إضراب القطاع الصحي في المغرب على وقع أزمات متعددة

يشهد المغرب منذ أكثر من سبعة أشهر، حراكاً في منظومة الصحة، تزامناً مع الحراك الذي عرفته الشغيلة التعليمية في نهاية السنة الفائتة، وبداية هذه السنة، غير أن الحراك الصحي يخص على السواء طلبة الطب والعاملين في القطاع الصحي، الأمر الذي أوجد فراغاً أو واقعاً مزرياً في المستشفيات العمومية. ويعود أساس هذا الاحتقان الوطني في قطاع الصحة إلى ما أفرزته سياسة الدولة تجاه المهنيين في القطاع، وكذلك الطلبة الدارسين في كليات الطب، فالدولة كانت قد أبرمت اتفاقاً مبدئياً مع مهنيي القطاع على مجموعة من النقاط، غير أنها لم تلتزم بتنفيذ بنود هذا الاتفاق لاحقاً، ما أوجد سخطاً لدى مهنيي قطاع الصحة لعدة شهور.

تحديات الهجرة والخصاص

تعاني المملكة المغربية على غرار باقي الدول النامية، من نقص كبير في عدد الأطر الطبية مقارنة مع سكان المملكة المغربية، وهو العجز الذي إزداد حدة في السنوات الأخيرة، لهذا حاولت الدولة بشكل كبير أن تنهج مساراً جديداً يحد، قدر الامكان، من استمرار هجرة الأطباء إلى الخارج، وكذل الرفع من الأطر الطبية، عبر سن قانون جديد يخص النظام الداخلي لتكوين الطلبة في كليات الطب والصيدلة. وقد عملت الدولة على تقليص سنوات الدراسة ورفعت بالمقابل من عدد الطلبة الجدد، وهو ما واجهه الطلبة بالاحتجاج والدعوات لمقاطعة الامتحانات. وعلى الرغم من استمرار احتجاج الطلبة الأطباء، إلا أن وزير التعليم العالي عبد اللطيف ميراوي، أكد في 10 تمّوز/ يوليو 2024 أن قرار تقليص سنوات التكوين في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، هو قرار سيادي لا رجعة فيه. مشدداً على أن تجويد العرض التكويني في مجالات الطب والصيدلة وطب الأسنان، يندرج في إطار المجهودات الرامية إلى تطبيق الأمر الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية الذي يهدف إلى النهوض بالمنظومة الصحية الوطنية، وتعزيزها بالموارد البشرية اللازمة. لكن على الرغم من ذلك لازالت الحركة الطلابية تنهج مسار الاستمرار في المقاطعة، إذ سجلت مقاطعة امتحانات المرحلة الثانية مابين 90% و94% في كليات الطب والصيدلة العمومية.

يمكن رد هذا الاحتقان الصحي، إلى التحديات التي تواجهها المنظومة الصحية في المغرب منذ سنوات، فعودة بسيطة لاحصائيات السنوية الفائتة، يتبين أن المغرب يفقد بشكل سنوي ما يقارب 600 إلى 700 طبيب، وهي عملية ناتجة عن هجرة تتوجه في الغالب للدول الأوروبية أو إلى كندا، ولاترتبط الهجرة هنا بالأطباء والأساتذة الأطباء فقط،  بل أيضاً بالممرضين والطلبة المتدربين، ما يهدد بنقص حاد في الموارد البشرية الصحية، ويمكن القول أن ما يفوق 30% من الطلبة بالكليات الطب العمومية، يتجهون نحو الخارج، وماتبقي من خرجين يتوجهون للعمل الخاص عوض العمل في القطاع العام،  وهو الأمر الذي حاولت الحكومة مواجهته عبر استقطاب الأطباء الأجانب، وخصوصاً الأفريقية، غير أن هذه المحاولة لازلت ضعيفة، ولاتغطي احتياجات المستشفيات العمومية، مما يعمق الخصاص في الموارد الصحية، لهذا عملت الدولة على تخفيض عتبة ولوج كليات الطب أمام الوافدين الجدد، في إطار مضاعفة  طلاب كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، على أمل اضافة ثلاثة آلاف طبيب سنوياً، وعلى الرغم من جميع هذه الجهود إلا أن معدل الأطباء بالمغرب مقارنة مع عدد السكان، لايزال بعيداً عن المتوسط العالمي المعمول به.

احتجاج وعنف واعتقال

هذا السجال الصحي عاد بقوة للواجهة، بعد ما تعرض له  مهني  القطاع، في يوم الأربعاء 10 تمّوز/ يوليو الجاري في الرباط من مواجهة وعنف واعتقال، فقد أفادت مصادر نقابية،  بأن عدد الموقوفين بمسيرة  الأربعاء التي جرت بالرباط،  قد تراوح ما بين 28 و35 شخصاً،  تم الاستماع إليهم من طرف الضابطة القضائية، قبل إطلاق سراحهم لاحقاً، على أساس تقديمهم يوم الجمعة 12 تمّوز/ يوليو أمام الوكيل العام للملك، وهي المتابعة التي تأتي في إثر الاتهامات الموجهة اليهم، من قبيل: “التحريض على مقاومة السلطات، وعدم الامتثال لأوامر السلطات، والتجمهر والاحتجاج غير المرخص به من طرف السلطات.”

