أحزاب بلا حزبيين في سورية

مع تحديد انتخابات مجلس الشعب السوري في 15 تموز/ يوليو المقبل يبرز تساؤل كبير بشأن الأحزاب التي تشكلت بعد إقرار القانون رقم 100 في آب/ أغسطس 2011، والذي حدد شروط تأسيسها وآلية تشكيلها، وهل استطاعت أن تخرق الجمود السياسي السائد بسيطرة حزب البعث على المشهد السياسي في البلاد، وأن تسهم في استقطاب الشارع وتعبئته بعد عقود من تجريم العمل السياسي والتغول الأمني، أم أن هذه الأحزاب فشلت في تحقيق أي فعالية سياسية تعيد للعمل السياسي تألقه قبل عام 1963؟

قانون الأحزاب لاحتواء الأزمة

أصدر الرئيس بشار الأسد بتاريخ المرسوم التشريعي رقم 100 للعام 2011 الذي يتضمن قانون الأحزاب، والذي توزع على 38 مادة تضمنت الإجراءات المتعلقة بتأسيسها وترخيصها وموارد الأحزاب وتمويل نشاطها وحقوقها وواجباتها.

وحدد القانون المذكور جملة من الشروط العامة لتأسيس الأحزاب منها: الالتزام بأحكام الدستور، ومبادئ الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام الحريات والحقوق الأساسية، والإعلانات العالمية لحقوق الانسان.

واشترط القانون في الحزب علانية مبادئه وأهدافه ووسائله ومصادر تمويله، وألا يكون فرعاً تابعاً لحزب أو تنظيم سياسي غير سوري.

وتشكل منذ صدور القانون 12 حزباً جديداً هي: حزب التضامن؛ الحزب الديمقراطي السوري؛ حزب الطليعة الديمقراطي؛ حزب التضامن العربي الديمقراطي؛ حزب التنمية الوطني؛ حزب الشباب الوطني السوري؛ حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية؛ حزب سورية الوطن؛ حزب الإرادة الشعبية؛ حزب الشعب؛ حزب الإنقاذ الوطني؛ حزب الإصلاح الوطني.

هذه الأحزاب حصلت على تراخيصها بموجب القانون الجديد بعد عقد مؤتمراتها التأسيسية التي كان من شروطها تمثيل الحزب في سبع محافظات سوريّة كحد أدنى على ألا يقل عدد المنتسبين عند التأسيس عن ألف منتسب.

امتيازات للبعث

على الرغم من أن القانون شكل بارقة أمل لتحريك بحر السياسة الراكد منذ عقود في سورية، إلا أن مختصين يعتبرون أن القانون يحتوي على بعض المواد التي أعطت حزب البعث استثناءات وامتيازات، منها المادة الخامسة التي منعت قيام أي حزب على أساس ديني أو مذهبي أو قبلي أو مناطقي، أو على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون، وهذا الأمر منع، على سبيل المثال، تشكيل أحزاب كردية في وقت يعتبر حزب البعث حزب قومي عربي.

كما تنص المادة الخامسة على ألا ينطوي نشاط الحزب على إقامة أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية علنية، وهو أمر يتنافى مع عمل حزب البعث ضمن الجيش في سورية باعتباره جيشاً عقائدياً.

وتنص المادة 7 من القانون على تشكيل لجنة شؤون الأحزاب من وزير الداخلية رئيساً، وقاض يسميه رئيس محكمة النقض، و3 شخصيات عامة مستقلة يسميها رئيس الجمهورية لمدة 3 سنوات، الأمر الذي يُكرس أيضاً سيطرة حزب البعث على عمليية تشكيل الأحزاب، إذ إن رئيس الجمهورية هو الأمين العام للحزب، ووزير الداخلية عضو ينتمي إلى هذا الحزب.

توجهات سياسية عامة بلا برامج

يشير مختصون إلى أن الأحزاب التي تشكلت بموجب قانون الأحزاب لسنة 2011 حمل بعضها شعارات وتوجهات عامة، دعت معظمها إلى الإصلاح ومحاربة الفساد والحفاظ على المؤسسات والحرب على الإرهاب، ووُصف بعض منها أنها أحزاب معارضة وطنية، من دون أن تتبنى تلك الأحزاب برامج عمل لتحقيق توجهاته، فضلاً عن عدم معرفة توجهاتها لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الجمة الناتجة عن تداعيات الأزمة.

