وفاة لونا الشبل حادث عرضي أم اغتيال سياسي؟

أثارت وفاة المستشارة السياسية الخاصة برئاسة الجمهورية العربية السورية لونا الشبل، جراء ما قيل إنه حادث سير، جدلاً واسعاً، فيما إذا كان الحادث عادياً أم عملية اغتيال.

وفاة الشبل التي تمتعت في سنوات الأزمة بصلاحيات واسعة انجت لها الكثير من المنافسين والحاسدين في القصر الجمهوري، أثارت العديد من التكهنات بشأن ارتباط وفاتها بحجم المعلومات التي تملكه عن طبيعة النظام ونشاطه، والاتهامات الموجهة لها بتسريب معلومات عن نشاط إيران في سورية.

لونا الصحافية

ولدت لونا الشبل عام 1975، تخرجت من قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب بجامعة دمشق، ثم حصلت على دبلوم الترجمة الفورية وماجستير في الصحافة والاعلام.

بدأ نجمها في السطوع عندما عملت مذيعة في التلفزيون السوري لمدة عامين ثم انتقلت للعمل في قناة الجزيرة ذائعة الصيت بدءاً من سنة 2003 كمذيعة ومقدمة برامج حوارية حيث اثبتت كفاءة عالية في إجراء مقابلات مع شخصيات مهمة، مثل لقائها مع وزير الخارجية الإيراني، وتغطية العديد من الأحداث كوفاة كل من رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والعديد من الأحداث الكبيرة في المنطقة كحرب تموز/ يوليو 2006 في لبنان، وحوادث اغتيال بعض المسؤولين اللبنانيين مثل بيار أمين الجميل، وجورج حاوي، وجبران تويني، وتغطياتها في السودان وغيرها.

وكانت الشبل ضمن 5 مذيعات تقدمن باستقالتهن من قناة الجزيرة بسبب ما وصفته إحداهن باتباع القناة سياسة لا تحترم القواعد المهنية.

في معترك السياسة

مثل بدء الأزمة السورية في سنة 2011، تغيير مسار حياة لونا الشبل التي معترك السياسة من خلال توليها منصب رئيسة مكتب الإعلام والتواصل في رئاسة الجمهورية، ثم وصولها الى قمة مجدها بعد صدور قرار من الرئيس بشار الأسد بتعيينها مستشارة خاصة في رئاسة الجمهورية، لتتمتع بصلاحيات واسعة، وترافق الأسد في معظم رحلاته إلى خارج البلد. كما كانت عضواً في الوفد الحكومي السوري المشارك في مؤتمر جنيف 2 في كانون الثاني/ يناير 2014 برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم، وأصبحت مسؤولة عن السياسة الإعلامية في سورية من خلال دورها في اختيار وزراء الإعلام ورؤساء المؤسسات الإعلامية الحكومية.

في سنة 2016، تزوجت الشبل من عمار ساعاتي، صديق اللواء ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، وعضوا القيادة المركزية في حزب البعث الحاكم، وشقيق الرئيس بشار الأسد، وفي سنة 2020 فرضت الإدارة الامريكية عقوبات على الزوجين بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية”، متهمة اياهما بأنهما “من كبار المسؤولين الحكوميين المرتبطين بالفظائع الجماعية”.

حادث أم اغتيال

شكل اعلان إصابة الشبل بجروح جراء حادث سير، والاعلان عن وفاتها، وتعيين مراسم دفنها، مؤشرات عن تغير طبيعة العلاقة بينها وبين الحلقة الضيقة الحاكمة.

فقد أعلنت الرئاسة السورية أوائل تموز/ يوليو 2024، عن تعرض الشبل لحادث سير، من دون إيراد مزيد من التفاصيل، وتزامن التعتيم الإعلامي هذا مع تسريبات تحدثت عن منع زوجها من زيارتها في مشفى الشامي.

كما إن إعلان وفاة الشبل ومراسم الدفن الباهتة وعدم مشاركة مسؤولين سوريين في دفن سيدة كانت صاحبة قرار في “قصر الشعب” كان أمراً مثيراً للشكوك والريبة، إذ تم عرض لقطات من التشييع تظهر زوجها عمار ساعاتي وعدد قليل من المشيعين، واللافت أنه جثمانها لم يُلف بالعلم السوري مثلما درجت العادة عند توديع مسؤولين رسميين على رأس عملهم.

مراسم التشييع وحجم المشاركة الرسمية أعاد إلى الأذهان مراسم تشييع أحد أركان النظام في سورية وزير الداخلية السابق غازي كنعان، والتي أثارت طريقة موته أيضاً جدلاً، إذ أشارت الرواية الرسمية إلى انتحار كنعان، وهو ما شككت مصادر أخرى بصحة هذه الرواية.

هل تجاوزت الخطوط الحمراء؟

مؤشرات عدية ظهرت قبل وفاة لونا الشبل تشير إلى عدم رضا النخبة الحاكمة عنها، ومنها استبعادها من اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم، واستبعاد زوجها عمار ساعاتي وإعفاءه من التدريس في جامعة دمشق، واعتقال شقيقها العميد ملهم الشبل.

وتشير بعض التقارير والمعلومات إلى أن وفاة لونا الشبل كانت عملية اغتيال سياسي يأتي في إطار التنافس الروسي الإيراني في سورية، وخصوصاً مع الحديث عن تسريبها معلومات ومحاضر جلسات الأسد المغلقة مع المسؤولين الإيرانيين إلى جهات خارجية ومنها روسيا؛ كما أن هناك اتهامات للونا وشقيقها العميد ملهم الذي شغل منصب الملحق العسكري في بيلاروسيا، عن تسريب أماكن تواجد القواعد العسكرية الإيرانية في سورية، واتهام الأخير بتسريب معلومات أدت الى مقتل قادة رفيعي المستوى في الحرس الثوري الإيراني في القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع نيسان/ أبريل الفائت.

وتشير تقارير أيضاً، إلى أن سبب إبعاد لونا الشبل عن الساحة، تجاوزها الخطوط الحمراء وقيامها بنشاط اقتصادي مع زوجها من دون الحصول على إذن من الحلقة الضيقة من النظام، وقيامها بإجراء تحويلات دولية كبيرة إلى خارج سورية عبر عقارات في الإمارات العربية المتحدة وروسيا.

التخلص من الصناديق السوداء

وفضلاً عمّا سبق، تشير المعلومات إلى أن التخلص من لونا الشبل يأتي في سياق امتلاكها الكثير من المعلومات بالغة الحساسية لقربها من رأس النظام، بالتزامن مع تحولات سياسية تشهدها المنطقة جعل التخلص منها في هذا الوقت امراً لا مفر منه.

 

وللحلقة الضيقة من النظام سجل حافل في التخلص من مؤيديها من كبار المسؤولين والموظفين الذين يقومون بخدمتها وشكلوا واجهات سياسية واقتصادية لها، وذلك خدمة لمصالحها.

ويبدو أن لونا الشبل لم تكن استثناء على الرغم من مكانتها ودورها، وستستمر تلك الحلقة في التخلص من صناديقها السوداء في الفترة المقبلة، للتكيف مع طبيعة المرحلة، وخصوصاً عودة علاقات دمشق مع خصومها.