وجدير بالذكر أن مهني قطاع الصحة يخوضون إضراباً أسبوعياً يتراوح مابين يومان وثلاثة أيام، منذ توقيع الاتفاق مع وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد ايت الطالب، أي منذ أربعة أشهر، وهو ما اعتبرته النقابات احتجاجاً مشروعاً أمام تجاهل الحكومة لمطالبها والتزاماتها السابقة التي أفضى إليها الحوار الاجتماعي، وما تم التوافق بشأنه مع اللجنة الحكومية من تحسين للأوضاع المادية والاعتبارية لشغيلة القطاع.  وقد وصف توجه الحكومة  بازدواجية في الخطاب والممارسة، مادامت لا تنفك تعلن عن رغبتها في إصلاح عميق للمنطومة الصحية المغربية، عبر ما أعلنته من تعميم التغطية الصحية، والتي شرعت بالفعل في تنفيذه عبر عدة ورشات، لكنها في المقابل تتغاضى عن التزاماتها ازاء الشغيلة الصحية، باعتبارها الركيزة الأساسية لمشروع الإصلاح الصحي، وهو ما يبرر، حسب التوجه النقابي، الاستمرار في الاضرابات عن العمل في مختلف مستشفيات المملكة المغربية، باستثناء أقسام الإنعاش والطوارئ، الأمر الذي جعل الكثير من المواطنين يصدمون بواقع مرير يفرض عليهم مزيداً من التأجيل للمواعيد التي انتظروها لشهور، أمام تواصل الإضراب عن العمل، وخصوصاً بعد أحداث 10 تمّوز/ يوليو. فقد أعلنت النقابات عن خوض إضراب وطني يومي 11 و12 تموز/ يوليو، وهو ما سيمتد الى الأسابيع المقبلة، ابتداء من يوم الاثنين 15 تمّوز/ يوليو ولمدة عشرة أيام،  وكذلك ستشن إضرابات جديدة ابتداء من يوم الاثنين 22 تمّوز/ يوليو المقبل لمدة 10 أيام، وستشمل الإضرابات الجديدة، وفق بيان التنسيق النقابي، جميع المؤسسات الاستشفائية والوقائية والإدارية ومؤسسات التكوين الصحي على الصعيد الوطني، باستثناء أقسام الطوارئ والإنعاش. وهو على مايبدو خطاباً تصعيدياً، انتقل من ثلاثة أيام الى خمسة أيام في الأسبوع، من الاثنين إلى الجمعة في الفترات من 15 إلى 19 تمّوز/ يوليو ومن 22 إلى 26 تمّوز/ يوليو، بالإضافة إلى وقفات ومسيرات احتجاجية إقليمية وجهوية.

محاولة احتواء

حاولت الحكومة احتواء هذا الاحتقان بعد مسيرة الأربعاء 10 تمّوز/ يوليو، إذ دعا وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب، كل النقابات الصحية إلى اجتماع مساء الجمعة 12 تمّوز/ يوليو، لمناقشة الاحتقان الذي ظل يعيش على إيقاعه القطاع لأسابيع طويلة. ويأتي هذاالاجتماع  بعد يوم من إعلان الناطق الرسمي للحكومة مصطفى بايتاس، عن اجتماع سيجمع النقابات في القطاع الصحي بالوزير الوصي عن القطاع، حيث عقد وزير الصحة والحماية الاجتماعية اجتماعا مع ممثلي الهيئات النقابية في قطاع الصحة، يوم الجمعة الفائت، بتكليف من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي أكد في هذا الاجتماع أن الحكومة موافقة على جميع مضامين النقط المطلبية المرتبطة بالجانب الاعتباري والمالي، وكذا الوضعية القانونية لمهني الصحة، الواردة في الاتفاق، وفق ما أكده التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة في بلاغ له.

غير أن نتائج الاجتماع أفضت بدورها الى احتقان جديد بخصوص النقط المطلبية، خصوصا فيما يتعلق بالمطالب ذات الأثر الاعتباري والمادي، حيث أكدت الحكومة موافقتها على 12 نقطة من أصل 17، وتحفظت على بقية النقاط، وهو ما رفضه التنسيق النقابي خلال الاجتماع، متشبثاً  بتنزيل جميع النقاط المطلبية المتضمنة في الاتفاق،  مما ينذر باستمرار الاحتقان الصحي إلى أجل غير مسمى، في حين لاتزال المستشفيات تعيش على إيقاع إضراب يشل القطاع الاستشفائي.