وعلى الرغم من مشاركة الأحزاب الجديدة في مؤتمرات الحوار التي عقدت في الخارج، مثل موسكو وأستانا وجنيف، إلا أن المختصين يصفون دورها بالشكلي الذي أعطى صورة وهمية عن وجود أحزاب معارضة وتعددية في سورية.

أحزاب بلا حزبيين

يعتبر مختصون أن الأحزاب السياسية في سورية بشكل عام باستثناء حزب البعث، ذات فعالية ضعيفة، سواء من خلال تأثيرها أو أدائها السياسي أو بنيتها التنظيمية.

فقد اقتصر أداء الأحزاب على بيانات وتصريحات في مناسبات معينة، من دون أن يكون لعملها أي تأثير، إذ لم تستطع استقطاب الناس للعمل في صفوفها، فضلاً عن عدم تماسك بناه التنظيمية للعضها والخلافات الداخلية بين قياداتها وأعضائها.

ويعزو المختصون عدم فعالية تلك الأحزاب إلى حالة القحط السياسي التي شهدتها سورية منذ سيطرة البعث على السلطة في سنة 1963، والتغول الأمني الذي منع أي عمل سياسي خارج حزب البعث الحاكم، الذي أثار خوف الناس من العمل السياسي، فضلاً عن غياب التعددية السياسية بسبب حصر عمل الأحزاب في إطار ما عرف بـ “الجبهة الوطنية التقدمية” (مجموعة أحزاب قومية هامشية برئاسة حزب البعث)، والحرب الداخلية وتداعياتها التي أثرت بشكل سلبي على عمل الأحزاب وقدرتها على الاستقطاب والتعبير عن نفسها، بالإضافة إلى عدم وضوح الأيديولوجية والتوجهات السياسية والاقتصادية لدى معظم الأحزاب، والضعف المادي الذي تعاني منه الأحزاب وغياب وسائل الإعلام الناطقة بإسمها.

فشل يبعد رهان التغيير

فشلت الأحزاب الجديدة منذ 2011 في تحقيق اختراق واضح في انتخابات الإدارة المحلية، وانتخابات مجلس الشعب، أو تمثيل أي منها في الحكومات المتعاقبة، وبقي المشهد السياسي كما كان سابقاً: سيطرة حزب البعث الحاكم على السلطة والحكومة، واقتصار وجود أحزاب الجبهة على ممثلين في وزارات شكلية.

وأرجع المختصون هذا الأمر إلى افتقاد هذه الأحزاب إلى عمق شعبي، وعدم وجود شخصيات كاريزمية قادرة على تحقيق خرق يعوض البعد الشعبي، فضلاً عن عدم قدرة الأحزاب على تشكيل تحالفات وازنة مقارنة بحزب البعث والأحزاب التي تدور في فلكه.

هكذا، يبدو أن المشهد الحزبي الحالي في سورية سيبقى لسنوات مقبلة، ما لم تتغير الظروف، إذ إن الأحزاب التي تشكلت في البلاد منذ 2011 غير قادرة على إحداث أي تأثير أو تغيير في الواقع السياسي والاجتماعي.

لقد تبين أن العقود الماضية من تجريم العمل في السياسة ومحاربة النخب الثقافية والسياسية وحصر ذلك العمل في حزب البعث الحاكم أدى الى عزوف السوريين، وخصوصاً الشباب، عن الدخول في هذا المعترك، وأن الأحزاب الناشئة أسهمت بإعطاء صورة غير حقيقة عن حدوث تعددية سياسية في البلاد.

هذه الأحزاب الجديدة لم تقم بالوظائف المطلوبة من الأحزاب السياسية بشكل عام، مثل تفعيل الحياة السياسية وتنشيطها وتشكيل الرأي العام وتعبئته، ونشر الوعي بالمشكلات السياسية الموجودة بين المواطنين ووضع مقترحات لحلها.

إن واقع الأحزاب السورية يُعد مؤشراً على سوء الوضع العام في سورية، ويدل على الاستبداد الذي مارسه النظام؛ أما الأحزاب الجديدة التي نشأت بعد الأزمة، فلم تكن أكثر من إجراء شكلي غير حقيقي لتحسين صورة النظام. لذلك فإن الحل السياسي للأزمة هو المدخل الوحيد لإعادة الاعتبار للسياسة في سورية، ولبناء استراتيجية قادرة على الخروج من التداعيات الكارثية التي يشهدها البلد منذ عقود.