارة من حيث استقلالية قرار الأخيرة وفيما إذا كان هناك تأثير للدول الإقليمية، وخصوصاً تركيا التي لديها مصالح كبيرة ونفوذ في سورية، والتطورات الداخلية في سورية في المرحلة الانتقالية واحتمالات نجاحها، وهل ستفضي إلى تكريس نظام إسلام سياسي في إدارة البلاد، والحفاظ على وحدة سورية واستقرارها وغيرها؟
ان جملة الأمور آنفة الذكر هي من سيحكم مسار التعامل بين الأردن والإدارة الجديدة في سورية، وخصوصاً أن لها علاقة مباشرة بتداعيات الامن القومي في المملكة.
استراتيجية متوازنة
المرحلة الانتقالية في سورية ستشهد إجراءات عديدة تبدأ بتشكيل حكومة مؤقتة وما إذا كانت مكونات الشعب السوري كافة سوف تتمثل فيها، وكذلك عقد مؤتمر حوار وطني سوري وما سينتج عنه إزاء الشروع بإعداد دستور سوري جديد، وهذا الأمر يفرض على المملكة وضع استراتيجية متوازنة تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية والسياسية مع تقليل التداعيات السلبية على المشهد الداخلي الأردني.
تلك الاستراتيجية الأردنية يجب أن تتضمن تعزيز التعاون العربي والإقليمي والدولي لتحقيق الاستقرار في سورية، ومنها منع صعود وظهور الجماعات الإرهابية، ومراقبة التطورات السورية عن كثب، وتعزيز الحوار مع الإسلام السياسي في المملكة المتمثلة بحركة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي “جبهة العمل الإسلامي” للحفاظ على الاستقرار الداخلي.