أضرار كبيرة جراء الحرب والسلطة اللبنانية غائبة

يشعر اللبنانيون بقلق بالغ من احتمالات تصاعد الحرب في جنوب لبنان وتحوّلها إلى “حرب شاملة”، وخصوصاً أنهم يشاهدون الضربات الاسرائيلية تقترب يوماً بعد يوم من العاصمة بيروت، متخطية حدود “جنوب الليطاني” التي رسمها قرار مجلس الأمن الدولي في سنة 2006 بوصفها منطقة عمليات قوات الأمم المتحدة “اليونيفيل”، ويسقط ضحايا، وتُسجل خسائر اقتصادية، في ظل غياب تام للسلطة الرسمية.

هذا التصعيد كان آخره غارة، شنتها إسرائيل في محيط مدينة صيدا، مستهدفة ما قالت إنّه مركز لـ”حزب الله”، من دون وجود دليل على ذلك بالفعل حتى الآن. وسائل الاعلام اللبنانية زارت المكان وعرضت مشاهد للدمار الحاصل جراء الغارات لكن لم يُثبت بالفعل أن ثمة مركز أو مستودع أسلحة للحزب من عدمه.

هذا الأمر المستجد، دفع بالعديد من المواطنين اللبنانيين إلى رفع الصوت من أجل التعبير عن خوفهم من شكل الحرب المستجدة. فلبنان اليوم يعيش في حالة تراوح بين “الحرب” والـ “لا حرب”، وتقتصر على استهداف قيادات “حزب الله” وعناصره ومراكزه ومستودعاته، وهي في مجملها “سرية” لا يعرفها المواطنون العاديون، والتي يُقال إنها منتشرة بين المدنيين. وجراء ذلك، فقد تحوّل كل مواطن إلى “هدف”، مُعرّض للقتل لمجرد مروره صدفة بالقرب من مسؤول أو قرب مبنى للحزب.

وعليه، تتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي وسوم(هاشتاغ)، مثل: “لبنان لا يريد الحرب”، و”نرفض الحرب”، و”لا للحرب”، ويختلف تقييم هذه الوسوم بين من يقول إنها ممولة من جهات معادية للمقاومة، ومن يؤكد أنها من أجل التعبير عن رفض توسيع دائرة الاشتباكات مع إسرائيل في معركة يعتبرها أغلب اللبنانيين ليست معركتهم ولا حربهم، وكل ذلك يحصل في ظل غياب الدولة بشكل كليّ، وعدم قدرتها على التعويض عن أيّ خسائر.

جغرافيا المعارك وتأثيرها

العمليات العسكرية محصورة منذ أكثر من 4 أشهر في مناطق محددة في جنوب لبنان، لكن تداعياتها تطال البلد ككل على مستوى القطاعات كافة.

وتكشف دراسة للأثر الاقتصادي للحرب أجرتها جهات غير رسمية في لبنان، أن مجمل الخسائر في الجنوب تبلغ إلى اليوم ما يزيد على 1,2 مليار دولار. وهذه الخسائر مرتبطة بالدمار الذي طال البنى التحتية والمباني والأراضي الزراعية، إذ سًجل دمار 550 منزلاً بالكامل، و3300 منزل بشكل جزئي، فضلاً عن أكثر من 300 مليون دولار خسائر غير مباشرة نتيجة إقفال المؤسسات وتوقف الأعمال.

وبحسب مركز “الدولية للمعلومات” المتخصص بالاحصاءات، هناك نحو 85 ألف نازح من 46 بلدة وقرية جنوبية تتعرض بشكل دائم للاعتداءات الإسرائيلية. أما على مستوى الخسائر البشرية، فقد سقط قرابة 200 مقاتلاً لحزب الله، وكذلك نحو 30 مدنياً، وعدد قليل من عناصر الجيش اللبناني.

أضف إلى ذلك، فإنّ للحرب أثر كبير على القطاع السياحي، إذ كان يتوقع أن يكون النمو في كانون الأول/ ديسمبر كان بحدود 27%، لكن الحرب حالت دون تحقيق ذلك. بل على العكس، فقد تراجعت حركة المطار عن معدلاتها بنسبة 25%. بينما الخسائر الكبرى تكبدها القطاع الزراعي الذي يُؤمِّن معيشة أكثر من 80% من سكان الشريط الحدودي.

ماذا فعلت السلطة اللبنانية؟

لم تقدم السلطة اللبنانية أي جديد بشأن الحرب الدائرة على أراضيها بين “حزب الله” وإسرائيل. وحتى الموازنة العامة التي أُقرت الشهر الفائت في البرلمان اللبناني، لم تأتي على ذكر الحرب في الجنوب لا من قريب ولا من بعيد. كما لم تخصّص أي مبلغ من أجل التعويض على المتضررين.

وقد أثير جدل في لبنان حول هذا الموضوع، وخصوصاً بعد أن طالب حزب الله الحكومة بـ “تحمل مسؤولياتها والتعويض على الاهالي”، فقام رئيس الحكومة بالتعهد إلى وفد الحزب بالتعويض عليه بعد موافقة مجلس الوزراء على تخصيص مبلغ 10 ملايين دولار لهذا التعويض.

كما وافقت الحكومة على اقتراح قدمه “مجلس الجنوب” (مجلس مخصص لتعويض الخسائر الناتجة عن الصراع مع إسرائيل منذ عقود) بتعديل قيمة التعويضات بالليرة اللبنانية التي لا تزال تُحتسب وفق سعر صرف الرسمي القديم 1500 ليرة للدولار الواحد. إذ طلب المجلس زيادة المبالغ بالليرة لتُعادل بالدولار ما دفعه المجلس سنة 2006، والموزعة على النحو التالي:

3 مليارات و600 مليون ليرة (تساوي 40 ألف دولار) للوحدات السكنية المهدمة كلياً، تدفع على ثلاث دفعات.

1 مليار ليرة (تساوي 11 ألف دولار) للوحدة السكنية التي يلزمها ترميم.

بين 10 و20 ألف دولار مخصصات الجرحى المصابين بعطب دائم، وذوي الشهداء.

لكن حتى اللحظة لم تُدفع هذه التعويضات للمتضررين، وما زال الأمر مجرد حبر على ورق.